نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»: «احترم نفسك أنت في حضرة نادي العظماء».. تعليق ناري من عمرو أديب بعد فوز الزمالك على الأهلي.. أحمد موسى عن مناورات الجيش بالذخيرة الحية: «اللى يفت من حدودنا يموت»    بحضور السيسي، الداخلية تحتفل بتخريج دفعة من كلية الشرطة، اليوم    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 29 سبتمبر    أسعار اللحوم والدواجن والخضروات والفواكه اليوم الأحد 29 سبتمبر    قفزة في سعر الكتكوت.. أسعار الفراخ والبيض في الشرقية اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024    جيش الاحتلال: دمرنا قاذفات صواريخ لحزب الله كانت موجهة نحو إسرائيل    إسرائيل تمهد لعمل بري في لبنان، وإيران تطالب بإدانة "العدوان الإرهابي"    داعية إسلامي يضع حلًا دينيًا للتعامل مع ارتفاع الأسعار (فيديو)    خبير يكشف عن السبب الحقيقي لانتشار تطبيقات المراهنات    كتابة الاسم العلمي للدواء يقلل المشكلات الطبية.. تفاصيل    مسؤول أمريكي: إسرائيل على وشك تنفيذ عمليات صغيرة النطاق في لبنان    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الأحد 29-9-2024    مصرع شخص صدمته سيارة نقل في سوهاج    بعد اعتذارها.. شقيق شيرين عبد الوهاب يرد عليها: «إنتي أمي وتاج رأسي»    نشوي مصطفي تكشف عن مهنتها قبل دخولها المجال الفني    وزير الخارجية يوجه بسرعة إنهاء الإجراءات لاسترداد القطع الآثرية من الخارج    سعر الذهب في مصر اليوم الأحد 29-9-2024 مع بداية التعاملات الصباحية    أحدث استطلاعات الرأي: ترامب وهاريس متعادلان    طائرات الاحتلال تشن غارة جوية على مدينة الهرمل شرقي لبنان    لصحة أفراد أسرتك، وصفات طبيعية لتعطير البيت    أصالة ل ريهام عبدالغور: انتي وفيّه بزمن فيه الوفا وين نلاقيه.. ما القصة؟    شريف عبد الفضيل: «الغرور والاستهتار» وراء خسارة الأهلي السوبر الإفريقي    الجيش الأردني: سقوط صاروخ من نوع غراد في منطقة مفتوحة    «الأهلاوية قاعدين مستنينك دلوقتي».. عمرو أديب يوجه رسالة ل ناصر منسي (فيديو)    إصابة ناهد السباعي بكدمات وجروح بالغة بسبب «بنات الباشا» (صور)    المنيا تحتفل باليوم العالمي للسياحة تحت شعار «السياحة والسلام»    رئيس موازنة النواب: نسب الفقر لم تنخفض رغم ضخ المليارات!    الفيفا يعلن عن المدن التي ستستضيف نهائيات كأس العالم للأندية    ضبط 1100 كرتونة تمر منتهية الصلاحية في حملة تموينية بالبحيرة    أمير عزمي: بنتايك مفاجأة الزمالك..والجمهور كلمة السر في التتويج بالسوبر الإفريقي    أحدث ظهور ل يوسف الشريف في مباراة الأهلي والزمالك (صورة)    لافروف يرفض الدعوات المنادية بوضع بداية جديدة للعلاقات الدولية    الجيش السوداني يواصل عملياته لليوم الثالث.. ومصدر عسكري ل«الشروق»: تقدم كبير في العاصمة المثلثة واستمرار معارك مصفاه الجيلي    سحر مؤمن زكريا يصل إلي النائب العام.. القصة الكاملة من «تُرب البساتين» للأزهر    أول تعليق من محمد عواد على احتفالات رامي ربيعة وعمر كمال (فيديو)    "حط التليفون بالحمام".. ضبط عامل في إحدى الكافيهات بطنطا لتصويره السيدات    حكاية أخر الليل.. ماذا جرى مع "عبده الصعيدي" بعد عقيقة ابنته في كعابيش؟    مصر توجه تحذيرا شديد اللهجة لإثيوبيا بسبب سد النهضة    الصحة اللبنانية: سقوط 1030 شهيدًا و6358 إصابة في العدوان الإسرائيلي منذ 19 سبتمبر    ورود وهتافات لزيزو وعمر جابر ومنسي فى استقبال لاعبى الزمالك بالمطار بعد حسم السوبر الأفريقي    راعي أبرشية صيدا للموارنة يطمئن على رعيته    أسعار السيارات هل ستنخفض بالفترة المقبلة..