التاريخ الذي حدد لذلك الاستفتاء هو 15 اكتوبر وهو موعد نهائي جديد يواجه البلاد‚ وهذا يعني إما أن العراق سيخطو خطوة إلى الأمام على طريق الديمقراطية أو توفير الشرارة لإغراق البلاد في حرب أهلية‚ \r\n \r\n الخيار ليس مريحا على الاطلاق فهناك فئات عراقية كثيرة لا تخفي عدم ارتياحها تجاه هذه المسودة‚ \r\n \r\n البعض يقول ان اقرارها سيساعد في منع تفكك العراق والبعض الآخر يقول ان رفضها سيكون افضل لانه يعطي فرصة لكتابة مسودة جديدة تكون مناسبة لقطاعات اكبر واعرض في المجتمع العراقي‚ \r\n \r\n هناك طريق ثالث سيكون بالتأكيد هو الافضل وهو ان تستمر الجماعات العراقية المختلفة على العمل حتى وقت قصير من اجراء الاستفتاء من اجل التوصل إلى حلول وسط تكون مقبولة لجميع الاطراف وهذا ليس بالشيء المستحيل‚ \r\n \r\n الولاياتالمتحدة ارتكبت الكثير من الاخطاء في العراق وتسببت تلك الاخطاء في تفاقم الوضع من السيء إلى الاسوأ‚ ولكن فيما يتعلق بالدستور فإن العراق الذي يستحق الجانب الاكبر من اللوم هو الفئات التي تشددت في مطالبها المذهبية والعرقية على حساب المصلحة العامة للبلاد ككل‚ \r\n \r\n الضربة الكبرى التي وجهت للخطة الأميركية هي ذلك الهوس المفاجىء الذي سيطر على الشيعة باقامة وطن خاص بهم في الجنوب بشكل دولة ولكن دون اشهار الاسم‚ \r\n \r\n وقد يكون التحرك الشيعي له اسبابه العاطفية بعد تلك السنوات من القهر تحت حكم صدام حسين وما صاحبها من مذابح‚ انهم يريدون اقامة دولة تجسد عقيدتهم الشيعية وهو ما يحصل فعليا على ارض الواقع في الجنوب بغض النظر عما يقوله الدستور‚ \r\n \r\n الذي يصدم المرء هو توجه الشيعة للعمل على تقويض سلطة بغداد‚ وهناك الكثير من التحدي والتعصب والتصميم في المطالب الشيعية‚ ويعود السبب في ذلك إلى أنهم يشكلون غالبية السكان وبالتالي فهم يتصرفون كمن يملك الأرض ومن عليها وهذا يعني السيطرة على الحكومة المركزية‚ \r\n \r\n لعقود اعتاد العراقيون رؤية بغداد تقبض على مقاليد الحكم بقوة مفضلة نفسها مع السنة على الاقاليم الاخرى تاركة الآخرين يعيشون في ظلام دامس في الوقت الذي عملت على انارة شوارعها هذا يثير حنق الشيعة ويدفعهم بالتالي للعمل على تخفيف قبضة بغداد على الاقاليم فهم الآن يشددون على ان تتضمن مسودة الدستور تقوية سلطة الاقاليم على حساب بغداد‚ وهذا يلائم الاكراد في ‚ الشمال ولكن بالتأكيد لا يناسب السنة وهم يتخوفون من ان يتركوا على الهامش دون نفط أو سلطة أو استقلال ذاتي‚ \r\n \r\n السيناريو الاسوأ هو ان يمضي الشيعة والاكراد في دستورهم دون تقديم تنازلات على الرغم من المعارضة السنية ولو حصل هذا فسيعطي المقاومة المزيد من الزخم إلى ما شاء الله‚ \r\n \r\n افضل تحرك يمكن ان يقوم به السنة هو العمل على تنظيم انفسهم واقناع الناخبين بالعمل على الحاق الهزيمة بمسودة الدستور من خلال التصويت وهذا يعني ان تجرى انتخابات جديدة مع نهاية هذا العام لاختيار جمعية وطنية جديدة لكتابة دستور جديد‚ \r\n \r\n وهذا يعني في النهاية بدء العملية من جديد ولكن ذلك سيفيد العملية الديمقراطية في المقام الأول‚ \r\n \r\n ان اكمال وضع مسودة الدستور كان من المفترض ان يكون مناسبة للاحتفال والابتهاج ولكن من الواضح انه ليس كذلك فهناك الكثير من الانتقادات التي وجهت إلى المسودة خاصة فيما يتعلق بالفيدرالية ودور الإسلام في التشريع والحكم‚ \r\n \r\n المفاوضات في اللحظة الأخيرة بين الاطراف العراقية المختلفة جرت تحت ضغوط أميركية كبيرة لكنها فشلت في التوصل إلى اتفاق يرضي السياسيين السنة‚ ويبدو أن مسودة الدستور ستطرح على الشعب رغم المعارضة السنيةالقوية‚ وهناك تناقض يلوح في الافق وهو حتى في حالة اقرار المسودة والتصديق عليها فإن هناك احتمالا في انها ستفشل في دفع العراق على طريق الحكم الدستوري‚ \r\n \r\n اعتراض السنة الرئيسي يتمحور على رفض الفيدرالية وتفضيل الحكم المركزي‚ داخل مصطلح الفيدرالية إلى العراق لاول مرة كطريقة مقبولة لاعطاء الاقاليم الكردية الحكم