\r\n هذا مجرد مثال على مرونة حزب الله واهليته المدهشة في هذه الحرب, وتكمن مقدرته على مواصلة القتال ضد اكثر جيوش الشرق الاوسط تسلحاً متقدماً وقوة, في تخطيطه الدقيق, وتفهمه العميق للنظرية والقدرات العسكرية للجيش الاسرائيلي. \r\n \r\n في هذا الصدد, يقول تيمور غوكسيل, الذي حمل مع »اليونيفيل« من 1979 حتى ,2003 وشهد تطور حزب الله عسكرياً خلال ما يزيد على عقدين من الزمان, »لقد قام بعمل لا يصدق في شؤون هيئة الاسكان, وتعلم من دروس حرب العصابات على مر المراحل, واجرى تحليلات دقيقة للجيش الاسرائيلي«. \r\n \r\n كان من المقرر للقوات الاسرائيلية ان تشن هجوماً كاسحاً في غزو جنوب لبنان - حتى اللحظة الاخيرة من جهود المفاوضات - في محاولة لسحق حزب الله العدو, وطرد ما يتبقى من ميليشياته الى شمال نهر الليطاني, اي حوالي 30 كيلو متراً شمال الحدود. لكن يبدو ان الجيش الاسرائيلي, وعلى الرغم من خبرة عقدين من مقاتلة حزب الله في جنوب لبنان, ما يزال يسيء تقدير مرونة خصمه اللبناني, ومقدرته على التكيف بالشكل الملائم. \r\n \r\n باستعمال مقاتلي حزب الله الاشداء, للصواريخ المتقدمة المضادة للدروع, والقناصة, وتلغيم الطرق, والعمل ضمن نظام معقد من الانفاق والمواقع السرية الحصينة تحت الارض, نجوا من الغارات الجوية, وحمم القصف المدفعي, وهو ما مكنهم من قتل الجنود الاسرائيليين واطلاق الصواريخ, ففي احد الايام, قتل 15 جندياً اسرائيلياً, وهو اعلى رقم من هؤلاء القتلى يحدث في يوم واحد من القتال, منذ اندلاع هذه الحرب. وفي هذا الخصوص, قال احد كبار المسؤولين العسكريين الاسرائيليين, »لدى هؤلاء المقاتلين العديد من المواقع والمراكز الحصينة, المخفية بشكل جيد, وعلينا ان نقضي على مقدرتهم على مهاجمة اسرائيل من هذه الاماكن, وهذه المنطقة جبلية, وليس من السهل علينا التقدم فيها. كما انه ليس بمقدورنا تحديد مواقع هذه الاماكن السرّية الحصينة تحت الارض, الا عندما نصلها«. \r\n \r\n قوات محلية صغيرة \r\n \r\n كان الاعتقاد بأن عدد المقاتلين من حزب الله, الموجودين على الجبهة الامامية حالياً, لا يتجاوز 1000 مقاتل, وهو مجرد فصيل من قوة حزب الله التي يستطيع فرزها هناك, وكان هؤلاء المقاتلون من ابناء القرى الواقعة على الخط الامامي, مستثمرين في ذلك معرفتهم الدقيقة للساحة المحلية للمنطقة. ويتم الاتصال بين مقاتلي حزب الله عبر اجهزة المذياع الظهري »ووكي-توكي« التي تعمل بالبطاريات, وسهلة الارسال والاستقبال, مستخدمين في ذلك نظاما يستند الى معرفتهم الشخصية ببعضهم البعض, وبجغرافية المنطقة فلو اندفعت القوات الاسرائيلية الى عمق اكبر في لبنان, وتحركت الى قرى وبلدات جديدة, فانها ستواجه صفوفاً اخرى جديدة من مقاتلي حزب الله »حتى انني تفاجأت بعناد وتماسك هذه الوحدات المقاتلة في القرى, وقاتل افرادها بمستوى ابعد بكثير من توقعاتي, مع انهم لم يزجوا بكامل قواتهم المدربة تماماً«, كما قال غوكسيل. \r\n \r\n يستند مقاتلو حزب الله الى سنوات طويلة من الاستعدادات الدقيقة الماهرة, والتدريبات مقرونة بالحصول على تكنولوجيا احدث في مجال الاسلحة, وتعتبر الصواريخ المضادة للدبابات اكثر نظم الاسلحة المتقدمة فاعلية, التي استعملها مقاتلو حزب الله على الخط الامامي للجبهة, وكبدت مجموعات صغيرة من المقاتلين المتدربين على نحو خاص, القوات الاسرائيلية اصابات مؤلمة نسبياً, مستخدمة صواريخ متقدمة لضرب دبابات ميركافا المنيعة, واساليب قديمة لاقتحام جدران