في ذلك البيان عرى الدبلوماسيون والجنرالات السابقون السياسة الأميركية وأدانوا بشدة إدارة الرئيس بوش التي تخضع لفكر متطرف وتخطيط جهنمي من قبل من اصطلح على تسميتهم بالمحافظين الجدد. وإلى جانب أن من وقعوا البيان في حينه كانوا من صفوة الأميركيين الذين يمثلون نبض الشارع الأميركي المتطلع إلى التغيير، فقد كان جُلهم من الحزب الجمهوري الذي يتزعمه الرئيس نفسه. \r\n آنذاك تصادف إطلاق البيان الذي حمل عنوان \"دبلوماسيون وعسكريون من أجل التغيير\" مع نشر تقرير لجنة التحقيقات الأميركية الخاصة بأحداث 11 أيلول 2001، الذي تم الكشف فيه عن أكاذيب وأضاليل الإدارة الأميركية الخاصة بدعوى وجود علاقة بين الرئيس العراقي الأسير صدام حسين وتنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن!! وقد مثل البيان الذي صدر على خلفية فضيحة \"أبو غريب\" صفعة قوية للرئيس الأميركي الذي شن حربه على العراق بالغش والتدليس وتجاوز القانون الدولي والمواثيق والمعاهدات التي تحكم العلاقات بين الدول والضرب بعرض الحائط مبادىء العدالة وحقوق الإنسان. \r\n \r\n صرخة ضمير دون طائل!! \r\n \r\n شكل البيان وقتذاك صرخة ضمير من طليعة صفوةٍ أميركية لم تلق آذاناً صاغية من قبل الرئيس جورج بوش، أو ربما حجبها عنه المحافظون الجدد، بدليل أنه أصر على مواصلة العدوان واحتلال العراق برغم سقوط جميع الذرائع والمبررات والحجج الواهية التي أطلقها تهيئة لذلك. وفيما بعد تواصلت البيانات والصرخات التي تقاطعت فيها الأقلام والأصوات الأميركية مع مثيلاتها الدولية دون طائل، مما أكد بالقطع أن بوش عندما أرسل قواته العسكرية للعراق إنما فعل ذلك في سياق مشروع استعماري أميركي طويل الأجل يتجاوز العراق ليطال الوطن العربي بأكمله. \r\n لكن ومن منطلق إدراكها لحقيقة مأزق الرئيس وغرق المشروع الأميركي في أوحال المستنقع العراقي وما سيترتب على ذلك من مخاطر إقليمية ودولية، تعمدت المنظمة الحقوقية الأميركية \"هيومن رايتس وتش\" إستباق حفل تنصيب الرئيس في ولايته الثانية الذي جرى قبل ستة عشر يوماً من الآن لتطلق صرخة جديدة بهدف إذكاء شعلة الصحوة المتنامية داخل الولاياتالمتحدة التي تطالب بالتغيير ودعوة الإدارة الأميركية لإعادة النظر في سياساتها الخارجية الجانحة نحو تصعيد الحروب في العالم. واستندت المنظمة الحقوقية في ذلك على الحقيقة التي توصلت إليها ومفادها \"أن من الصعب على هذه الإدارة أن تُعلي من شأن مبادىء العدالة وحقوق الإنسان في العالم في حين تنتهك هي نفسها هذه المبادىء في أكثر من دولة بما فيها الولاياتالمتحدة التي تتولى مقاليد الحكم فيها\". كما وحملتها تبعة تمثل بعض الحكومات بها واقتفاء أثر النهج الأميركي في تجاهل حقوق الإنسان التي يكفلها القانون الدولي. \r\n \r\n تقرير \"هيومن رايتس\" السنوي يمسح الأوضاع في 60 دولة \r\n \r\n صرخة منظمة \"هيومن رايتس وتش\" الجديدة تم التعبير عنها في تقرير المنظمة السنوي لعام 2004 الذي صدر في الثالث عشر من الشهر الماضي. فهذا التقرير الذي قدم مسحاً لأوضاع حقوق الإنسان في أكثر من 60 دولة، طالب الحكومة الأميركية بمحاكمة المسؤولين عن الإنتهاكات في سجن \"أبو غريب\" العراقي، وإجراء تحقيقات ومحاكمات وافية وعادلة تشمل جميع المتورطين بعمليات التعذيب وسوء المعاملة في العراق وأفغانستان وقاعدة غوانتانامو العسكرية الأميركية في كوبا، بمن فيهم الذين أصدروا الأوامر في المواقع السياسية والعسكرية العليا. \r\n اتهم التقرير بشكل مباشر الإدارة الأميركية باللجوء بشكل منهجي إلى استخدام أساليب استجواب إنطوت على الإكراه وأدت إلى إضعاف أعمدة القانون الدولي لحقوق الإنسان \"باعتبار أنه يُحذر على الحكومات تعريض المعتقلين للتعذيب وصنوف المعاملة السيئة والتهديدات الخطيرة\". كما واتهمها \"أنها في غمار الحرب على الإرهاب تعاملت مع الإلتزام