\r\n ومن المعروف أن هناك دولاً تبذل ما في وسعها لوضع قدراتها العسكرية تحت غطاء محكم من السرية، وأن هناك دولا أخرى تبذل قصارى جهدها لاستجلاء حقيقة تلك القدرات، وأن البيانات الخاصة بشراء الأسلحة وقيمتها الحقيقية تمثل عنصرا جوهريا في تقييم تلك القدرات. بيد أن المشكلة في هذا الصدد تتمثل في أنه من الصعوبة بمكان الوصول إلى استنتاجات دقيقة بشأن كميات الأسلحة والمعدات الموجودة لدى الدول المختلفة. والبحث الذي قام به \"جهاز أبحاث الكونجرس\"، توصل إلى استنتاج مؤداه أن المملكة العربية السعودية تتصدر قائمة الدول المستوردة للأسلحة، حيث بلغت قيمة الأسلحة التي استوردتها خلال فترة الثماني سنوات التي يغطيها البحث إلى 54.7 مليار دولار، وتليها في الترتيب الصين التي استوردت أسلحة بقيمة 13 مليار دولار. واللافت للنظر أن الهند وباكستان قد وردتا ضمن قائمة الدول العشر الأولى في استيراد الأسلحة حيث استوردت كل منهما أسلحة بقيمة 8.2 مليار وذلك خلال الفترة من 1997 إلى 2004. \r\n \r\n والسؤال هنا هو: ماذا تقول لنا تلك البيانات فيما يتعلق بتحديد الاتجاهات السائدة في مجال القوة العسكرية واقتصادات الدفاع؟ أولا، تقول لنا إن الولاياتالمتحدة الأميركية لازالت تحتفظ بمركزها كأكبر مورد للسلاح إلى الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، حيث تهيمن على بازار الأسلحة الدولية من خلال قيامها بتصدير ما نسبته 53.4 في المئة من إجمالي صادرات الأسلحة العالمية خلال عام 2004 وحده. وتبلغ القيمة المالية لهذه الصادرات 18.6 مليار، وهو ما يجعلها تتفوق بمراحل على الدولة التالية لها في الترتيب وهي روسيا، التي صدرت أسلحة بقيمة 4.6 مليار دولار فقط خلال هذا العام. وفي الحقيقة أن ذلك الرقم يمثل قفزة كبيرة في قيمة مبيعات الأسلحة الأميركية، التي كانت قد هبطت إلى حدود دنيا لم يسبق لها مثيل عام 2001 عندما لم تتجاوز 10.6 مليار، وذلك قبل أن ترتفع ارتفاعا طفيفا مرة أخرى عام 2003. \r\n \r\n وبشكل من الأشكال كان هذا يعكس الاتجاهات السائدة عالميا، حيث كانت صادرات الأسلحة العالمية قد انخفضت هي الأخرى من 51.5 مليار دولار عام 1997 إلى ما دون 30.2 مليار دولار عام 2002، وذلك قبل أن ترتفع إلى 34.7 مليار دولار العام الماضي. \r\n \r\n ويذكر في هذا السياق أن نسبة مساهمة روسيا في صادرات الأسلحة العالمية قد ارتفعت من 6 في المئة في نهاية تسعينيات القرن الماضي، إلى ضعف هذه النسبة تقريبا في السنوات الأخيرة، وهو ما يشير إلى أن روسيا قد استعادت بشكل ملحوظ قدرتها على تصدير الأسلحة، على رغم حقيقة أن هذه الصادرات كانت تقتصر على أنواع قليلة من الأسلحة، وأن الجزء الأكبر منها كان يتوجه إلى الصين (خلال العقد الماضي برمته)، ثم الهند (خلال السنوات الثلاث المنصرمة). \r\n \r\n ثانيا، تقول لنا هذه البيانات أيضا إن هناك توجها نحو إجراء المزيد من عمليات الاندماج والتكامل بين صناعات الأسلحة على مستوى العالم وخصوصا الأميركية والأوروبية. بيد أننا إذا ما أخذنا في حسباننا قوة الصناعات العسكرية الأميركية، فإننا سندرك أن أوروبا لن تكون قادرة على الدخول إلى سوق الأسلحة الأميركية خصوصا وأن إنتاج أوروبا من الأسلحة، الآخذ في التناقص من الناحية الكمية، والذي أصبح يتم بتكلفة أكبر