\r\n كلما شدد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من هجماته التي يشنها علي البنك المركزي الأوروبي واليورو القوي، كلما تصاعدت حدة الانتقادات الموجهة إليه في أجهزة الإعلام الأوروبية، ومن جانب وزراء المالية الأوروبيين، والمسؤولين في الاتحاد الأوروبي، والبنك المركزي الأوروبي ذاته. والمنتقدون علي حق. \r\n \r\n ذلك أن السبب الجوهري وراء الضعف الاقتصادي الذي تعاني منه فرنسا حالياً يكمن في افتقارها إلي القدرة علي المنافسة حتي في إطار بلدان منطقة اليورو حيث لا يشكل اليورو عاملاً. \r\n \r\n إلا أن ساركوزي لم يبتعد كل البعد عن الصواب. ذلك أن كافة عوامل العاصفة الكاملة تتجمع الآن في الأفق في أسواق صرف العملات الأجنبية، وتهدد بقذف اليورو إلي مستويات مرتفعة من شأنها أن تجعل حتي ألمانيا الدولة المصدرة الأكثر كفاءة في منطقة اليورو عاجزة عن المنافسة في الأسواق العالمية. وإذا كان المصدرون الألمان عاجزين عن المنافسة بينما سعر صرف اليورو يعادل 1.5 دولار، فما هي الفرص التي قد تتاح للمصدرين الفرنسيين؟ \r\n \r\n إن اليورو يكتسب المزيد من القوة لعدة أسباب. ويتلخص العامل المعجل لهذه القوة في التحول الجذري الذي طرأ علي نظرة بنك الاحتياطي الفيدرالي إلي قوة اقتصاد الولاياتالمتحدة. فالآن يخشي رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي بن بيرنانك كل الخشية أن تؤدي المشاكل التي تواجه سوق الإسكان والرهن العقاري في الاقتصاد الأميركي إلي حالة من الركود ما لم يتم تخفيض أسعار الفائدة بصورة حادة، حتي ولو كان هذا يعني التعرض لخطر التضخم. \r\n \r\n لقد بدأت سياسة لا للركود الجديدة التي ينتهجها بنك الاحتياطي الفيدرالي في قيادة الدولار الأميركي نحو مسار منخفض جديد. ومن المرجح أن يتعزز هذا الانحدار بفعل العجز الضخم الذي تعاني منه الولاياتالمتحدة في حسابها الجاري، والذي وجد في التخفيضات التي نفذها بيرنانك الشرارة التي كان في حاجة إليها حتي يتجلي تأثيره الكامل في أسواق صرف العملات الأجنبية. \r\n \r\n بطبيعة الحال، إذا ما بدأت أسعار الفائدة في الانخفاض في منطقة اليورو أيضاً، فلسوف يكون هبوط الدولار نسبة إلي اليورو أكثر اعتدالاً. هذه هي وجهة النظر الرئيسية التي يحاول ساركوزي بسطها. إلا أن البنك المركزي الأوروبي أكد بوضوح أنه لا يفكر علي الإطلاق في تخفيض أسعار الفائدة بل إنه في الفترة الحالية يؤجل فقط فكرة رفع أسعار الفائدة التي كان من المقرر أن ينفذها في سبتمبر، ولم يتخل عنها كلية. \r\n \r\n إن العاصفة الكاملة تتكون في الأفق لأن كلاً من أوروبا وأميركا يتبنيان، لأسباب مختلفة، سياسات نقدية تشجع علي انطلاق اليورو بسرعة الصاروخ نحو مستويات خطيرة. \r\n \r\n الحقيقة أن الصقور المناهضين للتضخم في فرانكفورت ليسوا راضين بأي حال عن ذلك التخفيض الحاد الذي وعد به بيرنانك بواقع خمسين نقطة أساسية في المستقبل القريب. وهذا يريح أعصاب منتقدي البنك المركزي الأوروبي مثل ساركوزي، إلا أنه من ناحية أخري يفرض الضغوط عليهم للتخلي عن النزعة التضخمية لدي البنك المركزي بسبب تأثيرها علي اليورو. \r\n \r\n يصر البعض