المنازل التي يحتمي فيها الجنود الاسرائيليون. \r\n \r\n وفي هذه الحرب, استعمل حزب الله, لاول مرة, قذائف »ميتس - M« الروسية, القابلة لحمل رؤوس حربية مدرعة لتدمير الدبابات, او رؤوس حربية مزودة بوقود جوي متفجر, للاستعمال ضد القوات او التحصينات السرية تحت الارض, ويبلغ مدى هذه القذيفة الصاروخية كيلومتر ونصف تقريباً. ويقال ايضاً ان حزب الله يستعمل صواريخ »كورنت - E« المضادة للدبابات, وتوجه بالليزر, بمدى يصل الى خمسة كيلو مترات. ويحمل الفرد من هؤلاء المقاتلين على كتفه سلاح »RPG-29«, المتطور من »RPG-7«, المحبوب من المقاتلين ورجال العصابات في جميع انحاء العالم منذ سنوات الستينيات, وقد استخدم حزب الله »RPG-29« لاول مرة في شهر تشرين الثاني الماضي. في محاولة فاشلة لاختطاف جنود اسرائيليين. \r\n \r\n ادت قدرة فرق الصواريخ حسنة التدريب, على تدمير دبابات ميركافا التي تتباهى بها اسرائيل, الى دحض النظرية العسكرية الاسرائيلية التقليدية, القائمة على الاندفاع المدرع السريع داخل اراضي العدو. وعوضاً عن ذلك, تقدمت القوات الاسرائيلية بحذر شديد شمالاً, وحتى بعد اكثر من اسبوعين من القتال الشرس, في محاولة للاستيلاء على بلدات رئيسية على الحدود. \r\n \r\n هل أسيء تقدير قوة حزب الله? \r\n \r\n راح انتقاد داخل اسرائيل بأن الجيش انتظر طويلاً للتحرك ضد حزب الله بقوات ضخمة من المشاة والعربات المدرعة. ويقول جيرالد شتاينبيرغ, استاذ العلوم السياسية بجامعة بار-ايلان, قرب تل ابيب, »لا اعتقد انه اسيء كثيراً تقدير قوة حزب الله, لكن التوقعات تمثلت في ان تؤدي الغارات الجوية الى قطع الاتصال بين اعضاء القيادة والاشراف على سير العملية, وتأمل المعنيون بأن يتم تنفيذ ذلك دون وقوع اصابات كبيرة«. \r\n \r\n وفي مؤشر على صعوبة تحقيق ذلك, نحى رئيس هيئة الاركان الاسرائيلي, دان هالوتز, الجنرال المكلف بالاشراف على الحرب البرية في لبنان. وشكل ذلك اول قرار من نوعه منذ الحرب العربية - الاسرائيلية عام ,1973 بأن يعفى جنرال من مسؤولياته في خضم القتال. في هذا الخصوص, قال يوسي علفر, محرر الصحيفة العربية الاسرائيلية الالكترونية »الليمون المر« انني لا اجد في اداء الجيش الاسرائيلي, كجيش مقاتل, اسوأ من اي اداء له في السابق, لكن مقاتلي حزب الله ربما يكونون افضل القوات العربية المقاتلة, من حيث التدريب والحوافز, التي واجهناها حتى الان« ولاحظ علفر ان الجيش الاسرائيلي لم ينجح ابداً في اطفاء نيران الصواريخ المنطلقة من لبنان, طوال الفترة الممتدة منذ غزوه في عام .1982 \r\n \r\n ولو دخلت القوات الاسرائيلية لبنان بقوة وزخم, لكان حزب الله لجأ الى سلاح اخر محبب, هو تلغيم جوانب الطرق, ذلك ان هذا السلاح قد ادى الى مقتل عدد من الجنود الاسرائيليين في جنوب لبنان, في التسعينيات, اكثر من اي سلاح اخر. كما غدت التكنولوجيا المستعملة في صناعته وتفجيره عالية التصميم والتقدم. \r\n \r\n كانت الغام الطرق في البداية مكونة من عبوات ناسفة من طراز كلايمور, التي تبعث مئات الكريات المتولدة, وتفجر بسلك او جهاز راديو عن بعد. اما الغام حزب الله الحالية, فتشمل رؤوسا حربية محشوة, تركز مادة التفجير في اتجاه واحد, وتشبه الصاروخ المضاد للدبابات, لتخترق اجسام العربات المدرعة, وتفجر هذه الالغام بالاشعة تحت الحمراء.. اي عندما ينكسر الضوء, ينفجر اللغم. \r\n \r\n ويعتقد المراقبون العسكريون بأن حزب الله زرع الغاما كبيرة منذ وقت طويل, على طول الطرق