\r\n بيد أن استياءنا المشروع من الأرباح الكبيرة التي جنتها شركات النفط الكبرى، يجب ألا يحجب عنا السبب المباشر وراء ارتفاع أسعار الطاقة، ألا وهو السياسات الخرقاء لإدارة بوش، وليس جشع الشركات النفطية بالدرجة الأولى. \r\n ولكي نفهم الموضوع أكثر علينا أن ندرك أن ما يحدد أسعار النفط في السوق العالمي هو العلاقة البديهية بين العرض والطلب. وإذا كانت المعادلة بسيطة وتقول إنه كلما قلَّ العرض وكثر الطلب ارتفعت الأسعار، فإن على الأميركيين أن يشكروا إدارتهم لأنها أساءت التصرف في شقي المعادلة. فبينما أدت السياسة غير المسؤولة لإدارة الرئيس بوش في مجال الطاقة الداخلية إلى رفع الطلب العالمي على النفط، قادت سياستها الخارجية المتهورة إلى خفض حجم الإمدادات العالمية والتأثير سلباً على كميات النفط المعروضة في السوق. فعلى صعيد السياسات الداخلية لم يعد خافياً عرقلة إدارة بوش للجهود الرامية إلى تقليص اعتماد الولاياتالمتحدة على النفط. فرغم اعتراف بوش في خطاب \"حالة الاتحاد\" بإدمان الولاياتالمتحدة على النفط، فإن إدارته لم تبذل أية جهود لتطوير برامج ترشيد استهلاك الطاقة، أو الاستثمار في مصادر أخرى بديلة. \r\n أما على صعيد السياسة الخارجية فقد ساهمت الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها هذه الإدارة في العديد من مناطق العالم، من العراق ونيجيريا إلى فنزويلا وروسيا، في تراجع إنتاج النفط نحو مستويات أقل بكثير مما كانت عليه سابقاً. ومع ذلك لم تنلْ إدارة بوش ما تستحقه من لوم وعتاب على الطريقة التي أفضت بها سياساتها إلى ارتفاع أسعار الطاقة بالنسبة للمستهلك الأميركي. ولو بدأنا بالعراق سنجد أن عجز الإدارة الأميركية عن إحلال الأمن وفرض سيادة القانون، تسبب في انخفاض مطرد لمستوى إنتاج النفط، علما بأن العراق يمتلك ثالث أكبر احتياطي من النفط في العالم. فبينما كان حجم إنتاجه من النفط قبل الغزو الأميركي لأراضيه في مارس 2003 يصل 2.5 مليون برميل يومياً، تراجع هذا الرقم مع حلول 2005 إلى 1.8 مليون برميل. وفي نيجيريا التي تزخر بمواردها الهائلة من الطاقة، لم تحرك إدارة بوش ساكناً للدفع بالإصلاحات الحكومية وإنهاء الصراعات الدموية المستفحلة في البلاد. فقد أدت المواجهات العنيفة، على خلفية الصراع حول توزيع عائدات النفط واستفادة السكان الفقراء من المداخيل، إلى منع إنتاج النفط بصورة طبيعية. وهكذا قام المسلحون في شهر يناير الماضي بتفجير أنابيب نقل النفط، كما خطفوا العديد من موظفي الشركات الأجنبية. وفي مطلع الشهر الجاري لقي حوالى 150 شخص حتفهم عندما انفجر أنبوب للنفط نتيجة الأعمال التخريبية التي ينفذها المتمردون، وهو ما أدى في النهاية إلى انخفاض نسبة إنتاج النفط ب20% مقارنة بالعام السابق. \r\n وبالانتقال إلى مثال آخر على سياسة بوش الخارجية في مجال النفط، تطالعنا فنزويلا التي كانت إلى عهد قريب رابع مزود لأميركا بالنفط. فقد أدى تأييد إدارة بوش لانقلاب عسكري فاشل ضد هوجو شافيز عام 2002 إلى تسميم العلاقات المتوترة أصلاً بين البلدين، ما دفع شافيز إلى التمادي في تحدي الولاياتالمتحدة مستفيداً من سياساته المالية وأسعار النفط المرتفعة. وفي الشهور الأخيرة فرض شافيز ضرائب باهظة على الشركات الأجنبية العاملة في مجال الطاقة، كما سيطر على بعض مشاريع التنقيب التي كانت في يد شركات أجنبية، ما أسفر عن مغادرة تلك الشركات لفنزويلا وبالتالي انخفاض مستويات الإنتاج. والأكثر من ذلك أن هذه التطورات تزامنت مع ارتفاع سعر الخام العالمي بسبب مخاوف السوق من تقلص الإمدادات النفطية. \r\n أما في روسيا فقد أدى تغاضي إدارة بوش عن تراجع الرئيس فلاديمير بوتين عن الإصلاحات الاقتصادية التي بدأتها بلاده في وقت سابق وتأميمه لشركة النفط العملاقة \"يوكوس\"، إلى انخفاض حصة روسيا من الإنتاج العالمي للنفط. وليست روسيا الوحيدة التي تتصدر لائحة السياسات الفاشلة للرئيس بوش، بل هناك أيضاً إيران التي تعد رابع أكبر منتج للنفط في العالم. فقد رفضت إدارة بوش بعناد منقطع النظير التفاوض مباشرة مع طهران معززة بذلك احتمالات المواجهة العسكرية، أو فرض عقوبات عليها، وهي العقوبات التي قد توجه ضربة قاصمة إلى الإمدادات العالمية من النفط ما سيرفع الأسعار إلى مستويات قياسية ويلحق أضراراً بالغة بالاقتصاد العالمي. وإذا كانت الولاياتالمتحدة معنية حقاً بأمنها في مجال الطاقة، فإن عليها الكف عن انتهاج سياستها المتأرجحة بين غض الطرف غير المبرر، وبين أسلوبها العدواني في بعض الأحيان، وأن تنخرط في سياسة بديلة تقوم على الشفافية ودعم حقيقي للإصلاحات السياسية والاقتصادية. أما في حال الفشل فمن الأفضل أن يُعوّد الأميركيون أنفسهم على استخدام الدراجات الهوائية في الذهاب إلى العمل. \r\n \r\n روزا بروكس \r\n كاتبة ومحللة سياسية أميركية \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n \r\n