\r\n \r\n هذا الرجل يدعى باتريك فيتزجيرالد وهو النائب العام، الذي سيقدم رداً قانونياً على الأسئلة التي يطرحها الكثيرون حول العالم مثل: هل كانت حرب العراق ضرورية؟ هل خدعت إدارة بوش الأممالمتحدة والعالم والشعب الأميركي نفسه؟ \r\n \r\n بالطبع لن يكون للإجابة طابع حاد أو تبسيطي، ذلك أن فيتزجيرالد رجل يقيس أوقاته بدقة متناهية، فلقد بدأ عمله هذا منذ عامين والآن فقط وبعد أن تسلح بالقرائن القانونية بدأ عملية الاتهام. \r\n \r\n لنمضي بالقضية جزء تلو الآخر. البيت الأبيض كان بحاجة إلى اعتقال ومعاقبة المجرمين الذين ارتكبوا فظاعة 11 سبتمبر. المجرمون كانوا عشرة أشخاص أذعنوا لإرهاب بلا راية لكنه يحمل اسماً هو القاعدة وأسامة بن لادن. لكن أين عثروا على المنظمة وقائدها؟ في أفغانستان. \r\n \r\n اعتمدت حرب أفغانستان على مساندة جماعية تقريباً. لكن أسامة بن لادن فر من بين أيدي الغزاة الأميركيين. ولقد مضى أعوام وما زال طليقاً ويتمتع بقدرة على الانزلاق أكبر من دودة الأرض. \r\n \r\n وكان ضرورياً الارتقاء بالنصر في أفغانستان وهزيمة بن لادن إلى جبهة جديدة مجاورة ومنذرة بالخطر، على أن تبرر النزق الحربي لحكومة بوش أمام الرأي العام الأميركي. \r\n \r\n وبدا صدام حسين وكأنه مرسل من هوليوود للعب دور المارق الذي يستهويك أن تعالج أمره إذ أنه طاغية متربع على احتياطيات نفطية لا تنضب، أي أنه الهدف المثالي، على ألا ننسى أنه كان حليف واشنطن ضد الإيرانيين في الثمانينات وأن جميع سيئاته غفرت مجاناً. \r\n \r\n وبتشجيع من واشنطن، تجرأ وغزا الكويت ونال الرد القاسي الذي استحقه. مع ان كولن باول، الذي كان عندئذ رئيس الأركان العامة، قال ان الكويت لا تستحق تدخلاً أميركياً. \r\n \r\n في المقابل، دافع برنت سكوكروفت، المستشار القومي للرئيس جورج بوش الأب، عن وقف اعتداء صدام على الكويت، ولقد وافق الرئيس على ذلك وهزم صدام حسين. \r\n \r\n لكن الولاياتالمتحدة لم تلاحقه حتى بغداد. لماذا؟ دوافع الأمس تلقي الضوء على خداع اليوم. \r\n \r\n بعد إنجاز المهمة في الكويت، اعتبر بوش الأب وسكوكروفت ان الوصول إلى بغداد ما كان ليشكل مشكلة وان المشكلات الحقيقية كان لها طبيعة مختلفة، تمثلت في التحول إلى قوة احتلال مطلقة وفي مواجهة تمرد حرب العصابات والعثور استراتيجية للخروج والرد على سؤال سكوكروفت: \r\n \r\n ما الذي يجب فعله مع العراق عندما يكون المرء السيد الحاكم فيه؟ إذ ان التكلفة كانت أعلى من الفوائد وبالتالي، فإن بوش الأب لم يقم بغزو العراق. \r\n \r\n والذي غزا العراق هو بوش الإبن، كما لو انه لم يستوعب أسباب بوش الأب أو أنه سمع بها وقرر تصحيح خطأه أو إظهار أن رجولة الابن راحت تنمو في الظلال النفسية لبوش، الرئيس الحالي. \r\n \r\n لكن الأسباب الحقيقية تتعلق بجوانب أقل نفسية رغم انها أكثر منطقية، حيث تنمو المصالح النفطية للقلة الحاكمة أو «السلطة النفطية»، الممثلة بالرئيس بوش ونائب الرئيس تشيني. \r\n \r\n فالشركة التي تحصل على عقود