\r\n يصل \"جيتس\" إلى وزارة الدفاع الأميركية من دون تجربة في إدارة المؤسسة العسكرية الأميركية الضخمة، ومن دون تجربة في خوض حرب برية كبيرة أو إدارتها. غير أن ما يحمله معه هو معرفته لكيفية الدفع بسياسة مثيرة للجدل إلى الأمام -ومثال ذلك حملة الرئيس رونالد ريغان ضد نظام \"ساندينيستا\" الاشتراكي في نيكاراجوا خلال الثمانينيات- وعلاقته الوثيقة مع جورج بوش الأب؛ فقد كان هذا الأخير هو من عين \"جيتس\" لشغل أهم منصب في حياته، ألا وهو إدارة وكالة الاستخبارات المركزية \"سي آي إيه\". \r\n إن الواقعية بمفهومها البسيط، والمتمثلة في عملية جمع حسابية للأصوات التي يمكن للرئيس الاعتماد عليها داخل الكونجرس لدعمه أو معارضته، تشير إلى بلوغ نقطة تحول في العراق؛ فالدخول قد انتهى، والخروج على وشك البدء. وأجدني هنا أتذكر لحظة مماثلة قبل واحد وأربعين عاماً، عندما كان \"ليندون جونسون\" يواجه الآفاق القاتمة لانهيار حلفائه الفيتناميين الجنوبيين في سايجون. لقد كان عام 1965، وكان جونسون قد أعيد انتخابه بأغلبية كبيرة رئيساً للولايات المتحدة، متقدماً على منافسه السيناتور \"باري جولدووتر\" بفضل حملة وعود بعدم إرسال الجنود الأميركيين إلى أماكن تقع على بعد آلاف الأميال من الولاياتالمتحدة لخوض حرب ينبغي أن يخوضها الجنود الآسيويون. \r\n وقد كان مستشارو \"جونسون\" واضحين معه، ذلك أن سايجون كانت في طريقها إلى السقوط، وكانت \"هانوي\" في طريقها إلى الانتصار، ولم يكن ثمة الكثير من الوقت. أما الاختيار، فقد كان واضحاً: الخسارة في الحرب أو توسيعها. وإيجاد صيغة للتغطية على الفشل أو إرسال المزيد من القوات وزيادة سقف الرهان على الطاولة. فكان أن اختار جونسون خيار توسيع الحرب. \r\n لقد انضم \"جيتس\" إلى \"السي آي إيه\" عام 1968، ليتخصص في برامج التسلح الاستراتيجية السوفييتية. وفي أوائل الثمانينيات، اختاره \"ويليام كيسي\"، مدير الوكالة، لشغل منصب نائب المدير، وهو ما أكسبه مقعداً في الصفوف الأمامية في الوقت الذي كانت تقوم فيه الوكالة بتمويل حركة \"الكونترا\" للإطاحة بحكومة \"سادينيستا\" في نيكاراجوا، وهو دور لم يعترف به أبداً \"كيسي\" والرئيس ريجان علناً. \r\n لقد كانت حركة \"الكونترا\" مكلِفة وقليلة الفائدة. وإضافة إلى ذلك، كان الجمهور قد انقلب ضد الحرب، كما صادق الكونجرس في الأخير على \"تعديل بولاند\"، واضعاً بذلك حداً لأي نفقات إضافية على الحرب السرية. ليبدأ بعد ذلك ما سيُعرف بفضيحة إيران- كونترا، وتنتهي معها معرفة \"جيتس\" بما كان يخطط له رؤساؤه. وهكذا، أدلى \"جيتس\" بشهادته، ولم يتمكن ممثل الادعاء في قضية \"إيران- كونترا\"، وهو \"لورانس وولش\"، أبداً من إثبات غير ذلك رغم سنوات من الجهود الحثيثة. \r\n ظل \"جيتس\" في منأى عن المشاكل وتمكن من كسب ثقة رئيسين، رشحه كل واحد منهما