المحاذية للحدود. وفي عام ,2002 داس راع بالصدفة على احد هذه الالغام, فجلب انتباه رجال الشرطة المحلية, وهذا ما ازعج كثيراً حزب الله. وكان ذلك اللغم بزنة 180 كيلو غراماً من المتفجرات البلاستيكية, التي كانت قد دفنت بعمق بضع اقدام, وعلى بعد 500 ياردة من الحدود. واذ كان الاسرائيليون يحسبون حساب هذه الالغام, فقد تجنبت دباباتهم الطرق المتاخمة للحدود, وشقت طريقها داخل اراضي الجنوب اللبناني بدلاً من ذلك. \r\n \r\n نظام ملاجىء حصين معقد وسري \r\n \r\n منذ صيف عام ,2000 اقام حزب الله بنى تحتية عسكرية معقدة وسرية في جنوب لبنان, مكونة من انفاق, وكهوف طبيعية واسعة, ومواقع حصينة تحت الارض, جرى تخزين الاسلحة فيها, كما كانت ملائمة لعيش المقاتلين. وقد تم تنفيذ هذه الاعمال الانشائية, او قسم كبير منها, في اماكن بعيدة عن الحدود, وفي ظلام الليل, كي لا تراها اعين الناس العاديين. وقبل ثلاث سنوات, ظل سكان القرى القريبة من واد معروف بأنه يقع تحت سيطرة حزب الله, مستيقظين ليلاً على صوت تفجيرات, عندما كان المقاتلون ينسفون بالديناميت منحدرات من الصخر الكلسي لغاية بناء الملاجىء المحصنة. \r\n \r\n ومن ناحية اخرى, اسهم الرماة عالي التدريب من رجال حزب الله في تكبيد الاسرائيليين عدداً من الاصابات ايضاً. فهؤلاء القناصة المجهزون ببنادق قوية, كانوا يقبعون في مواقع غير مكشوفة على مدى ايام, يتصيدون خلالها الجنود الاسرائيليين كلما سنحت الفرصة وفي تموز ,2004 قتل قناص من حزب الله, وبدقة متناهية, جنديين اسرائيليين من مسافة 500 ياردة. \r\n \r\n ويعترف القادة العسكريون الاسرائيليون, بأنهم في الوقت الذي يزعمون انهم دمروا العديد من قواعد اطلاق صواريخ حزب الله بعيدة المدى, بما فيها صواريخ »زلزال« من طراز »600« ميليميتر, القادرة على الوصول الى تل ابيب, فان صواريخ الكاتيوشا, من عيار »122« ميليميتر, هي الاسهل للاطلاق بوحدات وفرق متحركة, دون الحاجة الى قواعد اطلاق مكشوفة لطائرات الاستطلاع او الطائرات من دون ملاحين التي تستعمل لتحديد مواقع العدو. وعلى العموم, فان الصواريخ كانت تطلق من قواعد اطلاق متعددة البراميل, محمولة على ارضية صناديق الشاحنات. كما انها قابلة للاطلاق فرادى, وحتى من قضبان متصالبة لا تكتشفها الطائرات الحربية ولا طائرات الاستطلاع, عندما تكون مخفية في حقل زيتون او بستان برتقال. بل ان بعض الصواريخ ينطلق وفقاً لبرنامج توقيت, ما يعطي المقاتلين فرصة مغادرة المنطقة مسبقاً. \r\n \r\n مخابىء صغيرة ومبعثرة للاسلحة \r\n \r\n بدلاً من تكديس الذخائر في عدد من المخازن, وزع حزب الله ذخائره بعناية فائقة, وكذلك صواريخه واسلحته في اماكن عديدة من انحاء جنوب لبنان, وخبأها في بيوت خاصة, ومرائب, وتسويات, ومخازن حصينة تحت الارض, وفي الكهوف. وقد ضمن لفرقائه من المجموعات الصغيرة المعزولة, تمويناً جاهزاً من الاسلحة والذخائر. وفي هذا الشأن, قال الجنرال الان بيليغريني, قائد »يونيفيل«, »لقد اقاموا ترسانات هائلة من الصواريخ في المنطقة واعتقد ان الاسرائيليين كانوا يأملون بتحقيق نصر اسرع على حزب الله بمرور هذا الوقت« ولعل اهم سلاح في ترسانة حزب الله, هو الحافز والتصميم لدى كل مقاتل من مقاتليه. ويقول غوكسيل, »ان العنصر رقم واحد يتمثل في ان حزب الله لا يخشى الاسرائيليين. فبعد 18 عاما من مقاتلة القوات الاسرائيلية. فانه ينظر اليهم كبشر معرضين تماما للهجوم عليهم, ويرتكبون اخطاء, ويخافون مثل اي انسان آخر«. \r\n