الشعبة تعلن المفاجأة    «التنمية المحلية»: انطلاق الأسبوع التاسع من الخطة التدريبية الجديدة    برج السرطان.. حظك اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024: عبر عن مشاعرك بصدق    "100 يوم صحة" تقدم أكثر من 91 مليون خدمة طبية خلال 58 يومًا    «الداخلية» تطلق وحدات متنقلة لاستخراج جوازات السفر وشهادات التحركات    سيدة فى دعوى خلع: «غشاش وفقد معايير الاحترام والتقاليد التى تربينا عليها»    تعرف على برجك اليوم 2024/9/29.. تعرف على برجك اليوم 2024/9/29.. «الحمل»: لديك استعداد لسماع الرأى الآخر.. و«الدلو»: لا تركز في سلبيات الأمور المالية    ضبط 27 عنصرًا إجراميًا بحوزتهم مخدرات ب12 مليون جنيه    وزير التعليم العالى يتابع أول يوم دراسي بالجامعات    في عطلة الصاغة.. تعرف على أسعار الذهب الآن وعيار 21 اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024    قفزة كبيرة في سعر طن الحديد الاستثمارى وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024    «شمال سيناء الأزهرية» تدعو طلابها للمشاركة في مبادرة «تحدي علوم المستقبل» لتعزيز الابتكار التكنولوجي    اتحاد العمال المصريين بإيطاليا يوقع اتفاقية مع الكونفدرالية الإيطالية لتأهيل الشباب المصري    باحثة تحذر من تناول أدوية التنحيف    خبير يكشف عن السبب الحقيقي لانتشار تطبيقات المراهنات    أحمد عمر هاشم: الأزهر حمل لواء الوسطية في مواجهة أصحاب المخالفات    في اليوم العالمي للمُسنِّين.. الإفتاء: الإسلام وضعهم في مكانة خاصة وحثَّ على رعايتهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأزمة اللبنانية في سياق إقليميّ صاخب
نشر في التغيير يوم 09 - 04 - 2005


\r\n
وقد تضمّن قرار الأمم المتحدة سلسلة من الاجراءات اللافتة التي أعادت الى بساط البحث وضع لبنان كما أعيد بناؤه في اتفاق الطائف الذي وضع في العام 1989 [1]، ثم أُوكل أمره الى الادارة السورية كمكافأة لدمشق على تعاونها مع التحالف العسكري الذي طرد العراق من الكويت في العام 1991. وقد طالب نصّ القرار البرلمان اللبناني بألا يعمد الى تعديل الدستور بما يسمح بتمديد مدّة ولاية رئيس الجمهورية، الجنرال اميل لحود من ستّ الى تسع سنوات، فيما كان سلفه، السيد الياس الهراوي، حليف سوريا الكبير وحليف رفيق الحريري، قد حظي بهذا الامتياز في العام 1995 بدون أن تُبدي فرنسا أو واشنطن أيّ استياء.
\r\n
\r\n
وقد شكّل هذا الإجراء بحدّ ذاته مفاجأة، على أساس أنّ ميثاق الأمم المتحدة يحظّر أيّ تدخّل في الشؤون الداخلية لأيّ من الدول الأعضاء. غير أنّ القرار قد فرض من جهة أخرى انسحاب الجيش السوري من لبنان، ونشر الجيش اللبناني على طول الحدود مع اسرائيل، ونزع سلاح ميليشيا حزب الله اللبنانية، وسلاح الحركات الفلسطينية في مخيّمات اللاجئين. وفي هذا بالطبع ما يُعيد فتح المجال أمام تعريض الاستقرار في لبنان، وإعادته الى وضع ساحة المواجهة الذي اتّصف به طوال تاريخه، عندما وُظّفت أراضيه ومحترفو السياسة فيه في خدمة القوى التي طرحت نفسها للسيطرة على المنطقة . [2]
\r\n
\r\n
ومنذ العام 1975 الى العام 1990، كانت وظيفة لبنان الدّامية أن يُشكّل رقعة مصغّرة للنزاعات الكبرى التي كانت تعصف بالمنطقة (من الحرب الباردة الى النزاع العربي الاسرائيلي، الى الصراعات العربية العربية، والنزاع العراقي الايراني، وانعكاساتها الاقليمية والدولية). هذه النزاعات، وبدلاً من أن تنفجر على مستوى واسع، انحصرت في الأراضي اللبنانية، حين قبلَ عدد من المسؤولين السياسيين أن يلعبوا دوراً غير مشرّف كوكلاء مكلّفين يتلقّون المال والسلاح من مختلف القوى الاقليمية والدولية. وقد اتّخذوا من الطوائف الدينية، التي زعموا تمثيلها، ذريعة وطعماً للمدافع في خدمة تلك القوى، إنما أيضاً عازل واهٍ بالنسبة الى وسائل الاعلام العربية والدولية التي لم تعرف كيف تنقل صورة هذه \"الكراهية المتأصّلة\" المزعومة التي كانت تمزّق الطوائف.
