وكانت الصين بفوزها باستضافة دورة الألعاب الأوليمبية قد حصلت على فرصة كي تثبت انها لم تعد على الهامش الدولي ولكي تذكر الجميع بطموحاتها العالمية. وكان قرار إقامة دورة الألعاب الأوليمبية في بكين يعني ضمنا إقرار العالم أن الصين هي دولة صناعية، وعلى بكين ألا تفوت تلك الفرصة. \r\n فقبل الصين جاءت الفرصة لبلدان أخرى وأحسنت الاستفادة منها. ففي أعقاب دورة الألعاب التي جرت في طوكيو عام 1964 نفضت اليابان عن نفسها صورة البلد النامي الذي يصدر للعالم نماذج رخيصة من السيارات الأميركية. \r\n كما ان كوريا الجنوبية بذلت جهودا كبيرة قبل ألعاب 1988 لكي تقنع العالم أنها لا تخضع لنظام شبه عسكري تستخدم فيه الشرطة الهروات ضد الطلاب. ولم يكن أحد يرغب في الحديث عن ذلك بعد دورة سيئول. \r\n والآن تعمل الصين ليلا ونهارا لكي تحذو خطى من سبقوها. وقد صرح بيوتر فاسيليف مدير الإتصالات في لجنة العرض الروسي لاستضافة اوليمبياد 2012 أنه وخلال السنوات السبع منذ ان بدأت بكين الاستعداد لدورة الألعاب القادمة استطاعت ان تجتاز طريقا كان سيستغرق 30 عاما في ظروف أخرى. \r\n وعلى الرغم من أن احدا لا يبدي دهشة إزاء سرعة وتيرة البناء والإنشاءات في الصين إلا أن الشوارع القذرة تمثل أمرا آخر. فالسلطات في بكين تريد الآن أن تبدو امام العالم أنها مدينة مثقفة ومن ثم فقد تم فرض عقوبات متزايدة على من يقومون بإلقاء المخلفات أو ينتهكون النظام العام كما نُشرت دوريات خاصة لمراقبة من يقومون بالبصق في الطرقات على الرغم من ان البصق في الطرقات من العادات الصينية القديمة. \r\n وشرعت السلطات هناك في تنظيم دورات خاصة حول السلوك الحسن للعاملين في النقل والمنشآت الرياضية والشرطة. كما جرى تطهير بكين من العناصر التي تشوه صورة المجتمع وهو ما يعيد الى الأذهان أوليمبياد موسكو 1980 عندما أُجبرت البغايا والمتشردون على الابتعاد لمسافة اكثر من 63 ميلا عن المدينة طوال فترة إقامة الألعاب. \r\n وهناك تشابه آخر بين ألعاب موسكووبكين وهو أن الغرب قد هدد بمقاطعة أوليمبياد بكين، فيما كانت ألعاب موسكو قد تعرضت للمقاطعة لأن القوات السوفيتية كانت قد تم نشرها في أفغانستان خلال العام السابق على الألعاب. اما في عام 2008 فالسبب هو ما تقوم به الصين لإخماد تمرد في إحدى مقاطعاتها. \r\n وربما يكون المسئولون الأوروبيون قد قدموا عن غير قصد مثالا على ازدواجية المعايير فيما يتعلق بواحدة من اكثر المشاكل حدة وهي الهجرة. فعدد سكان التبت من أصول تبتية يمثلون 93% من إجمالي السكان في المنطقة فيما يمثل \"الهان\" نسبة ال 7% الباقية وهم مهاجرون ذهبوا اليها من أنحاء الصين. والسكان الهان كانوا هم السبب وراء احتجاجات التبتيين كما أنهم كانوا الضحايا الأساسيين للاعتداءات. وقد اتخذ الغرب موقفا الى جانب سكان التبت الأصليين ممن يقال أنهم قد كافحوا لقرون للمحافظة على أصولهم العرقية وثقافتهم ودينهم. \r\n وفرنساوألمانيا وروسيا يسعون جميعا للحفاظ على ثقافاتهم ايضا ولكن ليس من خلال تلك الصورة العدوانية كما فعل سكان التبت. فلماذا إذا تمثل الهجرة إبادة جماعية في التبت وحقيقة مقبولة في أوروبا ؟ فالمهاجرون يمثلون حوالي 18% من عدد السكان في ألمانيا والسلطات الألمانية تتصدى لمن يتجرء على التساؤل عن حق هؤلاء في المعيشة في ألمانيا وتصفه بالعنصري والنازي الجديد. \r\n وفي فرنسا تم تغريم الممثلة السابقة برجريت باردو 23 ألف يورو ومعاقبتها بشهرين سجن مع وقف التنفيذ لما صرحت بها في منتصف ابريل أن المجتمع المسلم : \"يدمرنا ويدمر بلدنا من خلال فرضهم الأسلوب الخاص بهم\" \r\n وقد تظاهر الصينيون أنهم لم يسمعوا دعوات المقاطعة والهجوم من الغرب لأنهم يعلمون ان الغرب من غير المحتمل أن يقاطع ألعاب بكين على أية حال. فمن الذي يمكن ان يدخل في عراك مع بلد ينتج ما يناهز 70% من الناتج العالمي من الالكترونيات ونحو 75% من المنسوجات وهو أيضا البلد الذي يستمثر فيه اغنياء العالم اموالهم. \r\n في الماضي كان الغرب يحب الصين بسبب رخص الأيدي العاملة بها ومن ثم فقد نقل الإنتاج الى هناك وفي النهاية اصبح معتمدا عليها. فبدون الصناعات والسوق الصينية ينهار الاقتصاد العالمي. \r\n وهذا هو السبب ان الغرب لم يقر عقوبات اقتصادية ضد الصين عام 1989 عندما استخدمت المدرعات ضد طلاب محتجين في ساحة تيانانمن أو بعد ذلك عندما بدأت البضائع الصينية المزيفة تملأ السوق العالمي. \r\n فالعمل الجاد الذي تنهجه الصين قد أكسبها الحق في استخدام أي أسلوب ترغب في استخدامه لحماية مصالحها وما دورة ألعاب بكين إلا مثالا آخر على ذلك. \r\n \r\n فلاد جرينكيفيتش \r\n معلق اقتصادي في وكالة أنباء نوفستي الروسية \r\n خدمة ام سي تي خاص ب(الوطن) \r\n