وعلى الرغم من كثافة التغطية التي حظي بها ارتفاع موجة الكراهية والعداء للولايات المتحدة الأميركية على النطاق العالمي – لا سيما في العالمين العربي الإسلامي- منذ عام 2001, إلا أن هذه التغطيات أغفلت حقيقة مهمة توصل إليها استطلاع للرأي صدرت نتائجه في شهر يونيو الماضي, تفيد عن اتجاهات إيجابية للرأي العالمي من الموقف إزاء الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n يذكر أن استطلاع الرأي الأخير المقصود, أجراه \"مشروع بيو لقياسات اتجاهات الرأي والسلوك العالمي\" وهي مؤسسة يصعب وصفها بأنها ذراع من أذرع ومؤسسات المحافظين الجدد. يجدر بالذكر أن وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت, تعمل رئيسة مشاركة فيها. هذا وكانت \"مؤسسة بيو\" قد أجرت خلال السنوات الثلاث الماضية, استطلاعات لاتجاهات الرأي العالمي, كانت نتيجتها تصاعد موجة العداء للولايات المتحدة الأميركية, على خلفية غزوها الأخير للعراق, وغيره من التصرفات الصادرة عن إدارة بوش الحالية, مما لم يرق للرأي العام العالمي. بيد أن آخر استطلاع للرأي أجرته المؤسسة نفسها في شهر مايو الماضي, شمل عينة ضمت نحو 17 ألفاً تمثل 17 دولة في مختلف أنحاء العالم, أشار إلى تراجع موجة العداء لأميركا. ولعل من المفيد أن نورد بعض التفاصيل عن تغير اتجاهات الرأي هذه, إذ خرجت نتائج استطلاع الرأي الأخير, بملاحظة تنامي عدد المؤيدين لأميركا في إندونيسيا ب 23 نقطة موجبة, وفي لبنان ارتفعت هذه النسبة إلى 15 نقطة, وإلى نقطتين في باكستان, ثم إلى 16 نقطة موجبة في الأردن. كما ارتفعت النسب في دول أخرى غير عربية ولا إسلامية مثل روسيا والهند وفرنسا وألمانيا. \r\n \r\n ولكن ما الذي يفسر هذا التحول في اتجاهات السلوك والرأي العام العالمي إزاء أميركا؟ الإجابة ليست واحدة ولا متماثلة, نظراً لاختلاف الأسباب وتباينها من بلد إلى آخر. لكن وعلى رغم هذا التباين, يشير المحللون إلى انحسار موجة الغضب العام من الولاياتالمتحدة, بسبب غزوها للعراق. كما يشير المحللون أيضاً إلى تنامي الشعور بالعرفان إزاء واشنطن, بسبب المساعدات الإنسانية الكبيرة التي قدمتها لضحايا كارثة \"تسونامي\" التي ضربت سواحل المحيط الهندي الآسيوية. إلى ذلك أيضاً يقول المحللون إن هناك ارتفاعاً ملحوظاً في قناعة الرأي العام العالمي, بمدى جدية أميركا في نشر الديمقراطية وقيمها ومبادئها. وفي مقابل هذا الارتفاع, هناك انحسار ملحوظ في تأييد ودعم أعداء الولاياتالمتحدة الأميركية حتى في العالم الإسلامي نفسه. فقد سجلت نتائج استطلاع الرأي الأخير ملاحظات مذهلة عن تحول سلوك العرب والمسلمين, إزاء التطرف الديني والعمليات الانتحارية التي تنفذ باسم الإسلام. \r\n \r\n ففي المغرب مثلاً, لاحظت \"مؤسسة بيو\" أن ثلاثة أرباع المغاربة تقريباً, يرون أن التطرف الإسلامي والعنف السياسي المرتبط به, يمثلان تهديداً خطيراً لبلادهم نفسها. ولا تقتصر هذه الملاحظة على المغرب وحده, بل لاحظت \"مؤسسة بيو\" عبر استطلاعها المذكور, أن نصف الباكستانيين تقريباً, وكذلك النسبة نفسها في تركيا وإندونيسيا, تشاطر المغاربة الرأي ذاته, وترى في التطرف والعنف السياسي خطران يهددان أمن مجتمعاتها ومستقبلها. وفي كل الدول الإسلامية التي شملها استطلاع الرأي, لوحظ انحسار كبير في التأييد الشعبي للعمليات الانتحارية -ماعدا الأردن- بسبب كثافتها السكانية العالية من المجموعات الفلسطينية المناوئة لإسرائيل. أما في لبنان, فقد انخفض بنسبة كبيرة عدد اللبنانيين الذين يعتقدون بجواز \"تبرير العنف الممارس ضد المدنيين أحياناً\", إذ بلغ هذا الانخفاض 34 نقطة. وفي إندونيسيا بلغ الانخفاض 12 نقطة منذ عام 2002. يشار إلى أن باكستان والمغرب شهدتا انخفاضاً مماثلاً في تأييد العنف السياسي والديني, بلغ 16 نقطة في الأولى و27 نقطة في الثانية. وقد ترافق هذا الانخفاض في تأييد العنف والعمليات الانتحارية بتراجع عام عالمي, في تأييد أسامة بن لادن -يكاد يعم العالم بأسره, باستثناء الأردن وباكستان للأسف-. وفي هذا الصدد فقد توصلت نتائج استطلاع \"مؤسسة بيو\" إلى تراجع نسبة المؤيدين لأسامة بن لادن منذ عام 2003, إلى 23 نقطة تأييد في إندونيسيا و23 نقطة أيضاً في المغرب, و8 نقاط في تركيا, و12 نقطة في لبنان! \r\n \r\n فما الذي يفسر هذا التراجع العام في تأييد العنف والإرهاب؟ لعل العامل الأكثر أهمية ووضوحاً, هو أن معظم الفظائع والعمليات التي نفذها الإرهابيون منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر, جرت في المجتمعات الإسلامية نفسها. وكانت آخرها الهجمات التي شهدها منتجع شرم الشيخ المصري, والتفجيرات والعمليات الانتحارية التي تحصد عشرات العراقيين يومياً, مع العلم بأن معظم ضحايا هذه الهجمات من المسلمين. وعليه فليس ثمة غرابة, أن تثير هذه الفظائع غضب المسلمين, الذين هم إخوة للمجاهدين في العقيدة والدين. \r\n \r\n ليس ذلك فحسب, بل أظهرت نتائج الاستطلاع نفسها, مناهضة الرأي العام الإسلامي للجهاديين, في قولهم إن دعوة أميركا إلى نشر الديمقراطية ونقل السلطة إلى عامة الشعب بدلاً من حصرها على رجال الدين, ينافي مبادئ الإسلام ومفاهيمه عن الحكم. فقد بلغت قناعة الذين شملهم استطلاع الرأي نسبة 83 في المئة في المغرب ولبنان, و80 في المئة في الأردن, و77 في المئة في إندونيسيا و48 في المئة في تركيا و43 في المئة في باكستان, ممن يؤمنون بأن الديمقراطية ليست ظاهرة غربية, وأنه في الإمكان تطبيقها في بلدانهم أيضاً. ولا يعني هذا أن العالم قد وقع في غرام أميركا مجدداً, ولكنه يشير إلى إحراز قدر من التقدم في كسب معركة العقول والقلوب. \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n