الحرب في لبنان وما سببته من تداعيات أحدثت تغييرا جوهريا فجائيا في هذه السياسة ودفعت الدول الأعضاء في الاتحاد للنظر إليها من زوايا مختلفة. \r\n \r\n خدمت الحرب في لبنان كمطرقة نزلت على الرأس الأوروبية لتذكرها بعظم «المصالح الأوروبية الاستراتيجية» وذكرت أوروبا بطريقة واضحة لا تقبل اللبس بضرورة عدم اختيار تجاهل هذه المصالح كون الثمن سيكون غاليا جدا. \r\n \r\n الأكثر من ذلك أن تقاسم العمل بين الولاياتالمتحدة وأوروبا لا يعمل بالصورة المطلوبة وبالشكل الذي ساد في السابق حيث كان هناك التعاون والتنسيق. \r\n \r\n الحرب الدائرة في العراق بدأت تنال من القدرات العسكرية الأميركية وأدت إلى نشوب أزمة أخلاقية وشكوك كثيرة حول الشرعية السياسية للحروب التي تشنها واشنطن ضد عدد من الدول العربية والإسلامية في مقدمتها العراق وأفغانستان مما أثار حنق وغضب الشارعين العربي والإسلامي ضد الولاياتالمتحدة خصوصا، وضد الغرب على العموم. \r\n \r\n باتخاذه قرارا بإرسال عدة آلاف من الجنود إلى لبنان للمساعدة في تنفيذ قرار الأممالمتحدة رقم 1701، يمكن القول ان الاتحاد الأوروبي اتخذ أكثر القرارات أهمية حتى الآن فيما يتعلق بسياسة الجيرة، هل يمكن للاتحاد الأوروبي أن يظهر كقوة استقرار سياسي في منطقة تعد من أكثر المناطق خطورة بالنسبة لأوروبا؟ \r\n \r\n بعد حروب البلقان في التسعينيات، أصبح الشرق الأدنى والشرق الأوسط من أكثر المناطق خطورة من الناحية الأمنية وأكثر المناطق حيوية لأوروبا من الناحية السياسية والاقتصادية، بسبب ما يحتويه من موارد وثروات طبيعية يأتي على رأسها النفط والغاز الطبيعي. \r\n \r\n ولكن لماذا يتمتع الشرق الأوسط بأهمية خاصة بالنسبة للاتحاد الأوروبي؟ لأن التهديدات الرئيسية للأمن الأوروبي مع مطلع القرن العشرين تأتي من هذه المنطقة، فالتهديدات القادمة من الشرق الأوسط متنوعة وكثيرة، فهناك النزاعات الاقليمية ووجود ايديولوجيات استبدادية إضافة للإرهاب وبرامج التسلح النووي والحصار المفروض على التحديث وعدم استقرار الأنظمة وطموحات الهيمنة. \r\n \r\n وإذا سأل سائل ما هي مصالح الاتحاد الأوروبي في هذه المنطقة الموبوءة بالنزاعات فإن الإجابة عن ذلك ستكون بالتأكيد هي الطاقة والمصالح الاقتصادية وكلاهما يواجهان مخاطر محدقة بها، هذا بالإضافة إلى مصالح الدول الحليفة لأوروبا وعلى رأسها إسرائيل. \r\n \r\n ولكن في البداية والنهاية تبقى المصالح الأوروبية هي الأساس. \r\n \r\n يسيطر على الشرق الأوسط في هذه الأيام ثلاثة نزاعات مركزية وهي: النزاع العربي الإسرائيلي والعراق وإيران، الالتقاء بين برنامج إيران النووي وطموحات الهيمنة لديها مع الوضع في العراق و«حزب الله» في لبنان سيؤدي إلى إقامة «شرق أوسط جديد» يتسبب في حدوث مواجهة كبرى لن تقتصر على اللاعبين الاقليميين، بل ستجر لاعبين دوليين كثيرين نظرا لارتباط مصالح كثير من الدول بهذه المنطقة. \r\n \r\n