الأساسي القاضي باحترام حقوق الإنسان باعتباره أمراً إختيارياً وليس واجباً\". \r\n وفي بيان صحفي، أوضح كينيث روث المدير التنفيذي للمنظمة الحقوقية الأميركية \"هيومن رايتس وتش\" أن قدرة الحكومة الأميركية على الدفع في اتجاه تحقيق العدالة خارج الولاياتالمتحدة تقل تدريجياً، لأنها تتنكر لهذه العدالة وترفض تحقيقها في الداخل بذريعة \"مقتضيات إفرازات 11 أيلول 2001\". واتكأت في ذلك على ما أورده تقرير منظمته حول ما يعانيه العرب والمسلمون في الولاياتالمتحدة من قمع ومضايقات واضطهاد على خلفية أحداث ذلك التاريخ. \r\n \r\n قانون \"باتريوت أكت\" والإضطهاد المستمر للعرب والمسلمين \r\n \r\n وكانت تقارير عديدة صدرت عن منظمات إنسانية وحقوقية أميركية ودولية قد أكدت تعرض عرب ومسلمي الولاياتالمتحدة إلى أشكال متباينة من الإنتهاكات الخاصة بحقوق الإنسان. وقد تم توثيق ذلك في ملفات خاصة نشرتها تلك المنظمات، ومن بينها منظمة مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية \"كير\" التي يعمل نهاد عوض مديراً تنفيذياً لها. \r\n وجاءت تلك الإنتهاكات، استناداً لما أورده التقرير، على خلفية القانون الذي أصدرته الإدارة الأميركية عقب أحداث ايلول 2001 وأطلقت عليه تسمية الفعل الوطني \"باتريوت أكت\"، حيث منح ذلك القانون مكتب التحقيقات الفيدرالي \"أف.بي.آي\" سلطات واسعة شملت تفتيش الممتلكات الخاصة للأشخاص المشتبه فيهم والتنصت على مكالماتهم الهاتفية ورصد تحركاتهم وتوقيفهم على ذمة التحقيق دون توفر أدلة حقيقية على إدانتهم، وهو ما شكل انتهاكاً صارخاً للحريات الشخصية. \r\n وبالإعتماد على المعطيات التي قدمها تقرير \"هيومن رايتس وتش\" فقد كان من شأن تجاهل إدارة الرئيس جورج بوش لمعايير حقوق الإنسان في ردها على أحداث 11 أيلول 2001\" أن جعل من السهل على الحكومات في شتى أرجاء العالم أن تستدل بنموذج الولاياتالمتحدة كذريعة لتجاهل حقوق الإنسان\". ودلل التقرير على ذلك باتكاء بعض الدول على ما هو حاصل بشأن المعتقلين في سجن \"أبو غريب\" وغوانتانامو ومعتقلات أميركية أخرى دون محاكمات لاعتقال مواطنيها وخصومها السياسيين \"مثلما ما هو جار في ماليزيا مع معارضي السلطة وفي روسيا بحق أبناء الشيشان\". \r\n \r\n إنتهاكات بأوامر عُليا \r\n \r\n وكانت الصور التي نشرتها وسائل الاعلام العالمية في نيسان 2004 ويستمر تداولها حتى الآن، قد أثارت إستياءً دولياً ونقمة عارمة ضد سياسة الإدارة الاميركية، حيث أظهرت تلك الصور ألواناً مختلفة من صنوف التعذيب بما فيها إنتهاكات جنسية بحق المعتقلين والمعتقلات في سجن \"أبو غريب\" العراقي. وفي محاولة يائسة وفاشلة للتخفيف من آثار تلك الصور وحدة الإستياء الدولي الذي ولده نشرها، إدعت الإدارة في حينه بأن \"تلك الإنتهاكات من قبل الجنود الأميركيين في العراق مثلت حالات فردية، وأن فرقاً قانونية للتحقيق قد شُكلت لحصر آثارها!!\"، إلا أن اعترافات أولئك الجنود بأنهم كانوا ينفذون أوامر عليا صدرت إليهم أسقطت ذلك الإدعاء. ولعل ما حدث في أواخر الشهر الماضي مع الجندي تشارلز جرانر خير دليل على ذلك. فبعد محاكمته من قبل محكمة عسكرية في تكساس إتسمت بالطابع المسرحي، أعلن جرانر عدم ندمه لأنه كان يطيع أوامر قطاع الإستخبارات العسكرية الأميركية. وكما هو معروف فإن هذا القطاع الذي يعمل بإمرة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد بحكم ارتباطه بالبنتاغون، يُعتبر من أبرز القطاعات الإستخباراتية التابعة لجهاز المخابرات الأميركية المركزية \"سي.آي.