علي ضرورة رفع سعر اليورو، وذلك لأنه بتأجيل فكرة رفع أسعار الفائدة، ربما أصبح اليورو القوي يشكل الوسيلة الوحيدة المتبقية لمقاومة التضخم الذي يخشونه. \r\n \r\n إلا أن هذه السياسة غير قابلة للاستمرار. فلابد وأن يتخلي البنك المركزي الأوروبي عن نزعته التضخمية لأن الاقتصاد الأوروبي يتجه نحو الضعف، والاقتصاد الضعيف من شأنه أن يحتوي أية ضغوط تضخمية حالية. لقد أصبحت النزعة المضادة للتضخم، التي كانت منطقية حتي وقت قريب، غير منسجمة مع الحقائق الاقتصادية الحالية. \r\n \r\n ولكن يبدو أن المسؤولين الأوروبيين وليس فقط المسؤولين في البنك المركزي الأوروبي غير راغبين علي الإطلاق في الاعتراف باتجاه اقتصادهم نحو الضعف، خشية أن يؤدي هذا الاعتراف إلي إضعاف الثقة والإضافة إلي الضغوط المفضية إلي التباطؤ الاقتصادي. \r\n \r\n وكل رقم معتدل وهي الأرقام التي أصبحت وفيرة في الآونة الأخيرة يأتي وبصحبته شعار إيجابي ما زالت أساسيات اقتصاد منطقة اليورو قوية أو ما زال الاقتصاد نشطاً . وبطبيعة الحال، ينطلي هذا الخداع علي أجهزة الإعلام. \r\n \r\n لقد استمر هبوط مؤشر Ifo لقياس الثقة في الأعمال في ألمانيا لأربعة أشهر علي التوالي، ولكن طبقاً لمعهد Ifo فإن البنك المركزي الأوروبي ليس مضطراً إلي تغيير سياسته . ويشهد المؤشر الاقتصادي للمفوضية الأوروبية هبوطاً حاداً أيضاً، كما انخفضت مؤشرات الشراء وكذلك مبيعات التجزئة الألمانية. \r\n \r\n الحقيقة أن الأوروبيين العاديين سوف يتحملون ثمناً باهظاً بسبب خداع قادتهم لأنفسهم وإصرارهم علي انتهاج سياسات خاطئة. وكلما طال إصرار البنك المركزي الأوروبي علي نزعته التضخمية، كلما زاد الانحدار الاقتصادي حدة بسبب إثقال كاهل الاقتصاد باليورو المندفع كالصاروخ وأسعار الفائدة المرتفعة إلي حدٍ لا يتفق مع الحقائق الاقتصادية الحالية (رغم أنها لم ترتفع كما كان يخطط صقور البنك المركزي الأوروبي قبل أن تحل الأزمة المالية الحالية). \r\n \r\n من عجيب المفارقات هنا أن البنك المركزي الأوروبي سوف يضطر إلي تخفيض أسعار الفائدة في القريب العاجل، وبصورة حادة، وذلك لأن نزعته التضخمية ترسل اليورو إلي مستويات خطيرة لا تتفق مع الوضع الحالي للاقتصاد الأوروبي. \r\n \r\n مما لا شك فيه أن مصداقية البنك المركزي الأوروبي سوف تتعرض لضرر شديد إذا ما كان الانهيار الاقتصادي هو السبيل الوحيد لإقناعه بأن الثمن الذي سيتحمله واضح علي جبة التضخم. إن البنك المركزي الأوروبي ليس هو البنك المركزي الألماني القديم، الذي كان يحظي بالتأييد العام والثقة في ألمانيا إلي الحد الذي سمح له بالإفلات بكل أفعاله تقريباً. \r\n \r\n ذلك أن هامش الخطأ بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي أضيق كثيراً والتأييد الجماهيري له أقل عمقاً. وإذا ما ارتكب البنك المركزي الأوروبي أي خطأ كبير فمن المؤكد أن المسؤولين العموميين الذين ينتقدون ساركوزي الآن سوف ينضمون إليه في الهجوم علي البنك. \r\n \r\n وإذا ما حدث ذلك فلن تنجح معاهدة مساتريخت أو غيرها في إنقاذ استقلال البنك المركزي الأوروبي إذا ما خسر ما يحظي به من تأييد شعبي. \r\n \r\n