\r\n هذا الأمر تغير الآن في زمن جورج دبليو بوش القائد الأعلى للقوات المسلحة الأميركية، هذا الزمن الذي تم فيه التخلي عن مبدأ مسؤولية القادة عن مرؤوسيهم. ففي عالم حروب بوش يتم وضع اللوم على أصحاب الرتب الصغيرة في حالة الخطأ، أما القادة الكبار الذين يخطئون فتتم ترقيتهم. \r\n \r\n لقد مضى الآن عام على خروج القصص والصور الشائنة التي كشفت عن الانتهاكات التي حدثت في \"سجن أبوغريب\" العراقي للجمهور، والتي مثلت في حينها فضيحة مدوية، نالت من سمعة العسكرية الأميركية، وأساءت إلى موقف الولاياتالمتحدة في مختلف دول العالم. \r\n \r\n وسوف يتضح عما قريب أن صور المعتقلين العراة المغطاة رؤوسهم ووجوههم بالأكياس البلاستيكية، والذين كانت تتم إهانتهم لم تكن سوى جزء من مشكلة أكبر. هذه المشكلة هي أن نظام معاملة المسجونين واستجوابهم وحجزهم في سجن أبوغريب وفي سجون أخرى في العراق، كان قد خرج عن نطاق التحكم بدرجة خطيرة، وأن بنية السيطرة والمراقبة المسؤولة عنه كانت قد انهارت. فالمعتقلون في سجن أبوغريب، كان يتم ضربهم وتعذيبهم وانتهاكهم جنسيا وفي بعض الأحيان قتلهم... كما أن الكثيرين منهم ما كان يجب أن يتم اعتقالهم على الإطلاق، لأنهم لم يكونوا قد ارتكبوا أية مخالفة من المخالفات. \r\n \r\n وبعد ذلك كله ما الذي حدث؟ الذي حدث هو أن حفنة من صغار الرتب، حوكموا عسكريا وأن رائدا في البحرية أقيل من منصبه، وتم الإعلان عن خطط لإصدار كتيِّب يكون بمثابة دليل أو مرشد لإجراء التحقيقات العسكرية، ويتم فيه حظر مثل تلك الأساليب الخشنة كالتي اتبعت في أبوغريب. هذا هو كل ما حدث ولا شيء آخر، ولم يفكر السادة الكبار في الإدارة مثلا بالقيام بحملة شاملة على مظاهر السلوك الإجرامي في القوات المسلحة الأميركية بأسرها كما كان يفترض كحد أدنى. \r\n \r\n لقد علمنا الأسبوع الماضي، أن الجيش الأميركي قد قام بعد تحقيق على مستوى عالٍ، بتبرئة أربعة من بين خمسة من المسؤولين الكبار عن السياسات التي كانت مطبقة في السجون، وتلك التي كانت تطبق في العمليات التي تجري على أرض العراق. أما المتهمة الخامسة وهي \"اللواء\" جانيس كاربينسكي، الضابطة الكبيرة في القوات الاحتياطية، فقد تم إعفاؤها من منصبها كقائدة لوحدة الشرطة العسكرية في سجن أبوغريب. (اشتكت - ولديها حق في ذلك- من أنها قد استخدمت ككبش فداء لتغطية فشل كبار القادة في العراق). \r\n \r\n وكما كتب إيريك شميت في النيويورك تايمز:\"باستثناء ظهور أدلة جديدة، فإن التحقيق الذي أجراه المفتش العام للجيش، يختتم فعليا تحقيق الجيش الخاص بما إذا كان الضباط الأكبر رتبة الذين كانوا موجودين في العراق أثناء فضيحة سجن أبوغريب، كانوا مسؤولين عن أخطاء القيادة الموصوفة في التقارير السابقة أم لا\". هذه هي الطريقة التي يتم بها التعامل مع الفظائع في عالم حروب بوش. فالقادة الأميركيون الكبار في العراق المسؤولون عن تدريب القوات والإشراف عليها وفرض الانضباط عليها، أو بمعنى آخر كبار الضباط الذين كانوا يرأسون نظاما انحرف عن طريقه، وعاث فسادا بطريقة مخجلة، خرجوا من الموضوع دون أن يمسسهم أي ضرر. \r\n \r\n إن الانتهاكات التي حدثت في أبوغريب والتي بدت في حينها محيرة للعقل، تبين فيما بعد أنها أحد أعراض مرض انتشر في كافة عمليات الإدارة الأميركية في نطاق ما تطلق عليه اسم الحرب على الإرهاب. ومن ضمن وسائل التحقيق التي استخدمتها الإدارة في ذلك الشأن وسائل أطلقت عليها أسماء مخففة مثل: تمثيل الجريمة، الاستجواب القسري، تغيير ساعات النوم، وغمر الزنزانات بالماء، وهي كلها وسائل أصبحت مفهومة الآن على نطاق واسع. كما أنه أصبح مفهوما أيضا أن سياسة الإدارة الأميركية في هذا الشأن كانت تتضمن خطف الأفراد وإرسالهم إلى أنظمة متخصصة في فن التعذيب. \r\n \r\n نحن بحاجة إلى شيئين: الأول، لجنة مستقلة استقلالا حقيقيا - مثل اللجنة الخاصة بالتحقيق في أحداث الحادي عشر من سبتمبر- يتم تكليفها بإجراء تحقيق كامل عن أساليب الاعتقال والاستجواب التي تتبعها الولاياتالمتحدة وتقديم التوصيات اللازمة لإصلاحها. \r\n \r\n الثاني، يجب على حكومة الولاياتالمتحدة الأميركية أن توضح بشكل كامل، ولا يطاله الشك، أن التعذيب وغير ذلك من الوسائل اللاإنسانية في معاملة السجناء هي أمر خاطئ، بل وخاطئ جدا، ولن يتم السماح بها تحت أي ظرف من الظروف. \r\n \r\n حول هذا الأمر يقول مايكل بوسنر، المدير التنفيذي لمنظمة \"حقوق الإنسان أولا\" والذي يقوم بمقاضاة وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد بشأن موضوع إساءة معاملة السجناء:\"في عالمنا المعاصر ينظر إلى مسألة التعذيب مثل ما كان يُنظر إلى تجارة الرقيق والقرصنة في أواخر القرن الثامن عشر في أميركا... فالتعذيب جريمة ضد الإنسانية وهو شيء يجب منعه منعا تاما\". \r\n \r\n إذا ما قام الرئيس بشكل واضح وجلي بإعلان أن المسؤولين الكبار والصغار في سلسلة القيادة العسكرية، ستتم محاسبتهم على الجرائم التي تحدث أثناء خدمتهم، فإن مثل تلك الحالات من إساءة المعاملة ستهبط إلى أدنى حد ممكن. ولكن الإدارة لم تقم بذلك بل قامت بإجراء يرسل رسالة فحواها أن المحاسبة ستقتصر على فئة قليلة من صغار الرتب من سيئي الحظ والذين لم يتم تدريبهم على النحو الصحيح. \r\n \r\n أما المسؤولون الكبار الذين أشرفوا على ما قاموا به، والذين أساءوا إلى أميركا أكبر إساءة ممكنة في نظر العالم، فيمكنهم الاعتماد على سعة صدر الرئيس. \r\n \r\n \r\n بوب هربرت \r\n \r\n كاتب ومحلل سياسي أميركي \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\" \r\n \r\n