إيه\". وقد وجهت جهات قانونية وإنسانية أميركية كثيرة إتهامات مباشرة لرامسفيلد وجهاز المخابرات، بسبب ما قيل عن تورطهما في إصدار الأوامر لتعذيب المعتقلين. \r\n المنظمة الحقوقية الأميركية \"هيومن رايتس وتش\" التي اعتادت أن تصدر مثل هذا التقرير في بداية كل عام جديد، تعرضت هذه المرة كما في المرات السابقة لانتهاكات حقوق الانسان في عدد من الدول العربية والإسلامية من بين الدول الستين التي شملها التقرير. فهي على سبيل المثال لا الحصر انتقدت جمهورية مصر العربية بسبب مُضيها في تمديد قانون الطوارىء المعمول به منذ اغتيال الرئيس السابق أنور السادات في بداية حقبة الثمانينات من القرن الماضي. لكنها بررت لها ذلك \"باعتبار أن الحكومة المصرية تعهدت بعدم استعمال القانون إلا في مواجهة الإرهاب والتصدي لترويج المخدرات والجرائم الكبرى!\". \r\n أما بشأن اسرائيل، فقد تعمد التقرير عدم الإسهاب في شرح ما تقوم به من ممارسات وحشية وبربرية بحق الشعب الفلسطيني، مكتفياً كما في كل عام بمطالبتها بالحد من الإفراط في استعمال القوة في الأراضي الفلسطينية المحتلة! علماً بأن الإجرام الذي تمارسه قوات الإحتلال الاسرائيلي بتعليمات وأوامر من رئيس الحكومة الاسرائيلية آرئيل شارون يندى له جبين الانسانية. وقد قدم التقرير صورة مضخمة لما يجري في إقليم دارفور السوداني. وطالب ما أسماه بالدول الكبرى التدخل هناك لوضع نهاية ل \"الصراع الأهلي\". \r\n \r\n تراجع النظام العالمي لحقوق الإنسان بسبب الغرق في المستنقع العراقي \r\n \" \r\n هيومن رايتس وتش\" اعترفت بأن النظام العالمي لحماية حقوق الإنسان قد سجل تراجعاً كبيراً في العام الماضي عن الأعوام التي سبقت. وأرجعت ذلك إلى فشل المجتمع الدولي في صياغة حلول ناجعة وعادلة للأزمات والمعضلات الدولية. وفي الوقت الذي حمّلت الولاياتالمتحدة القسط الأكبر من مسؤولية ذلك، أنحت باللائمة على دول مثل بريطانيا واستراليا بسبب غرقهما في المستنقع العراقي الى جانب الأولى. \r\n وأشارت المنظمة الى ما أسمته وقوف الإدارة الأميركية وراء صياغة مبادرة لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على غرار معاهدات هلسنكي لعام 1975، التي ضغطت من أجل نشر الحريات في الإتحاد السوفياتي السابق ودول حلف وارسو المنحل. كما وأشارت الى أن المبادرة طالبت الحكومات العربية وحكومات جنوب آسيا بتطبيق إصلاحات سياسية واسعة، ومساءلتها عن سجل حقوق الإنسان وتطبيق إصلاحات إقتصادية. وذّكرت المنظمة بأنه من أجل تحفيز هذه الحكومات لقبول المبادرة وتطبيقها، \"عرضت الإدارة الأميركية عليها حوافز تمثلت في زيادة المساعدات وتسهيل عضوية منظمة التجارة العالمية!\". لكنها أعادت التذكير أنه وبسبب الصعوبة التي واجهتها هذه الإدارة في إقناع تلك الحكومات، وبالأخص العربية منها، بتلك المبادرة بسبب غُلوها في انتهاك مبادىء العدالة وحقوق الإنسان، لجأت الى مجموعة الثماني الكبار لايجاد مخرج مشرف! \r\n يذكر أن قمة الثماني الكبار التي انعقدت في الولاياتالمتحدة يومي التاسع والعاشر من حزيران 2004، كانت قد تبنت المواقف العربية الرسمية في قضية الإصلاح، حيث أقرت بأن لكل دولة خصوصيتها، وأن الاصلاحات يجب أن لا تُفرض على دول المنطقة من الخارج. وقد سجلت القمة في حينه تراجعاً في الموقف الأميركي، الذي كان يلح على المطالبة بالإصلاحات السريعة التي رغبت الولاياتالمتحدة في تصديرها للدول العربية والإسلامية. \r\n وكانت إدارة الرئيس بوش قد أعاقت صدور التقرير الثالث للتنمية البشرية في الوطن العربي الخاص بعام 2004 الماضي، الذي يفضح زيف الادعاءات الأميركية بشأن الإصلاح ونشر الديمقراطية في دوله. وكشف خبراء شاركوا في إعداد هذا التقرير في كانون الأول الماضي جانباً من مضمون التقرير الذي اعترضت عليه الإدارة وعدد من الدول العربية الخاضعة لاملاءات هذه الإدارة، مما تسبب في تأخر نشرة أكثر من ثلاثة شهور. وقد اشتمل التقرير على انتقادات لاذعة للحريات السياسية في هذه الدول، إلى جانب رصده الإنعكاسات السلبية لاحتلال العراق على الحريات العامة في الدول العربية عامة، وممارسات اسرائيل العنصرية ضد الفلسطينيين. \r\n