\r\n
\r\n
وفي الفورة الأخيرة من الحروب اللبنانية المتداخلة، ما بين العامين 1988 و1990، اندفع الجنرال ميشال عون، القائد الأعلى للجيش، في \"حرب تحرير\" ضدّ القوات السورية. وقد شجّعته على ذلك اللّجنة المنبثقة عن القمّة العربية والتي كلّفت إيجاد مخرج للأزمة، إنما أيضاً إمداده بالأسلحة من العراق والدعم السياسي والمعنوي الكبير من فرنسا (الذي رافقه على ما يبدو بعض المساعدات العسكرية). وكان لهذا الفصل نتائج مأساويّة، خصوصاً على المجتمع المسيحي الذي وقع رهينة بيد الجنرال ومنافسه القوي السيد سمير جعجع قائد الميليشيا المسيحية. وقد جاءت المعارك بين هذه الميليشيا وقوّات الجنرال عون، مُضافة الى المعارك ضدّ الجيش السوري، لتحوّل في النهاية الطائفة المسيحية الى وضع هامشيّ في النظام الاقليميّ الجديد الذي كان يفرض نفسه.
\r\n
\r\n
وهذا ما جعل \"السلم السوري\"، الذي تحقّق في تشرين الأول/أكتوبر عام 1990 في ظلّ مباركة من الولايات المتحدة وتغاضٍ من الحكومة الاسرائيلية، يُستقبل بشعور من الارتياح العامّ. بعدها، شهد لبنان على مدى أربعة عشر عاماً استقراراً قلّما عرف مثله. ولم يعكّر صفوه سوى اعتداءين اسرائيليّين كبيرين على جنوب البلاد (عام 1993 ثمّ عام 1996)، وقد شنّتهما في محاولة منها لتأديب حزب الله الذي كان ينهض بحرب عصابات فعّالة جداً ضدّ الاحتلال الاسرائيلي للجنوب منذ العام 1978. وفي أيار/مايو عام 2000، انسحب الجيش الاسرائيلي أمام ضربات المقاومة التي نجحت، وبالتعاون الوثيق مع الجيش وأجهزة الأمن اللبنانية، في منع اسرائيل من زرع الفتنة الفتّاكة بين المسيحيّين والمسلمين، كما حدث بعد اجتياح العام 1982، إثر انسحابه من منطقة الشوف في العام 1983 ومن محيط مدينة صيدا في العام 1985.
\r\n
\r\n
في العامين 1991 و1992، نجحت الحكومتان المتتاليتان، برئاسة السيد سليم الحص والسيد عمر كرامي، في نزع سلاح الميليشيات المتقاتلة ودمجها بالجيش، وفي إعادة توحيد البلاد وعاصمتها، واعادة الحياة الى الادارات الرسمية. ثمّ نظّمت حكومة ثالثة، برئاسة السيد رشيد الصلح، الانتخابات الأولى منذ العام 1972 (والتي قاطعها للأسف قسم كبير من الشعب، غالبيّته من المسيحيين). وقد ضمّت الحكومات في حينها ممثّلين عن جميع الفئات (باستثناء أتباع الجنرال عون الذي نُفي قسراً الى فرنسا)، ووصل الأمر الى مطالبة سوريا بإعادة نشر قوّاتها في اتجاه سهل البقاع وفقاً لاتفاق الطائف . [3]
\r\n
\r\n
هكذا إذن برز رفيق الحريري على الساحة، وقد سبقته صورته كرجل إحسان كفيل بإعادة إعمار البلاد، وبنوع خاصّ وسط بيروت التاريخي والتجاري الذي تعرّض لدمار كبير على مدى خمسة عشر عاماً من المعارك. وقد جاء تعيينه رئيساً للوزراء ليثير موجة غبطة مميّزة، فقد أصبح الرجل ضابط الايقاع الذي نمت حوله هالة من اجلال غير معهود لشخصيّته، غذّاها كرمُه الأسطوريّ ووسائل إعلام تروّج له أو هو يسيطر عليها، وصداقته الفريدة التي أقامها مع رئيس الدولة الفرنسية والدعم الماكن من السعودية. فلم يعد أحد يهتمّ لإعادة انتشار القوّات السوريّة وحتى لانسحابها بالتوافق بين الحكومتين اللبنانيّة والسوريّة.