الذاتي في الشمال في الوقت الذي تتم فيه المحافظة على الوحدة القانونية للدولة العراقية‚ \r\n \r\n خلال الاسابيع القليلة الماضية كانت مفاوضات الفيدرالية تهدف إلى خلق توازن بين الحكومة الاقليمية الكردية والسلطات الفيدرالية في بغداد اضافة إلى قضية تقاسم العائدات النفطية‚ وقد تم التوصل إلى معادلة يتم بمقتضاها تقاسم العائدات النفطية حيث سيمارس «المركز» سيطرة ادارية على العائدات بالتعاون مع السلطات الاقليمية والمحلية‚ \r\n \r\n وفي الوقت الذي كانت تصل المحادثات حول مسودة الدستور إلى نهايتها بسبب الضغوط الأميركية الشديدة من أجل الالتزام بتاريخ 15 أغسطس‚ تفجرت قضية الفيدرالية ودفعت الاطراف العراقية للدخول في مشاحنات ومخاصمات واتهامات‚ \r\n \r\n عبد العزيز الحكيم زعيم «المجلس الاعلى للثورة الإسلامية في العراق»‚ وهو أحد اكبر حزبين شيعيين أصر فجأة على اقامة منطقة حكم ذاتي شيعية تضم الاقاليم الشيعية في الجنوب واعطائها كافة الامتيازات التي حصل عليها الاكراد في الشمال‚ ويبدو ان طلب الحكيم لم يكن سوى تكتيك تفاوضي قصد منه تمكين الاقاليم الشيعية التسعة في الجنوب الحصول على اكبر مزايا ممكنة عند تقسيم عوائد النفط‚ \r\n \r\n واثار المطلب الشيعي التكتيكي مخاوف السنة الذين يتواجدون في وسط العراق من ان يؤدي الأخذ به إلى تفكيك البلاد وتركهم محاصرين حيث لا يوجد لهم منفذ بحري أو عائدات نفطية هذه المخاوف ليست لدى السنة فقط بل لدى الشيعة المجاورين لهم ايضا خاصة جماعة مقتدى الصدر الذين يتركزون في بغداد وبالتالي ليس من المستغرب ان يعارض السنة فكرة الجنوب الشيعي المستقل ذاتيا‚ \r\n \r\n السنة حساسون جدا لانهم يعتقدون ان الغزو الأميركي للعراق قصد منه بالمقام الاول تفكيك العراق وتقسيمه بين الشيعة والاكراد‚ ومما زاد الاوضاع سوءا بالنسبة للسنة تلك البنود التي تحظر على الاعضاء السابقين في حزب البعث تبوؤ اي مناصب عليا في الحكومة وهذا يعني استبعاد الكثير من القيادات السنية من مناصب النفوذ في المستقبل‚ \r\n \r\n كان وضع السنة في المفاوضات صعبا ولا يحسدون عليه وكانت تنقص الافراد السنة في لجنة اعداد مسودة الدستور الخبرة التفاوضية التي كانت لدى الاكراد والشيعة‚ ومما زاد في ضعف ممثلي السنة قيام مجهولين بقتل عدد من ممثليهم في لجنة اعداد الدستور الذين كانوا من الكفاءات المتميزة القليلة‚ \r\n \r\n حاول الرئيس بوش التدخل واتصل بعبد العزيز الحكيم من اجل اقناعه بتقديم بعض التنازلات للسنة ولكن الحكيم رفض وعندما اختار الشيعة والاكراد ارسال مسودة الدستور للجمعية الوطنية دون التوصل إلى اتفاق مع السنة اغضب ذلك السنة كثيرا ولم يكن امامهم اي خيار سوى استنكار تصرف الشيعة والاكراد والتسمك بموقف المعارض للمسودة التي قدمت‚ \r\n \r\n ما تم كان اقرب للمسرحية الهزلية في البداية يتم تعيين عدد من السنة في لجنة اعداد مسودة الدستور رغم موقفهم المعروف تجاه انتخابات يناير ومقاطعتهم لها ثم مورست الضغوط عليهم للتوصل إلى صفقة ولكن عندما يظهر ان وجهات نظرهم لا تتفق مع وجهات نظر الآخرين يتم تجاهلهم مع رسالة تقول انكم ما دمتم تشكلون اقلية فلا قيمة لمعارضتكم‚ \r\n \r\n وبالرغم من ان الاشياء تبدو سيئة اليوم الا ان اللعبة لم تنته بالكامل فإذا رفضت مسودة الدستور في 15 اكتوبر فإنه سيتوجب على الجميع العودة مرة خرى للمفاوضات والمحاولة مرة اخرى والنتيجة الأسوأ ستكون اقرار مسودة الدستور رغم المعارضة السنية القوية‚ \r\n \r\n وفي الوقت الذي يبدو ان الزمن اصبح متأخرا فإن بامكان الشيعة والاكراد التواصل مع الناخبين السنة ومحاولة اقناعهم بأن امورهم واحوالهم ستكون افضل في ظل الدستور الجديد‚ ان هذا يتطلب تقديم عدد من الامتيازات العلنية مثل عدم تشكيل الاقليم الشيعي في الجنوب الذي لو تم لأدى إلى ترك السنة محاصرين بين الشيعة في الجنوب والاكراد في الشمال‚ \r\n \r\n ان الخاسرين في هذا الصراع فئتان رئيسيتان هما المواطنون العراقيون العاديون والجنود الأميركيون‚ \r\n