لإدارة \"السي آي إيه\". وقد كانت المعارضة في المرة الأولى قوية جداً إلى درجة أن \"جيتس\" اضطر إلى سحب اسمه. أما في المرة الثانية، فلم تتم تزكيته إلا بعد جلسات استماع طويلة اتُهم خلالها بتعديل المعلومات الاستخباراتية على نحو يرضي رؤساءه. والواقع أن ثلاثة مجلدات من وقائع الجلسات تثبت أن \"جيتس\" عرف كيف يجيب على الأسئلة التي طُرحت عليه وأنه كان قادراً على جعل الأشخاص الذين كانوا يعملون تحت إمرته يقومون بالأمر نفسه. \r\n إن الاختيار الذي يواجه واشنطن اليوم ليس صعباً وقاسياً مثل ذلك الذي واجه \"ليندون جونسون\" في 1965، غير أنه قريب منه. فقد أمضى \"جيتس\" الأشهر التسعة الأخيرة في العمل كعضو في \"مجموعة دراسة العراق\"، التي ينتظر أن تكشف عن توصياتها التي طال انتظارها يوم الأربعاء المقبل. والواقع أن الخروج هو أبسط الحلول، غير أنه لا حد يرغب في تحمل مسؤولية ما سيلي ذلك من أحداث. أما الاستمرار على النهج نفسه، فقد تم رفضه من قبل الرئيس. وهو ما لا يترك إلا نوعاً من الجهد المتجدد لإرجاء يوم التفكير والتأمل. \r\n والحقيقة أن القضاء على المتمردين ليس سوى نصف التحدي؛ ولعل الأصعب من ذلك هو إيجاد طريقة ما لكبح أو تفكيك المليشيات الشيعية من دون أن يؤدي ذلك إلى حرب معنا. وهو أمر ينطوي على نزاع طويل لن يفرز غالباً ولا مغلوباً، على غرار الحرب في فيتنام. ربما خسر \"الجمهوريون\" انتخابات التجديد النصفي، غير أنه لم يصدر عن الرئيس فيما يخص موضوع العراق يوماً ما يفيد استعداده لقبول أي شيء قد يسمى الهزيمة. \r\n وفوق كل شيء، فالرؤساء الأميركيون متشابهون. فقد تشير الأخبار السيئة الواردة من بغداد ومن المعارضة الداخلية إلى خفض سقف التوقعات، غير أنني لن أراهن على ذلك. ذلك أن الرؤساء يأخذون الفشل بشكل شخصي، ويمكنهم رفع أصواتهم على صوت المعارضين، واستعمال السلطة الكبيرة التي يخولها لهم منصبهم للدفع بالأحداث في الوجهات التي يختارونها. \r\n لقد كان حكم انتخابات الكونجرس واضحاً، إذ يريد الجمهور ترك العراقيين يتعاطون مع مشاكلهم من اليوم فصاعداً، في حين نبدأ نحن في إعادة قواتنا إلى الوطن. غير أن ذلك ليس هو ما قال الرئيس بوش إنه يرغب فيه. وبالتالي، فمن المرجح جداً أن تكون ثمة سلسلة من المعارك حول العراق ستمتد إلى اليوم الأخير للرئيس في السلطة. والواقع أن \"روبرت جيتس\" شخص ذكي وهادئ وحازم ومخلص: وهو ما يجعل منه اختياراً يبدو أنه كان موضوع تفكير متأنٍّ من قبل رئيس عازم على جلب \"فروة الراكون\" إلى البيت، إذا جاز لنا أن نقتبس عبارة مشهورة لرئيس أميركي سابق كان في وضع صعب مماثل، إنه \"ليندون جونسون\". \r\n \r\n توماس باورز \r\n مؤلف \"الحروب الاستخباراتية: التاريخ السري الأميركي من هتلر إلى القاعدة\" \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\" \r\n \r\n \r\n