\r\n
\r\n
وبعد أن أُبعد عن الحكم في أواخر العام 1998، عاد رفيق الحريري اليه منتصراً في تشرين الأوّل/أكتوبر عام 2000، بعد أن حقّق فوزاً كاسحاً في الانتخابات النيابيّة في صيف تلك السنة. ولا أحد أكّد في تلك الحقبة أنّ الانتخابات النيابية لم تكن حرّة، أو أنّ سوريا قد قادت اللعبة الانتخابية. أمّا في ما خصّ عملية إعادة بناء البلاد، وبالرغم من كلفتها الباهظة ونتائجها المتواضعة، فإنها أثارت إعجاب الكثير من اللبنانيّين كما الأجانب الذين زاروا بيروت.
\r\n
\r\n
فمن كان يتصوّر، قبل سنتين، أنّ بيروت التي استعادت بذلك موقعها على الخارطة السياسية والسياحية والثقافية في المنطقة بفضل تحرير جنوب لبنان، سوف تكون مسرحاً لأحداث مذهلة وخطيرة في آنٍ معاً؟ ففي حزيران/يونيو عام 2000 وعام 2001، انعقد في بيروت، واحداً تلو الآخر، مؤتمر وزراء خارجية دول الجامعة العربية ثمّ مؤتمر قمّة هذه المنظمة، والتي لم يستضفها لبنان منذ عشرات السنين، لِيلي ذلك في العام 2002 انعقاد القمّة الفرنكوفونيّة.
\r\n
\r\n
وفي هذه المناسبة، زار رئيس الجمهورية الفرنسية البرلمان، حيث ألقى خطاباً أكّد فيه ضمناً على وضع لبنان ك\"محميّة سورية\"، إلى أن تتمّ تسوية النزاع الاسرائيليّ العربيّ. وقد صرّح قائلاً: \"من المسلّم به أنّ السلام [في الشرق الأوسط] لن يكون شاملاً وعادلاً ودائماً إلا إذا شمل لبنان وسوريا، وإلا إذا أمّن الحلّ العادل لمسألة اللاجئين الفلسطينيين، حلاً يأخذ بعين الاعتبار مصالح لبنان. هذا هو موقف فرنسا الثابت. وفي الوقت نفسه، فإنّ السير في اتجاه هذا السلام المنشود، سوف يساعد لبنان وسوريا في تنسيق علاقاتهما وأن يتوصّلا الى إنجاز الانسحاب الكامل للقوات السورية من بلادكم وفقاً لاتفاقية الطائف [4].\" وعلى كلّ، فإن رفيق الحريري قد أكّد، لدى عودته الى رئاسة الوزراء بعد سنتين من الانقطاع (من كانون الأول/دسمبر عام 1998 الى تشرين الأول عام 2000)، على ضرورة بقاء القوّات السورية في لبنان . [5]
\r\n
\r\n
والحقيقة أنّ هذا كلّه حدث قبل احتلال الولايات المتحدة للعراق، وإطلاقها مبادرة \"الشرق الأوسط الكبير\"، حيث سينتشر النظام والديموقراطية وحيث سيجتثّ العنف الارهابي. وبطرحها هذه الرؤية، لم تكن واشنطن إلا مستعيدة للمواضيع والشعارات التي طرحتها الديبلوماسية الأميركية، في مطلع تسعينات القرن الماضي، في تلك الحقبة التي راح فيها السيد جورج بوش الأب يروّج لنظام عالمي جديد في أعقاب حرب الخليج الأولى. وبعد أشهر على ذلك، نشر السيد شمعون بيريز كتاباً أثار ضجّة كبيرة (الشرق الأوسط الجديد [6])، وفيه يبشّر بعصر سلام وازدهار وتعاون اقتصادي بين جميع شعوب المنطقة التي تعكّر صفو حياتها بعض القوى اللاعقلانية المتجسّدة في الحركات الأصوليّة الاسلامية العنيفة. وقد استفادت هذه الرؤية من الصدقيّة التي منحتها إياها معاهدة أوسلو في العام 1993، والتي أعقبها العديد من المؤتمرات الاقتصادية الاقليمية الكبيرة (في الدار البيضاء وعمّان والقاهرة والدّوحة) التي شارك فيها رسميّون ورجال أعمال اسرائيليّون وأميركيّون وأوروبيّون وعرب.