ان مهمة الأممالمتحدة في لبنان تحمل في طياتها الكثير من المخاطر، خاصة بالنسبة للأوروبيين، فلا حزب الله ولا سوريا ولا إيران لديها مصلحة في نجاح مهمة الأممالمتحدة، قرار الأممالمتحدة يهدف إلى تقوية السيادة الداخلية والخارجية للحكومة اللبنانية دون أن يبين كيف سيتم تحقيق هذه المهمة في الوقت الذي ازدادت فيه قوة حزب الله السياسية والعسكرية كثيرا، مقارنة بما كانت عليه قبل الحرب الأخيرة وأصبحت قوة الحزب تتفوق على أي قوات أخرى تنشط على الساحة اللبنانية. \r\n \r\n أي محاولة لنزع سلاح حزب الله تعني خوض حرب معه مع وجود سوريا وإيران ظهيرا له لتقديم الدعم والعون الذي يحتاجه، وعليه ليس بوسع قوة الأممالمتحدة القيام بهذه المهمة، ولو قبلت الأممالمتحدة وأوروبا على نفسها الاكتفاء بدور المتفرج لخسرت كل مصداقية لها. \r\n \r\n وعلى الأغلب وخلال بضعة أشهر ستجد قوات الأممالمتحدة نفسها في تقاطع إطلاق النار بين الأطراف المتحاربة، وعليه فإن هذه المهمة ستسير على خيط رفيع من أجل تنفيذ مهمتها في جلب الاستقرار إلى لبنان، وعلينا أن ندرك منذ البداية أن الفشل وارد وأن المخاطر العسكرية عالية، وفي ظل الوضع المتفجر هناك فإنه لا يوجد أمامنا أي بديل آخر أفضل. \r\n \r\n في ظل المخاطر الشديدة التي سيواجهها جنود الاتحاد الأوروبي، فإن ذلك سيجبر أوروبا على العمل من أجل التأثير على مجريات الأمور والأحداث في المنطقة بما يجلب معه تغييرات سياسية في كامل منطقة الشرق الأوسط، وبقراره المشاركة في مهمة الأممالمتحدة في لبنان، يكون الاتحاد الأوروبي قد اتخذ قرارا لا رجعة فيه وكأنه كما يقال قد عبر نهر الريبيكون، وعلى الاتحاد الأوروبي أن يدعم الآن وزنه في المنطقة من خلال إطلاق مبادرة سياسية تتضمن ثلاثة عناصر رئيسية: \r\n \r\n - حل متفاوض عليه مع سوريا. \r\n \r\n - استئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين. \r\n \r\n - إقامة تفاهم استراتيجي عام مع الولاياتالمتحدة بشأن الاستراتيجية السياسية للغرب في المنطقة بحيث يتم البدء بمعالجة جميع النزاعات الخطرة في المنطقة والتعامل معها بما فيه صالح الجميع على أن يدخل فيها النزاع القائم حاليا مع إيران. هذا التفاهم المشترك سيشكل تحديا حيويا لمستقبل العلاقات عبر الأطلسي. \r\n \r\n المخاطر بالنسبة لأوروبا وجنودها في لبنان تعتبر عالية جدا ولكنها تهون كونها تخدم المصالح الأوروبية الحيوية. \r\n \r\n ان الحرب والفوضى في الشرق الأوسط أو حتى مجرد وجود فراغ أخلاقي أو سياسي سيؤثر بصورة مباشرة على الأمن في أوروبا، وعليه يتوجب على أوروبا ان تتصرف. \r\n \r\n السؤال الرئيسي الذي سيطرح نفسه في المستقبل القريب هو: هل تمتلك أوروبا فعلا قدرات عسكرية وسياسية وهل هي قادرة فعلا على التصرف بالطريقة التي تحمي مصالحها في الشرق الأوسط؟ \r\n \r\n على أية حال لم يعد أمامنا سوى القول: أهلا بأوروبا في العالم الواقعي. \r\n