والملصقات التي تحمل صور المرشحين للانتخابات السياسية, التي اجريت في شهر حزيران الماضي, الاولى بعد الانسحاب السوري من لبنان, قد اصبحت الكالحة الان, بفعل اشعة شمس صيف بيروتي, يعمل على اثارة المزيد من القلق على الدوام, ويدل على عدم الاستقرار من النواحي السياسية والاقتصادية والنفسية. وكيف له ان يكون على العكس من ذلك, ان كانت عملية اغتيال رفيق الحريري قد تبعتها جملة من جرائم القتل, التي لم يكن باستطاعة اي كان التخمين بشأن السبب الكامن خلفها, والتي ذهب ضحيتها الصحفي الشهير سمير القصير, وسكرتير الحزب الشيوعي السابق جورج حاوي, بالاضافة الى انه كان قد نجا باعجوبة من محاولة اغتيال بواسطة سيارة مفخخة وزير الدفاع الياس المر, المقرب من دمشق, وزوج ابنة رئيس الجمهورية اميل لحود?. \r\n \r\n وفما لو كان الاثنان الاولان لا يتمتعان باية سلطة حقيقية, فان الياس المر, الذي كان قد شغل حقيبة الداخلية في الفترة الواقعة ما بين عامي 2000-,2004 وتبوأ مؤخرا منصب وزير الدفاع, هو في حقيقة الامر واحد من بين الشخصيات الاكثر نفوذا في البلاد, سليل عائلة ارثوذكسية - يونانية معروفة, حيث كانت ناطحة السحاب العائدة لها مركزا لمعارك الفنادق الكبرى, في بداية الحرب الاهلية التي نشبت باعوام السبعينات. ثم تحولت لمجرد هيكل بناء, يعلوه السواد, مثيرا للازعاج, وما زالت لغاية الان تشرف على المركز الذي اعيد تشييده في العاصمة اللبنانية. وكان ميشيل المر, والد الياس, من الشخصيات السياسية, ورجل اعمال, ومعروف بشكل خاص لكونه قد عبر باعوام الثمانينات بقسم من القوى اليمينية اللبنانية الى المعسكر السوري, بحيث حظي هو وعائلته في مقابل ذلك, وخلال الخمس عشرة سنة الاخيرة اما بحقيبة الداخلية, او الدفاع. \r\n \r\n ان القوى الهادفة الى احداث حالة من عدم الاستقرار في بلاد الارز, كانت من خلال محاولة اغتيال المر قد قررت رفع مستوى »التسديد«, بحيث اصبح كافة الزعماء الرئيسيين للطوائف المختلفة يخشون على حياتهم. \r\n \r\n فلم يعد رئيس الجمهورية المسيحي - الماروني, اميل لحود, ليترك الا ما ندر, مقره في القصر الرئاسي في بعبدا, المقام على التلال المطلة على مطار بيروت. كما يعيش الزعيم الدرزي وليد جنبلاط متمترسا داخل قلعة المختارة, محميا من قبل ابناء طائفته الذين يدينون له بالولاء. في حين نرى ان الجنرال الماروني ميشيل عون, وبعض الزعامات الشيعية من حزب الله, وحركة امل, قد اخذوا يتحركون وسط اجراءات امنية استثنائية. \r\n \r\n وكان هذا الجو من الريبة والخوف قد اصاب بالعدوى بيروت باكملها, مما اصاب السياحية بازمة خطيرة, خاصة بالنسبة للخليجيين, بتراجع بلغت نسبته 10% في شهر حزيران. ضربة قوية جديدة توجه لاقتصاد يعيش على تحويلات المغتربين, ويلهث اصلا تحت وطأة المديونية الخارجية, التي تزيد على 36 مليار دولار. كما ساهمت في تفاقم الاوضاع عملية الهروب الجماعي للعمال السوريين, الذين شكلوا القوة العاملة, التي كانت تعود بالفائدة على القطاعين الانشائي والزراعي. واضطرت لفعل ذلك بعد ظهور بعض الحركات المعادية للاجانب في شهر شباط, مما تسبب بقتل ما يزيد على 30 شخصا. وما تبع ذلك من ردة فعل سورية, حيث عمدت دمشق بصفة مؤقتة الى الغاء التسهيلات الحدودية, التي كان قد اتفق بشأنها فيما يخص البضائع وشاحنات Tir اللبنانية المتجهة الى العربية السعودية. وتركيا, والعراق. \r\n \r\n وقد اصبح التوتر على اشده. وجاء ضمن مثل هذا الجو, التدخل السافر من قبل مستشار الامن القومي الامريكي فريديريك سي. جون الثاني, الذي اتهم سوريا بالسعي الى خنق لبنان »سياسيا« واقتصاديا. وهي المسألة التي رفضها رئيس تحرير صحيفة السفير التقدمية اللبنانية, الصحفي طلال سلمان, الذي تبعا لما يقول, فان القضايا العالقة ما بين سوريا ولبنان, والصعوبات التي رافقت عملية تشكيل الوزارة الجديدة في لبنان, انما مردها جمعيا الى واشنطن. \r\n \r\n وكان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة, الاقتصادي المعروف, المدرس في الجامعة الامريكيةببيروت, الذي كان بمثابة الساعد الايمن لرفيق الحريري, ووزير المالية في وزارته, هو الذي عانى اكثر من غيره نتيجة محاولة التوفيق ما بين الضغوط الامريكية, التي كانت تشترط تشكيل حكومة تعمل على تحقيق القطيعة مع دمشق, ومن غير وجود بداخلها لاي وزير من حزب الله من جهة, والحقيقة التاريخية, والجغرافية, والسياسية اللبنانية. حقيقة جاء انعكاسها من خلال نتائج انتخابات حزيران, التي من الممكن الاقرار بأنها قد سجلت هيمنة التحالف المتعدد الالوان الذي التف من حول القائمة السنية بزعامة سعد الحريري, الى جانب وليد جنبلاط, وقسم من الذين يدورون بالفلك المسيحي الماروني. ولكن ذلك كان مرافقا للنجاح الذي حققته كذلك القائمة الشيعية لحزب الله وحركة امل. بالاضافة الى القائمة التي تدين بالولاء للجنرال الماروني, الوطني, ميشيل عون. \r\n \r\n وبالامكان القول بعبارة اخرى ان حكومة تعمل بموجب الاجندة الامريكية, من شأنها ان لا تحصل على ما يكفي من الاصوات في البرلمان, ولا في البلاد على وجه الخصوص, وعليه, فكانت قد جاءت من هنا صعوبة التوصل الى تشكيل حكومة تكون مقبولة لدى واشنطن في قسم منها على اقل تقدير, ولكن مع ضمان مشاركة حزب الله بالوقت نفسه. هذا, فقد تشكلت الحكومة بوجود وزير واحد من حزب الله, وهي المرة الاولى التي تحدث في التاريخ بالنسبة للبنان. وقد غابت عن التشكيلة كتلة ميشيل عون نتيجة رفضه المشاركة لاعتبارات تتعلق بالتوازنات الطائفية. \r\n \r\n وكان من شأن عدم موافقة الرئيس لحود على تلك التشكيلة الحكومية, اللجوء الى اجراء المزيد من المشاورات, مما يترتب عليه تصعيد المعاناة بالنسبة للمركب اللبناني, الهش, المترنح من دون ربان, والذي زادت معاناته وسط عدم الاستقرار الاقليمي الذي شرع به من خلال العمل على تجزئة العراق. \r\n