\r\n
\r\n
غير أن مسار أوسلو السلمي قد أُفرغ من مضمونه مع مواصلة عمليّة الاستيطان الاسرائيلية. فبعد فشل قمّة كامب دايفد (في تموز/يوليو عام 2000)، جاءت الزيارة الاستفزازية من السيد أرييل شارون الى باحة المسجد الأقصى في القدس، ثالث الأماكن المقدّسة في الاسلام، لتُشعل النار في الهشيم. أما انفجار الانتفاضة الثانية، ثمّ اتخاذها الطابع العسكري إزاء عنف القمع الاسرائيلي، فيبدو أنهما لم يثيرا اهتمام السيد جورج دبليو بوش الذي لم يبدُ مستعجلاً لتسوية القضية الفلسطينية، بعد أن عاد الوضع في العراق يشكّل همّه الأوّل. وعلى كلّ، كانت إدارة السيد بيل كلينتون منذ العام 1998 قد اعتبرت، وبعد فشل مهمة مفتّشي الأمم المتحدة، أنّ نظام بغداد بات يشكّل خطراً رئيسيّاً على السلام في العالم.
\r\n
\r\n
وبعد اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر، اعتبر الرئيس بوش، وبدون أي مسوّغ مقنع، أنّ صدام حسين متورّط في هذه الجرائم، وأنه إضافة الى ذلك يطوّر مجدّداً أسلحة دمار شامل. وهكذا نشأت التعقيدات التي أدّت الى اجتياح هذه الدولة ذات الدور المهمّ جداً في قيام التوازنات في الشرق الأوسط [7]. وإذ فقدت الذرائع التي اعتُمدت لتشريع الاجتياح كلّ مصداقيّة، شرعت الادارة الأميركية في العمل على إقناع العالم بعزمها، في مطلق الأحوال، على حمل الحرّية والديموقراطية الى شعوب المنطقة، وعليه ليس تدخّلها لتحرير الشعب العراقي من ديكتاتورية السيد صدام حسين سوى الخطوة الأولى على طريق الاصلاحات الديموقراطية المعمّمة في الشرق الأوسط.
\r\n
\r\n
وإزاء تصاعد المقاومة المسلّحة في العراق، راحت الولايات المتحدة توجّه أصابع الاتهام حالياً الى سوريا، حيث النظام البعثي الآخر الذي يعود الى زمن يتمنّى الجميع زواله. وبالرغم من الوعود بعملية إصلاحية متسارعة، قدّمها الرئيس السوري الشاب السيد بشار الأسد، الذي خلف والده حافظ الأسد المتوفّي في حزيران/يونيو عام 2000، فإنّ النظام السوريّ واجه صعوبات في اكتساب نفَس جديد، والدخول في عملية انتقالية سريعة في اتجاه الليبرالية السياسية والاقتصادية على غرار دول أوروبا الوسطى. ففي دمشق، جاءت عملية التحوّل الى الليبرالية السياسية نسبيّة جداً، وحتى عابرة، فيما عملية التحوّل الى الليبرالية الاقتصادية قد ساعدت، على الأخصّ، في بروز قطاع خاصّ مصرفيّ لعبت فيه المصارف اللبنانية دوراً رئيسياً. كما سمحت للقطاع الخاصّ السوري في تنمية دوره في الاقتصاد، بدون أن يُفضي ذلك في أيّ حال الى إلغاء الرقابة على المبادلات وعلى القطاع العام كما حدث في أماكن أخرى.
\r\n
\r\n
وبالطبع أنه، وفي مطلع هذا القرن الحادي والعشرين، لم يعد النظام السوري هو هذه الآلة القمعيّة التي تسحق دمويّاً أي حركة انشقاق. غير أنّ الاحتلال الأميركي للعراق، واتّهامات واشنطن، وضعا النظام في موقع دفاعي، وهو ممّا لا يساعد في مواصلة عملية التحوّل الى الليبرالية. وفي كانون الأول/دسمبر عام 2003، أقرّت الولايات المتحدة عقوبات (خفيفة) في إطار ما عُرف ب\"قانون محاسبة سوريا\"، الذي صدّق عليه الكونغرس الأميركي. وهذا ما يعتبر وسيلة ضغط كبيرة على دمشق وبنوع خاصّ من خاصرتها اللبنانية، إذ إن القانون المذكور قد نصّ أيضاً على أن تُعيد سوريا الى لبنان استقلاله كاملاً وناجزاً [8] . وفي 11 أيار/مايو عام 2004، وتطبيقاً للقانون نفسه، صدرت تعليمات رئاسية أميركية تعزّز إجراءات المحاصرة الاقتصادية التي ظلّت، حتى ذاك الوقت، متساهلة وغير ضاغطة نسبياً. وقد ارتاح الجنرال عون في باريس، وكذلك مجموعة الضغط اللبنانية في واشنطن (التي تدعو الى انفصال المسيحيين أو الى تحويل البلاد الى فيدرالية)، للعقوبات الأميركية ثمّ لصدور القرار 1559، وأكّدوا أنهم ساهموا في إحياء الشعلة الأميركية التي كانت مُطفأة في ما خصّ استعادة السيادة اللبنانية . [9]
\r\n
\r\n
أمّا على الأرض، فان السيد وليد جنبلاط، وفي اثناء الحملة الانتخابية في صيف العام 2000، وبعد أن ظلّ حتى تلك الفترة الحليف المُخلص لسوريا، فتح \"النار\" مندّداً بالقبضة السورية. ولم يرَ البعض في ذلك سوى مناورة انتخابية تهدف الى كسب أصوات المسيحيين، خصوصاً وأنّ الزعيم الدرزي قد خفّف من لهجته بمجرّد انتهاء الانتخابات. وفي أيلول/سبتمبر من العام نفسه، صدر بيان شديد اللّهجة عن مجلس مطارنة الطائفة المارونية، الذي يجتمع برئاسة البطريرك الماروني، يتّهم دمشق بأنها هي المسؤولة عن كلّ المشاكل في لبنان (الفساد المستشري والدّين العامّ والأزمة الاجتماعية وتهميش بعض القوى السياسية).
