وعبثاً تحاول الدول الغربية تنويع انتاجها، وتخفيف اعتمادها على تلك المنطقة من العالم، لا سيما منها الولاياتالمتحدة التي تستورد نحو 55 في المئة من استهلاكه النفطي. ويصح القول ان النفط هو أرضية النزاع في العراق الآن. فالتقرير الذي رفعه ديك تشيني الى الرئيس بوش الابن، وشخص وجود «أزمة الاحتياطي النفطي»، اضافة الى شعار بوش الأب: «أسلوب حياة الأميركيين غير قابل للتفاوض»، جعلا هدف خطة الطاقة فتح الحقول النفطية في الولاياتالمتحدة، وفي انحاء العالم، أمام الاستثمار العالمي. \r\n \r\n ولم يبلغ بوش هذا الهدف في العراق. فقبل الحرب، كانت الشركة الوطنية العراقية تنتج 2.5 مليوني برميل يومياً. في أثناء الغزو تردى الانتاج. واليوم فهو لا يتعدى 1.5 مليون برميل. وتضخ الكمية هذه ضخاً متقطعاً، بسبب العمليات التي تطاول أنابيب الجر. وهناك حقول عراقية أخرى يمكن حفرها، غير انها تتطلب استثمارات كبيرة ووقتاً طويلاً قبل أن تقدر على الاسهام في انتاج نحو 0.5 مليون برميل في اليوم. وفيما يعود الى الصين والوضع النفطي العالمي، يروج قول يزعم انه «حيث يوجد نفط فالصينيون هناك». وربما بات هذا القول صحيحاً. فإذا قررت الصين أن تستخدم مركبات نقل ومواصلات فردية مثل أوروبا، فيقدر أن يبلغ استهلاكها من الوقود وحده مجموع ما ينتجه الشرق الأوسط. والصينيون يتربصون بموارد الطاقة في العالم، لا سيما في آسيا الوسطى والقوقاز. وهم يفاوضون على انشاء خطوط جر وامداد، في كل مكان: في ايران وأميركا اللاتينية وأفريقيا. ويفاوضون في فنزويلا، هوغو تشافيز. ويضعهم هذا في كفة المنافسة مع الأميركيين. وفي أنغولا، يعرض الصينيون على زعماء البلاد شروطاً مالية مغرية لا تتقيد بمعايير صندوق النقد الدولي. وهم حلوا في السودان محل هيئة كندية غادرت البلاد تحت ضغط المنظمات غير الحكومية. ولا تحرجهم معايير حقوق الانسان، ولا المسائل الأخلاقية والبيئية، ولا محاربة الفساد. ولأنهم لا يرزحون تحت ثقل الأسواق المالية ومطاليبها، يسعهم التقدم من تلك البلدان بعروض مؤاتية. وهذا علماً بأن الصين لا تستورد غير 2.5 مليوني برميل في اليوم، مقابل 24 مليوناً تستوردها أوروبا والولاياتالمتحدة. ومرد التوتر، في مضمار الطاقة، الى نمو الولاياتالمتحدة المطرد. وبما أن هذا النمو لا يتأثر الى اليوم، بسعر النفط، فليس ثمة ما يؤذن بانحسار التوتر. \r\n \r\n \r\n عن جان – ماري شوفالييه (أستاذ جامعي ومؤلف كتاب «معارك الطاقة الكبرى»)، لونوفيل أوبسرفاتور الفرنسية، 8 – 14/9/2005 \r\n \r\n حتى لو أدّت الأسعار المرتفعة الى «تدمير» جزء من الطلب على النفط، خصوصاً في البلدان الفقيرة التي يقل فيها عدد القادرين على الحصول على هذا النفط، لا مفر من ارتفاع الاستهلاك العالمي. فهل نشهد سباقاً على ضمان مصادر التغذية؟ يقول الخبراء ان مصدر المخاطر ليس في توفر الموارد، في المستقبل المنظور. فالشركات الكبرى والأوبك والوكالة العالمية للطاقة تجمع على ان منابع النفط – من دون احتساب تلك التي لم تكتشف بعد – قادرة على توفير التغذية لعقود كثيرة آتية. ولكن المشكلة أو العقبة هي انشاء البنى التحتية اللازمة. \r\n \r\n ويرى كبار المستوردين، وهم يعتبرون النفط مسألة حيوية، أن السيطرة على منابع انتاج النفط والغاز خيار منطقي. وهو يضمن لهم موقعاً استراتيجياً، على رغم أن استعمال القوة في سبيل السيطرة على المنابع، مثلما حصل في العراق، لم يجدِ نفعاً. فينبغي للشركات العالمية الرضى بقبول الدول المصدّرة بلوغها منابعها من النفط من غير معوقات صفيقة، ومن غير مفاوضات بالغة التعقيد والتطويل. ويفترض بالبلدان المصدرة أن تحفزها الأسعار المرتفعة على زيادة الانتاج، وتعديل تشريعاتها بغية اجتذاب الشركات الأجنبية. وما يشهد هو على النقيض من هذا باستثناء الجزائر. فكبرى الدول المصدرة، كالمملكة العربية السعودية والمكسيك وايران والكويت، على رغم المساعي الحثيثة، تتردد في تيسير الوصول الى منابعها النفطية، وتفضل حصر الوصول اليها بشركاتها الوطنية. وبعضها الآخر، مثل روسيا وكازاخستان وفنزويلا تستغل زيادة عوائدها من النفط في التشدد في شروط العقود، وتعزيز دور شركاتها وزيادة الضريبة على التصدير. \r\n \r\n ويتعاظم دور منافسين جدد، لا يترددون في المزاودة على الشروط عند استدراج العروض، للفوز بعقود التنقيب، مثلما حصل أخيراً في ليبيا. ومن بين المنافسين شركات من البلدان الجديدة (الصين والهند والبرازيل)، وشركات عامة ومصدّرة، مثل «بتروناس» الماليزية و «سونطراك»، الجزائرية وشركة النفط الكويتية، وغيرها من شركات خاصة مستقلة لدول الخليج. ولا ييسر هذا عمل كبرى الشركات العالمية. \r\n \r\n وقد تقوم الدول المنتجة على تيسير الشروط الضريبية وانتهاز الفرص الجديدة للتفاوض على استراتيجيات للتنمية المستدامة. ونظراً الى ان النفط حيوي للاقتصاد العالمي، فلا بد للشركات الكبيرة من أن تتحمل مسؤولياتها. والسعر ليس سعر البرميل وحده، بل هو يقتضي تغيراً في طبيعة العلاقات بين الشركات العالمية والبلدان المنتجة، وتطوير شراكة حقيقية تتقاطع مصالحها، مثلما حصل عند فتح قطاع المناجم مقابل بعض الأصول، في استخدام النفط وتوزيعه على المستوردين. وهو مضمار لتحقيق شطر كبير من الأرباح. \r\n \r\n \r\n (رئيس سابق للأوبك ووزير سابق للطاقة في الجزائر، ومستشار خاص لبنك سوسييتيه جنرال الفرنسي)، السعر العادل ليس سعر برميل النفط وحده، لوموند الفرنسية