\r\n \r\n \r\n والواقع أن \"بوتين\" وأعوانه بعيدون كل البعد عن ملامح الثقة بالنفس، ذلك أنه كلما تبنى شخص وجهة نظر مختلفة في روسيا، اعتبر في عداد الأعداء. أما خارج روسيا فإن أي تفاعل، أو احتكاك مع قوى خارجية يعتبر تنافساً شرساً يتعين على الكريملن كسبه بشتى الطرق والوسائل. ولا أدل على ذلك من تصريح مستشار الكريملن \"إيجور شوفالوف\"، الذي كان يتحدث أمام مجموعة من الأصدقاء في \"مركز الدراسات الاستراتيجية\" بواشنطن، حيث بدأ بإجراء تقييم لاجتماع قمة الثماني بألمانيا قائلاً: \"في الأخير أستطيع أن أجزم بأن الرئيس بوتين خرج منتصراً\". \r\n \r\n وعندما أعلن \"بوتين\" عن التوصل إلى اتفاق حول الغاز الطبيعي مع قادة آسيا الوسطى خلال فصل الربيع الجاري، نقلت صحيفة حكومية الخبر على الشكل التالي: \"انتصار في القوقاز: تحالف بين روسيا وكازاخستان وتركمانستان يعيق خطط أميركا الجيوسياسية في آسيا الوسطى\". كما نجحت الحكومة الروسية في القضاء على أكبر شركة خاصة في البلاد، بعدما أُرسل صاحبها إلى أحد السجون في سيبيريا، وبيعت أصول الشركة إلى الحكومة بأبخس الأسعار. ومع ذلك مازال الكريملن يسعى إلى طرد المحامية \"كارينا موسكالينكو\" التي دافعت عن صاحب الشركة من سلك المحاماة بذريعة غريبة، كما نقلها مراسل \"واشنطن بوست\"، تتمثل في \"عجزها عن تمثيل موكلها بصورة صحيحة\". وبينما يتحسن المستوى المعيشي في روسيا وتستمر الاستثمارات الخارجية في التدفق، يشتد استقواء روسيا على الدول المجاورة لها. فقد فرض الكريملن حواجز تجارية ضد مولدوفا وجورجيا، فضلاً عن إغلاق أنبوب للنفط في ليتوانيا، بعدما رفضت تلك الدولة، التي تتمتع بالسيادة، بيع روسيا مصفاة لتكرير النفط، ناهيك عن وقف حركة المرور التجاري عبر جسر يصل إلى إستونيا، بعدما قامت هذه الأخيرة بتغيير موقع نصب تذكاري يعود إلى الحقبة السوفييتية. \r\n \r\n وعندما التقيت بالمتحدث باسم الكريملن \"ديمتري بيسكوف\" في زيارة له إلى واشنطن، أخبرني بأن الجسر أغلق لدواعٍ أمنية، لكنه لم يستطع أن يحجب ضحكة وهو يضيف قائلاً: \"لكنني أعتقد أن تغيير موقع التمثال كان أحد العوامل المسببة لذلك\". وبالنسبة لمن يعرفون \"بوتين\" جيداً فإنهم يشيرون إلى إصراره على أن روسيا لا تختلف في تصرفاتها عن الغرب نفسه، فكما أن روسيا تلاحق المعارضين وتسجنهم، فإن الأمر نفسه يقوم به القادة في واشنطن، وبرلين. كما أن أي انتقاد يوجه لروسيا بسبب سجلها في حقوق الإنسان ليس سوى نفاق يمارسه الغرب. وحتى نظرة \"بوتين\" إلى العالم التي ترى أن روسيا خاسرة إذا كسب الآخرون، يرجعها أيضاً إلى القادة في الغرب. وإذا كنا نعتقد أن النظرة المضللة التي يتبناها \"بوتين\" تجاه الغرب والراجعة إلى ماضيه البعيد في جهاز الاستخبارات الروسي \"كي.جي.بي\" لن تتغير، فإن أمراً جديداً أضيف إليها مؤخراً يشبه الهذيان. فقد قارن \"بوتين\" بين الولاياتالمتحدة وألمانيا النازية، كما هدد بتوجيه الصواريخ صوب وسط أوروبا. والأكثر من ذلك هو القلق الذي يشعر به \"بوتين\" مع قرب إجراء انتخابات رئاسية واختيار قائد جديد لروسيا في فصل الربيع المقبل. \r\n \r\n وعلى رغم أن \"بوتين\" ومساعديه لا يفوتون فرصة للتأكيد بأن الرئيس سيغادر منصبه، فإن مجرد الحديث عن ذلك، بينما الدستور الروسي واضح بشأن منع ترشح الرئيس لأكثر من ولايتين متتاليتين، يثير العديد من الأسئلة. ولعل السؤال الأبرز هو عما إذا كان \"بوتين\" سيغادر السلطة فعلاً في ظل تآكل سيادة القانون في روسيا خلال الفترة الأخيرة، والدور الذي تلعبه الأجهزة الحكومية من شرطة مراقبة الضرائب إلى الادعاء العام في الانحياز ضد القوى المعارضة؟ فنحن دائماً نسمع عن مديرين تنفيذيين في الشركات الكبرى يتقاعدون للاستمتاع بمعاشهم، لكن لا نسمع بأعضاء المافيا يتقاعدون ويسعون للراحة في ولاية فلوريدا مثلاً. وعندما انتهى مستشار \"بوتين\" الذي كان يتحدث في \"مركز الدراسات الاستراتيجية\" بواشنطن من إلقاء محاضرته سألته عن هذا التناقض الظاهر في موقف \"بوتين\". فإذا كان فعلاً يحظى بشعبية واسعة لدى الروس، وروسيا تعيش أفضل مراحلها، فلماذا يشعر الكريملن بأنه يتعين عليه كتابة نشرة الأخبار كل ليلة كي تذاع على شاشة التلفزيون؟ لماذا هذا النقص الواضح في الثقة؟ غير أن مستشار \"بوتين\" قال إنه لا يستطيع الإجابة عن السؤال بشكل رسمي، لذا لا أستطيع الإشارة إلى رده. لكن إذا كانت إجابته ستتسبب له في مشاكل عندما يعود إلى الوطن فذلك دليل آخر على أن الكريملن أقل ثقة بنفسه مما كنا نعتقد. \r\n \r\n \r\n \r\n فريد حياة \r\n \r\n \r\n كاتب ومحلل سياسي أميركي \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n