\r\n
\r\n
ثم برزت واقعة جديدة في تاريخ الطائفة المارونية، إذ عُيّن مطران للمشاركة في اجتماعات مجموعة من الشخصيات المتنوّعة الاتجاهات سُمّيت \"قرنة شهوان\"، تضمّ ممثّلين عن ميليشيا القوّات اللبنانية المنحلّة، وممثّلين عن الجنرال عون، وبعض النوّاب الموارنة، ورئيس الجمهورية الكتائبي السابق أمين الجميل. وقد حدّد هذا اللقاء موقفه كمعارض حازم، ليس لحكومة رفيق الحريري، وإنما لرئيس الجمهورية ولسوريا. وهو دعا في برنامجه الى إرسال الجيش الى جنوب لبنان ليحلّ مكان حزب الله، والى إطلاق سراح السيّد سمير جعجع، الرئيس السابق لميليشيا القوّات اللبنانية المسيحية، والذي اعتُقل في العام 1993 وأُدين بارتكاب اعتداءات مختلفة، وأخيراً الى انسحاب الجيش السوري وفقاً لما نصّ عليه اتفاق الطائف.
\r\n
\r\n
وبعد تحرير جنوب لبنان في العام 2000، طالبت الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية، بإلحاح، بنشر الجيش اللبناني على طول الحدود مع اسرائيل، وبأن ينكفئ حزب الله نحو الداخل وحتى بنزع سلاحه. غير أنّ المساعدة الموعودة من الغرب، بإعادة إعمار هذه المنطقة التي عاشت تحت الاحتلال مدة اثنين وعشرين عاماً، لم تُمنح. ثمّ جاء احتلال العراق ليحجب هذه المسألة الحسّاسة. أضف الى ذلك أنّ التهديدات الأميركية لسوريا ولحزب الله، قد أثارت في لبنان موجة من الاحتجاجات شارك فيها البطريرك الماروني نفسه، ممّا ساهم في انفراج الأجواء.
\r\n
\r\n
وقد فجّر مقتل رفيق الحريري المأساوي أزمة أساسية، في وقت بدا فيه النظامان السوري واللبناني محشورين في الزاوية. وإذا بلاد الأرز، التي وقعت مجدّداً طعماً للرهانات الجيوسياسية الاقليمية، يعود الى ما سبق من انعكاسات فيه ونعرات. فهذه الفاجعة الجديدة أتت بعد أشهر على محاولة اغتيال النائب مروان حماده، المقرّب من السيّدين جنبلاط والحريري كليهما، لتنكأ جراحاً لم تلتئم أساساً. وقد رأى الكثير من اللبنانيين أنّ رمزاً رئيسياً، من رموز الاستقرار والازدهار، قد تحطّم. فبالرغم من بعض الانتقادات التي كانت تُوجّه اليه، فانّ رئيس الوزراء السابق قد شكّل، في أوساطالعديد من المُعجبين به، مبعث أمل لهذا البلد، المهمّش، الخارج من نزاع عربي اسرائيلي طالما هو عانى منه.
\r\n
\r\n
وهذا ما جعل الدعوات المتكرّرة من السيدين بوش وشيراك الى الانسحاب السوري، وتطبيق القرار 1559 بشكل تامّ وسريع، تلقى الكثير من الآذان الصاغية التي التفّت حول السيد جنبلاط، وقد أصبح زعيم المعارضة دون منازع، كما حول عائلة رئيس الوزراء المغدور من النواب المؤيّدين لرفيق الحريري والفائزين على لوائحه، الى عدد من المجموعات السياسية والمنظمات غير الحكومية، إضافة الى العديد من الطلاب المتحدّرين بشكل واسع وليس حصراً من الطبقات الوسطى المسيحية.
