وبالطبع كان بوش يعني القضاء على حقول الخشخاش المنتشرة على نطاق واسع في أفغانستان من خلال رشها جواً بالمبيدات الكيماوية، وهي الحقول التي تزود العالم بأكثر من 90% من الهيروين الموجود في الأسواق. ورغم الطابع التلقائي لكلمات الرئيس بوش، فإنها بالتأكيد لم تأتِ على سبيل المزاح، لا سيما وهي تعكس الفشل الذريع الذي يعرفه البرنامج الأميركي الرامي إلى القضاء على زراعة المخدرات في أفغانستان. لكن الرئيس \"قرضاي\" والعديد من المسؤولين الدوليين حذروا بوش من أن اللجوء إلى الرش الجوي سيأتي بنتائج عكسية وسيرتد على الحكومة المحلية وعلى الأميركيين، كما سيخدم مصالح \"طالبان\" من خلال توفير فرص تجنيد جديدة للمزارعين، هذا في الوقت الذي لن يسهم الرش الجوي في خفض تجارة المخدرات. والأخطر من ذلك أنه في حال استمرار فشل البرنامج الأميركي في القضاء على زراعة نبات الخشخاش، فإن النجاح في أفغانستان سيغدو مستحيلاً. \r\n \r\n ولحسن الحظ، لم يستطع بوش إقناع باقي الأمم ولا الرئيس \"قرضاي\" بأن الرش الجوي هو الحل، رغم أنه يلقى لتطبيق هذا الحل دعماً كبيراً من قبل\"ويليام وود\"، السفير الأميركي لدى أفغانستان، الذي كان أحد أشد المؤيدين للرش الكيماوي عندما عمل في كولومبيا إلى درجة أنه اكتسب لقب \"بيل الكيماوي\" عن جدارة واستحقاق. وحسب بعض المصادر هدد السفير الأميركي مسؤولين كبارا في الحكومة الأفغانية أنه سيوقف تمويل برامج إعادة الإعمار إذا لم تنفذ سياساته الخاصة بمكافحة المخدرات. لكن حتى لو استثنينا الرش الجوي، يعتبر برنامج القضاء على نبات الخشخاش، الذي يكلف الولاياتالمتحدة مليار دولار سنوياً، أحد أكثر البرامج الأميركية فشلا في تاريخ السياسة الخارجية للولايات المتحدة. والأمر لا يقتصر فقط على إهدار الأموال، بل يمتد أيضاً إلى تعزيز صفوف \"طالبان\" و\"القاعدة\"، فضلاً عن العناصر الإجرامية داخل أفغانستان. فحسب مكتب المخدرات والجريمة التابع للأمم المتحدة، ازدادت المساحات المزروعة بنبات الخشخاش من 165 ألف هكتار في العام 2006 إلى 193 ألف هكتار في العام 2007. فكيف يمكن نعت البرنامج الأميركي بالنجاح في ظل هذه الأرقام المخيفة؟ \r\n \r\n برنامج القضاء على الخشخاش في أفغانستان يكلف واشنطن مليار دولار سنوياً، ويُعد أحد أكثر البرامج فشلاً في تاريخ السياسة الخارجية الأميركية. \r\n \r\n \r\n فبرنامج القضاء على المخدرات الذي ترعاه الولايات الأميركية يقوم بتدمير المحاصيل الزراعية في المناطق غير الآمنة، لا سيما في جنوبأفغانستان، حيث تنشط \"طالبان\" بقوة. وتدفع هذه السياسة المزارعين الذين لا يملكون مورداً آخر للرزق إلى أحضان \"طالبان\" دون حتى التقليص من كميات الإنتاج الكبير للأفيون. وفي الوقت نفسه لا تُبذل جهود حقيقية لمواجهة تجار المخدرات والمسؤولين الحكوميين رفيعي المستوى المتورطين في التجارة الضخمة بأفغانستان. هذه الدولة التي باتت الأكبر عالمياً في إنتاج المخدرات في القرن التاسع عشر، بحيث يشكل إنتاج أفغانستان من المخدرات 50% من الناتج المحلي الإجمالي. والملاحظ أن هناك علاقة واضحة بين إنتاج الأفيون وانتشار الأمن، إذ ينخفض الإنتاج في المناطق الآمنة والبعيدة عن الاضطرابات، في حين تنتشر زراعة الخشخاش بقوة في المناطق الجنوبية المتاخمة لباكستان ليشكل نبات الخشخاش 80% من مجموع المحاصيل المزروعة في المناطق المضطربة. \r\n \r\n وبرغم أن الجميع يتحدث عن \"المحاصيل البديلة\" باعتبارها الحل الأنسب لمشكلة المخدرات، إلا أن ذلك يبقى صحيحاً فقط على المستوى النظري من دون أن يترجم على أرض الواقع. فنبات الخشخاش أسهل في الزراعة وقيمته أكبر من أي محصول آخر قد يزرع بالمناطق الجبلية في أفغانستان، كما أنه من دون شبكة للطرق يصعب نقل محاصيل أخرى أثقل وزناً وأقل قيمة إلى الأسواق التي لا توجد أصلاً. وسيتطلب الأمر سنوات طويلة لإقامة الطرقات الضرورية والأسواق المربحة التي قد تقنع المزارعين بالانتقال من زراعة الخشخاش إلى محاصيل بديلة، لا سيما وأن المسؤولين الحكوميين، وبعضهم تربطه علاقات وثيقة بالرئاسة، هم من يتولون حماية تجارة المخدرات ويستفيدون منها. وفي دراسة قام بها \"بارنيت روبين\"، أحد الخبراء في الشأن الأفغاني وباحث في مركز التعاون الدولي التابع لجامعة نيويورك، اتضح أن \"زراعة الخشخاش وتجارة المخدرات هي نتيجة لانعدام الأمن وليست سبباً فيه\". ويضيف الخبير في دراسته \"إن تكثيف عملية القضاء على المخدرات\"، كما تسعى إلى ذلك السفارة الأميركية ،\"سيسرع فقط في فشل الجهود الأميركية، لأن ذلك يؤجج التمرد الذي تحاول الولاياتالمتحدة إخماده\". \r\n \r\n والواقع أنه لا أحد يجادل في ضرورة القضاء على زراعة الخشخاش في أفغانستان لنجاح جهود بناء الدولة، لكن الأمر سيستغرق سنوات ليتحقق، كما أن السياسات الأميركية تمضي في الاتجاه المعاكس لأهدافها. وإذا أضفنا مشكلة المخدرات إلى الوضع المضطرب في المناطق الحدودية مع باكستان، وهي مناطق يوجد بها أعضاء في تنظيم \"القاعدة\"، فإن ذلك يوفر العناصر الضرورية لاستدامة الحرب حتى لو أرسل حلف شمال الأطلسي تعزيزات إضافية. ولحل هذه الإشكالية يتعين أولاً وقف برنامج القضاء على المخدرات في المناطق غير الآمنة، وتحسين الوضع الأمني في تلك المناطق وإقامة شبكة من الطرق والأسواق وتقديم مساعدات للمزارعين. \r\n \r\n \r\n \r\n ريتشارد هولبروك \r\n \r\n \r\n السفير الأميركي الأسبق لدى الأممالمتحدة \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n \r\n