إعادة الاعمار السخية، من العراق إلى نيو أورليانز، هي شركة «هالبيرتون» والشركات التابعة لها، وشركة هالبيرتون هذه هي أم جميع شركات نائب الرئيس تشيني. \r\n \r\n حرب نفسية، حرب نفطية، إنها حرب إمبراطورية في نهاية الأمر، والإمبراطورية ليست امبراطورية ان لم تظهر قوتها العسكرية والإمبراطورية العسكرية ليست كذلك إن لم تعان من شعور هبرس بالكبرياء، كما يذكرنا غريغوريو ماراينون، الذي يحوّل الأحقاد إلى عنف انتقامي عندما يصل أصحابها إلى السلطة. \r\n \r\n فلقد أكد وولفويتز الغني عن التعريف، والذي يحتل اليوم منصب رئيس البنك الدولي وكان بالأمس مستشار بوش الابن قائلاً: \r\n \r\n «ذهبنا إلى الحرب لأسباب بيروقراطية» وسواء كانت نفسية أو نفطية أو بيروقراطية، فقد كان لابد من تبرير أسباب الذهاب إلى الحرب، لا سيما حين تهزأ كوندوليزا رايس من «المجتمع الدولي الواهم». \r\n \r\n لكن تلك الأسباب راحت تسقط الواحد تلو الآخر. فقد قيل أولاً إن صدام يملك أسلحة دمار شامل وعندما ثبت العكس، ظهر السبب الثاني، الذي يقول إن صدام طاغية. لكن الطغاة كثر وهم ينتشرون حول العالم مثل النار في الهشيم، مما يفسح المجال أمام ظهور السبب الثالث . \r\n \r\n والذي يكمن في أن صدام كان يملك النفط، لكن بما أن حكومة بوش لا تريد إظهار اهتمامها بذلك النفط، فإن الحديث في الأسباب التبريرية اتجه نحو فكرة مضللة مفادها أن التدخل الأميركي في العراق جلب الحرية للشعب العراقي وانتخابات حرة ودستور. هناك متسع للتساؤل: إلى متى ستدوم هذه الخيرات في بلد محتل ومتمرد ومنقسم على نفسه بشكل عميق، سياسياً ودينياً وعرقياً؟ \r\n \r\n إن الصلاح الديمقراطي لغزو العراق واحتلاله لن يأتي إلا في اليوم الذي تنسحب فيه القوات المسلحة للولايات المتحدة من العراق. لكن لماذا ذهبوا إلى العراق؟ \r\n \r\n هذا هو سؤال النائب العام فيتزجيرالد ولقد صاغه على أساس معايير تصب في لب المسألة. هل كانت هذه الحرب ضرورية أم أنها جاءت نتيجة مؤامرة غير قانونية حاكتها السلطة التنفيذية الأميركية؟ \r\n \r\n لقد راح فيتزجيرالد يحدد بدقة معالم التسلسل الزمني للمؤامرة. ففي فبراير 2002، أرسل السفير جوزيف ويلسون من قبل وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) إلى النيجر للتحقق من شراء اليورانيوم من قبل صدام حسين بهدف امتلاك ترسانة أسلحة دمار شامل. \r\n \r\n لكن ويلسون يقدم تقريراً يفيد بأن عملية الاقتناء تلك غير موجودة. وفي يناير 2003، يعلن بوش للكونغرس بأن العراق بحث عن اليورانيوم في افريقيا. \r\n \r\n وفي شهر يوليو يكذب ويلسون بوش والسي آي ايه ويسلم بأنها كانت خطأ من الرئيس تلك الإشارة إلى ما هو غير موجود هو يورانيوم النيجر لصدام. وفي يوليو أيضاً يكشف الصحفي روبرت نوفاك أن ولسون قد أرسل إلى افريقيا لأن زوجته فاليري بلين كانت عميلة للسي آي ايه. لكن من قام بهذا التسريب الإجرامي؟ \r\n \r\n عند هذه النقطة، يظهر النائب العام فيتزجيرالد ويبدأ بحل طلاسم القضية. لويس ليبي، مدير ديوان تشيني وكارل روف، عقل بوش في البيت الأبيض، تحدثا إلى ستة صحافيين لإثبات أن ولسون قد أرسل إلى النيجر بمبادرة من زوجته، عميلة السي آي إيه، بلين. \r\n \r\n وليبي يقدم معلومات ثلاث مرات إلى جوديث ميلر، من صحيفة «نيويورك تايمز»، الصحافي روبرت نوفاك يجري مقابلة أيضاً مع روف وليبي وينشرها باسم فاليري بلين. ويحذو حذوه مات كوبر في مجلة «تايم». \r\n \r\n وبما أن كشف اسم عميل ل «سي آي إيه» هو جريمة اتحادية تصل عقوبتها إلى السجن عشر سنوات، فإن النيابة العامة تجد نفسها مجبرة على مواجهة الحالة. \r\n \r\n وبعد تمرير جميع المعلومات عبر منخل دقيق، يشير فيتزجيرالد أولاً إلى لويس ليبي وينسب إليه قرينة دامغة فحواها أنه كشف لوسائل الإعلام أسرار دولة وأنه كذب عندما أنكر ذلك. وهو الأول في الطابور. إلى أن ستصل سلسلة الحقيقة؟ \r\n \r\n هذا السؤال فقط يدفع إلى حظر الأسباب الحقيقية، التي من أجلها ذهبت إدارة بوش إلى الحرب، فضلاً عن سياستها الانتقامية الموجهة ضد من يعارض تلك السياسة أو يحقق في أسبابها. \r\n \r\n ومثل زورق مليء بالثقوب، تغرق الذريعة الحربية أمام نظر الجميع. أما كولن باول، فإنه يعترف بأنه كان مخدوعاً عندما عرض لحالة أسلحة صدام الحربية غير الموجودة أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. \r\n \r\n لحسن الحظ في تلك المناسبة أن أدولفو أغيلار زينسير وخوان غابرييل فالديس، أي المكسيك وتشيلي، قد أنقذا الشرف والحقيقة والمبادئ. ولحسن الحظ أن دومينيك دوفيلبان قد رفض منح صوت فرنسا انطلاقاً من ذلك المبدأ القائل بأن «الوفاق واحترام القانون فقط هما اللذان يعطيان الشرعية للقوة والقوة للشرعية». \r\n \r\n ولسوء الحظ أن هانز بليكس، مفتش الأسلحة التابع للأمم المتحدة، لم يعط الفرصة لإتمام تفويضه وإثبات أن العراق ما كان يملك أسلحة للدمار الشامل. \r\n \r\n فلو حدث ذلك، لكانت تمت الحيلولة دون سقوط أكثر من 2000 جندي أميركي و30 ألف مدني عراقي. \r\n \r\n في هذه الحالة فقط، ما كان لبوش أن يملك الذريعة للذهاب إلى حرب أعلن الفوز بها بالأمس وهو يخسرها اليوم. في هذه الحالة فقط، ما كان لحكومته أن تجد نفسها اليوم محاصرة بأسوأ أزمة ثقة عانت منها وعلى ما يبدو أنها مازالت في بدايتها فقط. باتريك فيتزجيرالد هو رمز لأفضل ما لدى الولاياتالمتحدة... \r\n \r\n نظام قضائي مستقل غير قابل للرشوة يبرر كيفية مبدأ فصل السلطات، الذي يسمح للقضاء، حسب كلمات جيمس ميدسون، بأن تكون المؤسسة الوحيدة، التي تحلق فوق سوق المصالح التنافسية لتصدر قرارات محايدة. \r\n \r\n حيث كتب توكيفيلي في «الديمقراطية الأميركية» ان «المحاكم هي الهيئات المرئية، التي تسيطر عن طريقها الحرفة الشرعية على الديمقراطية». \r\n \r\n وهذا وصف دقيق لوظيفة النائب العام باتريك فيتزجيرالد. الديمقراطية تقوم على مبدأ فصل السلطات. وبدونه تضعف الديمقراطية أو تتلاشى، درس لكل بلدان العالم ومبدأ شامل لا بد أن يبقى ماثلاِ أمام الجميع. \r\n \r\n