\r\n \r\n لدولة التركية من جانبها تبدو عازمة على عدم تكرار سيناريو سنوات العنف الدموي الذي أغرق تركيا في حمامات من الدم بين عامي 1948 و1999 جراء عمليات نفذها مسلحون تابعون للحزب وأوقعت ما يزيد على 30000 قتيل فحركت قوة كبيرة من فرقها الأمنية إلى حدودها مع العراق مهددة دون توقف باجتياح أراضي الجار الجنوبي. \r\n لكن اجتياحاً مثل هذا من شأنه خلق حالة من الفوضى العارمة في العراق، بل يذهب البعض إلى التهديد من خطر تهديد الاستقرار في المنطقة بأكملها، ولا يبدو لي تحرك وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس بالإعلان عن تشكيل لجنة تضم ممثلين من كل من تركيا والعراق، إلى جانب الولاياتالمتحدة بالطبع، للبحث في المسألة غير كاف، بل على واشنطن اتخاذ موقف أكثر حزماً لإيقاف الحرب التي يشنها حزب العمال الكردستاني، والتي تمثل التهديد الأكثر خطورة للاستقرار في الشرق الأوسط. \r\n خلال المعارك التي خاضها حزب العمال الكردستاني ضد الدولة التركية، انطلق مقاتلوه من داخل الأراضي الإيرانية ومن شمال العراق ومن سوريا، التي لا يمكن أن ينسى أحد أنها الدولة التي وفرت الملاذ الآمن لزعيم الحزب عبد الله أوجلان قبل القبض عليه في العام 1999. في ذلك الوقت، سمح حكام صدام حسين، ومن بعده الأميركيون والبريطانيون من خلال سيطرتهم على مناطق محظورة الطيران في شمال العراق وجنوبه، لتركيا بمهاجمة قواعد الحزب في الشمال العراقي. وبعد إقدام تركيا على شن عمليات واسعة على الحدود السورية، نزع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد غطاءه عن أوجلان ورحله إلى خارج الأراضي السورية قبل أن يتم القبض عليه ومحاكمته في تركيا. \r\n حزب العمال الكردستاني، الذي عانى الأمرين بعد اعتقال زعيمه، أعلن وقفاً لإطلاق النار في عام 2004. وبعد غزوها للعراق في مارس من عام 2003، منعت الولاياتالمتحدة القوات التركية من عبور الحدود إلى داخل الشمال العراقي، وهو أمر أدى إلى تفاقم الأزمة الحالية التي تعاني منها أنقرة. \r\n لكن الولاياتالمتحدة هي الأخرى واقعة تحت الضغط، فإن هي سمحت للأتراك باستباحة الشمال العراقي، فسيكون عليها مواجهة فوضى عارمة داخل البلد المحتل، إضافة إلى تهديد علاقاتها المتينة مع أكراد العراق للخطر، وهؤلاء بالذات هم الأمل الأميركي لإقامة قواعد لها في العراق في المستقبل. وإن هي عارضت العمليات التركية داخل العمق العراقي، وهو ما تقوم به حالياً، أصبح عليها التعامل مع صديق تركي متباعد عنها، صديق يملك جميع المقومات للعب دور أساسي في المنطقة. \r\n لكن الموقف تعقد بالفعل مع الهجمات الحالية للحزب على الأهداف التركية. فتركيا تخشى أن تكون هذه العمليات مقدمة لعودة المطالب الاستقلالية للحزب من جديد، بينما يرفض أكراد العراق أي استهداف لأبناء جلدتهم من الأتراك، معتبرين الهجمات التركية تعبيراً عن أطماع أنقرة في السيطرة على حزام كركوك الغني بالنفط، ومن ثم منع أكراد العراق من أحد أهم مصادر التمويل. الأمر الأهم أن العمليات الهجومية للقوات التركية داخل العمق التركي ستغري أطرافاً أجرى مجاورة بالقيام بعمليات مماثلة، الأمر الذي سيؤدي بلا شك إلى اندلاع حرب أهلية. \r\n ما الذي ينبغي على الولاياتالمتحدة فعله إذاً، وماذا بيد تركيا وأكراد العراق لتفادي هذا السيناريو الكارثي؟ \r\n أولاً سيكون على أكراد العراق المسيطرين على الشطر الشمالي من البلاد منع مقاتلي حزب العمال الكردستاني من التجول بحرية في أراضيهم واستخدامها كقواعد لشن هجمات على الأراضي التركية. \r\n ثانياً سيكون على الأكراد التعامل بواقعية أكبر مع المطالب الثقافية والسياسية والاقتصادية للأكراد في جنوب شرق البلاد، وهي منطقة تعاني من معدلات قياسية من البطالة وفي حاجة ماسة إلى التطوير الاقتصادي. عمل بدأت تركيا بالفعل في القيام به من خلال الاعتراف ببعض المطالب الثقافية للأكراد، لكنه لا يزال غير كاف. تركيا، التي تتحرك من وحي طموحات كبيرة بالانضمام إلى الأسرة الأوروبية، قامت أيضاً بتمرير بعض القوانين التي تمنح الأكراد بعض الحق في الحديث بلغتهم الكردية الأم وإصدار مطبوعات بذات اللغة، بل وصل الأمر إلى حد السماح بالتدريس وفتح قنوات هاتفية ناطقة باللغة الكردية. \r\n لاشك أن الاعتراف بمثل هذه الحقوق للأكراد يعد أمراً غاية في الصعوبة بالنسبة لبلد مثل تركيا لطالما افتخر بنجاحه في دمج الأقلية الكردية من سكانه في المجتمع والمشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية، بما في ذلك تمثيلهم في البرلمان وفي الوزارة. \r\n تقوم نظرة الدولة التركية إلى جميع سكانها بصورة عامة على أنهم أتراك وحسب، وترى أن التفريق بين السكان على أسس عرقية أو مذهبية من شأنه تهديد الأمن والسلم الاجتماعيين في هذا البلد الكبير. على الجانب الآخر، يمكن تفسير الحقوق المتزايدة التي تمنحها أنقرة إلى أبنائها من الأكراد كإفساح لمجال أكبر للصوت الكردي في كردستان. \r\n وأخيراً على الولاياتالمتحدة أن تبذل أقصى جهد ممكن للتصدي لأي محاولات تركية لاقتحام الأراضي العراقية، بل عليها السعي وبقوة لطرد عناصر حزب العمال الكردستاني من شمال العراق. من ناحية أخرى، ينبغي على القوة الأكبر في العالم استخدام نفوذها لدى الحلفاء الأوروبيين لمنع تدفق المساعدات المالية من القارة العجوز إلى حزب العمال الكردستاني، المصنف دولياً كمنظمة إرهابية، فلا يمكن ببساطة تخيل أن تتمكن لجنة ثلاثية أو غير ثلاثية من التصدي لمحاولات منظمة مثل حزب العمال الكردستاني بزعزعة الاستقرار في منطقة بأهمية الشرق الأوسط. \r\n \r\n لينور مارتين \r\n أستاذة العلوم السياسية بكلية إيمانيول كوليدج في بوسطن وأستاذ زائر في مركز زيذرهيد للشؤون الدولية ومركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفارد. \r\n خدمة واشنطن بوست خاص ب\"الوطن\"