بكثير بالنسبة للوحدة الواحدة مقارنة بنظيره الأميركي، سوف يفقد الكثير من المزايا التنافسية مع نظيره الأميركي. \r\n \r\n وقد انعكس ذلك على نصيب الدول الأوروبية الكبرى (بما في ذلك فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة) في سوق صادرات الأسلحة العالمية والذي انخفض من 37 في المئة عام 1997 إلى 21 في المئة فقط العام الماضي حيث لم تزد صادرات أوروبا من الأسلحة فيه على 7.3 مليار دولار مقارنة ب19.1 مليار عام 1997. ولعل هذا يعتبر سببا من ضمن الأسباب الذي جعلت أوروبا تحاول رفع الحظر المفروض على تصدير الأسلحة للصين منذ أحداث ميدان \"تيان آن مين\" وهي المحاولة التي اعترضت عليها أميركا خوفا من زيادة احتمالات المنافسة الأوروبية لها في سوق تصدير السلاح. بيد أن ذلك كله يجب ألا يفهم على أنه دليل أو مؤشر على أن الصناعات العسكرية الأوروبية قد أصبحت قريبة من الانهيار، ولكنه بالتأكيد مؤشر واضح على أن الاكتفاء الذاتي في مجال تصنيع الأسلحة والذي دأبت فرنسا على الدعوة إليه لعقود من الزمان قد غدا أمرا تتزايد صعوبته باستمرار. \r\n \r\n من جهة أخرى نجد أن الدولة التي كانت قوة عظمى فيما مضى وهي روسيا، تتحرك الآن نحو إعادة تأسيس نفسها كقوة مصدرة تتمتع بمزايا تنافسية في سوق تصدير الأسلحة، على الرغم من أن الجزء الأكبر من صادراتها يتجه إلى كل من الصين والهند في الأساس. \r\n \r\n ويشار هنا إلى أن الصين تكتسب في الوقت الحالي نفوذا متزايدا في حقل الصناعات العسكرية الروسية، لأنها توفر سوقا واسعة لمبيعات تلك الأسلحة من جهة، ولأنها تقوم بتمويل أبحاث تطوير الأسلحة المتطورة في روسيا من جهة ثانية. أما الهند فهي لازالت تمثل ثاني أكبر مستوردي الأسلحة من روسيا. \r\n \r\n والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان في هذا السياق هو: إلى متى يستمر هذا الوضع؟ \r\n \r\n بعد فجوة زمنية استمرت لفترة عقد تقريبا (كانت فيها واردات الهند من الأسلحة الروسية أقل من واردات باكستان ولا تزيد على ربع الأسلحة التي كانت مصر تقوم باستيرادها) بدأت الهند من جديد في زيادة مشترياتها من الأسلحة لتحديث قواتها، حيث وصلت تلك المشتريات إلى رقم يقترب من بليوني دولار سنويا الآن، وهو رقم يتوقع له أن يرتفع خلال السنوات القادمة، خصوصا عندما تكتسب خطط الهند التحديثية المزيد من الزخم. \r\n \r\n وعلى الرغم من أن الهند تستورد 80 في المئة تقريبا من احتياجاتها من الأسلحة من روسيا، إلا أن الأمر المؤكد هو أنها ستلجأ إلى البحث عن مصادر أخرى بديلة، خصوصا وأن تكلفة الأسلحة الروسية لم تعد تمثل الآن ميزة كبيرة كما كان عليه الحال خلال الحقبة السوفيتية. \r\n \r\n وواشنطن تعرف ذلك، وهو ما دفعها إلى القيام بفتح أبواب صناعاتها العسكرية للتجارة مع الهند، وذلك من خلال الوعد الذي قطعته على نفسها بإزالة الكثير من القيود التي كانت مفروضة على تصدير الأسلحة إلى الهند بسبب سياساتها النووية. \r\n \r\n والعقبات التي تعترض طريق العلاقات بين البلدين في هذا المجال ستتم إزالتها بعد الاتفاقيات التي تم التوصل إليها خلال القمة التي عقدت بين البلدين في يوليو الماضي، والتي جاءت استكمالا للخطوات التي كان قد تم اتخاذها في إطار الشراكة الاستراتيجية بين واشنطن ونيودلهي.