\r\n
\r\n
ويسعى الرئيس الأميركي وبعض الزعماء الأوروبيين الى جعل لبنان مختبراً ل\"نشر الديموقراطية\"، فبعد الانتخابات العراقية والفلسطينية التي أُجريت تحت الاحتلال، والانتخابات البلدية في السعودية، وقبل الانتخابات الرئاسية في مصر حيث تعدّد المرشحون، يبدو أن العودة الى صناديق الاقتراع في بلاد الأرز تُغري على ما يعتقدون ب\"نفحة الحرية\" في الشرق الأوسط.
\r\n
\r\n
وفي هذا بالطبع جهل للوضع المعقّد في لبنان، كما لما تمثله دمشق بالنسبة الى الرأي العام العربي. فبالرغم من حالة النفور او الانتقادات القاسية التي يثيرها نظامها، فهي تشكل أحد آخر المعوقات في وجه الهيمنة الأميركية على الشرق الأوسط، وفي وجه أيّ \"حلٍّ\" للنزاع العربي الاسرائيلي يتحقّق على حساب الفلسطينيين وحساب سوريا. فاسرائيل ما تزال تحتلّ هضبة الجولان منذ العام 1967، حتى أنها أعلنت ضمّها الى الأراضي الاسرائيلية في العام 1981. وإذا حقّ لل\"معارضة\" التباهي بأنها سوف تفوز بالتمثيل النيابي في وسط لبنان، ففي المقابل هناك في الجنوب والشمال وسهل البقاع تيارات سياسية أخرى، موزّعة ما بين المتطرّفين الذين يأملون في سقوط النظام العاجز الذي أقيم بعد اتفاق الطائف وبعض الشخصيات الأكثر اعتدالاً.
\r\n
\r\n
وهؤلاء يبدون، في أيّ حال، أسرى المنطق \"الثوري\" لبعض المتطرّفين، ومن بينهم مناضلون سابقون راديكاليّون فيما مضى، من شيوعيّين وقوميّين عرب مقرّبين من الفلسطينيين، يحتلّون الواجهة على هذه الساحة. وكردّ على الاعتصام الدائم الذي تنفّذه \"المعارضة\"، في ساحة الشهداء في بيروت حول ضريح رئيس الوزراء السابق المغدور، نظّم حزب الله مظاهرات مضادّة حاشدة، في 8 آذار/مارس في بيروت، وفي 13 آذار في النبطية. وهذا الحزب المتمتّع بهيبة استحقّها في لبنان والعالم العربي بعد تحريره جنوب لبنان، يشكّل عنصراً رمزياً وموحّداً لتيار سياسي لبناني آخر، قومي ومعادٍ للامبريالية وله من ناحيته أصداء متجاوبة معه في المنطقة.
\r\n
\r\n
إنها إذن لعبة خطيرة جارية في لبنان، أولاً على اللبنانيين أنفسهم، وبالتالي على مستقبل علاقات هذه المنطقة من العالم بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. فالسيدان بوش وشيراك رفعا الرّهانات الى أقصى الحدود. والأمل هو في أن تسود الحكمة، وأن يبقى الوضع على الأرض تحت السيطرة. لكن الى كم من الوقت يمكن فرض أزمة من هذا النوع على لبنان، بدون أن يتفجّر اقتصاده الضعيف، أو قبل أن يعمد مثيرو الفتن المحترفون الى صبّ الزيت على النار؟ ثمّ أليس أنّ الطائفة المسيحية، وبتشجيع من الكنيسة المارونية، تجازف في هذا الحقل المحفوف بالمخاطر، كما حدث في الأزمات المتكرّرة التي شهدها لبنان منذ العام 1840 [10]؟ فهل أنّ التظاهرات المستمرّة المدعومة من الغرب، والتظاهرات المضادّة المناهضة للتدخّل الغربي، قد تُفضي بالبلاد الى منطق الانفجار؟
\r\n
\r\n
وهناك قوّة ثالثة منضوية تحت لواء السيد سليم الحص، رئيس الوزراء الأسبق البالغ الاحترام، تحاول أن تهدّئ اللعبة. لكن مع اشتداد الخناق، ليس من المؤكّد أن الدولة سوف تتمكّن من مقاومة هذه المحنة التي تفرضها عليها مجدداً الأوضاع الجيوسياسية الاقليمية الجديدة، ناهيك عن العاملين المتقلّبين في مجال السياسة والخاضعين لمختلف التأثيرات الأجنبية. وكيف يمكن تناسي بعض أعضاء هذه \"النخبة\" المسؤولين عن المجازر وأعمال تهجير السكان في الفترة الممتدّة من العام 1975 الى العام 1990/، بدون أن يخضعوا لأيّ محاسبة أمام أيّ محكمة، كما حدث في رواندا أو في يوغوسلافيا السابقة، أو بدون أن يشاركوا في أيّ عمل مشترك ووطني للاعتراف بالخطأ وإعلان الندم كما حدث في افريقيا الجنوبية؟
\r\n
\r\n
\r\n
\r\n
\r\n
\r\n
\r\n
--------------------------------------------------------------------------------
\r\n
\r\n
* وزير المالية اللبناني الأسبق، من مؤلفاته: Orient-Occident, la fracture imaginaire, La Découverte, Paris, 2005.
\r\n
\r\n
\r\n
--------------------------------------------------------------------------------
\r\n
\r\n
[1] هو الاتفاق الذي توصل اليه النواب اللبنانيون الذين اجتمعوا في مدينة الطائف في السعوديةبتشجيع من السعودية نفسها والولايات المتحدة ودول عربية أخرى. وهو نص على إعادة توزيع السلطات داخلياً بين القيادات المدنية للطوائف الدينية الكبرى، وعلى إعادة انتشار القوات السورية الى سهل البقاع في مهلة سنتين.
\r\n
\r\n
[2] اقرأ المرجع المذكور أعلاه: Le Liban contemporain. Histoire et société, La Découverte, Paris, 2003.
\r\n
\r\n
[3] حول أسباب عدم إعادة انتشار القوات السورية وعدم تطبيق أحكام الدستور المنبثق عن اتفاق الطائف يمكن العودة الى كتاب السيد ألبير منصور الذي تولى وزارة الدفاع ووزارة الاعلام على التوالي في الحكومتين اللتين حكمتا لدى إعادة توحيد البلاد وإنهاء حالة الحرب ما بين العامين 1989 و1992: الانقلاب على الطائف، دار الجديد، بيروت، 1993. ويبرز هذا الكتاب المسؤولية الأكيدة التي يتحملها رئيس الجمهورية السابق الياس الهراوي بمناوراته ومنها تلك التي هدفت الى إفساح المجال لوصول رفيق الحريري الى رئاسة الحكومة في العام 1992، بعد موجة مصطنعة من المضاربات على الليرة اللبنانية أدت الى إسقاط حكومة عمر كرامي، كما عزا ذلك أيضاً الى الظروف الاقليمية حيث لم يبرز أي بديل في المعادلة مكان سوريا.
\r\n
\r\n
[4] راجع صحيفة: L'Orient Le Jour, 18 octobre 2002.
\r\n
\r\n
[5] وفي ردٍ له على نائب معارض احتج على تصريحه هذا أجاب رفيق الحريري بكل حماس بان \"لوم سوريا على ما يحدث في لبنان من مشاكل لا ينطبق على الواقع.\" ثم أكد على ذلك قائلاً: \"فقط لكي نكون امناء للحقيقة ... لأنه لولا سوريا لما كان من الممكن تامين الاستقرار\" \"راجع النص الأصلي في صحيفة النهار في 3/11/2000). وهذا من المواقف الثابتة التي اتخذها الحريري منذ تشكيله حكومته الأولى في العام 1992 وحتى اغتياله.
\r\n
\r\n
[6] راجعه بالفرنسية: En français Le Temps de la paix, Odile Jacob, Paris, 1993.
\r\n
\r\n
[7] اقرأ: Ignacio Ramonet, Irak, Histoire d'un désastre, Galilée, Paris, 2005.
\r\n
\r\n
[8] القانون 108-175 الذي صوت عليه الكونغرس في 12/12/2003 وقد سمي \"قانون 2003 لمحاسبة سوريا واستعادة سيادة\".
\r\n
\r\n
[9] راجع التحقيق الاستقزازي قيلاً الذي نشرته جريدة النهار (بيروت) في 3/2/2005.
\r\n
\r\n
[10] هناك فريق من الطائفة المارونية في شمال البلاد لا تشاطر الكنيسة الموقف الذي اتخذته، وزعيمها السيد سليمان فرنجية، المقرب من سوريا وجه مؤخراً لوماً الى البطريرك لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار تنوع الآراء داخل الطائفة. ومن جهة أخرى فان نواباً موارنة لهم وزنهم التمثيلي في الطائفة أو شخصيات مستقلة لم ينضموا أيضاً الى صفوف المعارضة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.