وكلما زاد الناشطون الذين تحركهم أجندة عقائدية، وكلما زادت وسائل الأعلام المغرمة بإجراء استفتاءات الرأي،من تلقاء نفسها من الثرثرة حول موضوع \" الإيمان\"، كلما قلت قيمة المبدأ الأساسي الذي يقول أن الإيمان هو علاقة خاصة بين الإنسان وربه. \r\n \r\n وفي الوقت الذي يقوم فيه البيت الأبيض بمناورات مستميتة في العراق للحيلولة دون إدارة الحكومة الجديدة التي ستتشكل هناك وفقا لأجندة الأصوليين الدينيين، فإنه يقوم هنا، أي في داخل أميركا بعكس ذلك، حيث نجده يقوم بمناورات مستميتة للتودد إلى الأصوليين الدينيين الأميركيين، الذين يريدون أن يتحكموا في الطريقة التي يجب أن تدار بها الحكومة الأميركية. \r\n \r\n ولعله يجدر بالرئيس بوش أن يقضي وقتا أقل في التبشير بالديمقراطية في مختلف أنحاء العالم، ووقتا أكثر في التفكير في أحوال ديمقراطيتنا المتدهورة. \r\n \r\n والأمر لا يقتصر على ذلك، حيث وجدنا أن سلوك الإدارة في الآونة الأخيرة كان تجسيدا لمقولة الفيلسوف الألماني \" نيتشه\" المعروفة وهي :\" إن الأخلاق هي الأداة المثلى من بين جميع الأدوات لقيادة الجنس البشري رغما عنه\" \r\n \r\n وكما يقول \" كريستوفر شايز\" وهو واحد من خمس جمهوريين صوتوا ضد مشروع القانون الخاص بالسماح باختطاف قضية تيري شيافو من قضاء ولاية فلوريدا، وتحويلها إلى محكمة فيدرالية، فإن الحزب الجمهوري الذي أنشأه لنكولن قد \"أصبح حزبا ممثلا لحكومة دينية\" \r\n \r\n وقد تبين من خلال استطلاع للرأي أجرته محطة \"سي بي إس نيوز\" للتلفزة أن 82 في المئة من الشعب الأميركي، يعارضون تدخل الكونجرس والرئيس في هذه القضية، وأن 74 في المئة منهم كانوا يرون أن الأمر كله يدور حول السياسة. \r\n \r\n إن الرئيس الذي لم نتمكن من استدراجه للحديث عن ما يزيد عن مأساة مئة ألف إنسان راحوا ضحية كارثة \" تسونامي\" الرهيبة، كان لديه الاستعداد لأن يتم جره من سريره، للتوقيع على مشروع قانون بخصوص امرأة قامت قاعدته الانتخابية بالتركيز على قضيتها لأغراض سياسية. ولكن البيت الأبيض وعقب استطلاعات الرأي الأخيرة، تراجع قليلا للوراء بشأن هذه القضية على ما يبدو. \r\n \r\n إن المشهد في كابيتول هيل( مقر الكونجرس) منذ أيام كان بشعا وعبثيا تماما مثل مشاهد فيلم (Weekend at Bernie's) وخصوصا المشهد الذي يقوم فيه كل من السيدين \" توم ديلاي\" و\" بيل فريست\" باستغلال قضية تلك المرأة التعسة للترويج لأجنديتهما السياستين. كان السيد \" ديلاي\" وهو يقوم بذلك نموذجا للتدني الأخلاقي، أما الدكتور \"فريست\"، فإنه كان يعتقد على ما يبدو أنه قادر على هزيمة جيب بوش، وعلى أن يكون الحاكم الرابع والأربعين في تاريخ ولاية فلوريدا، على الرغم من أنه قد جعل من نفسه أضحوكة عندما حاول أن يعيد تشخيص حالة السيدة شيافو عن طريق الفيديو. \r\n \r\n وقد أشار إلى ذلك واحد من قراء النيويورك تايمز المشمئزين، وذلك في رسالة بالبريد الإليكتروني للدكتور فريست قال له فيها ما يلي: \" عزيزي الدكتور فريست.. أرجو أن تشاهد فيلم الفيديو المرفق، وأن تخبرنا بعد ذلك فيما إذا ما كانت الشامة الموجودة على خد والدتي هي سرطان أم ماذا... وهل تحتاج إلى جراحة؟\". \r\n \r\n إن محاولة جيب بوش بكافة الطرق جعل ولاية فلوريدا تعلن أن السيدة شيافو هي من رعايا الولاية، تعني أن الجمهوريين قد أصبحوا يتخلون بسهولة بالغة عن مبادئهم الغالية الخاصة بالحرية الفردية، وحقوق الولايات، عندما يتعلق الأمر بتحقيق طموحاتهم الشخصية. وكانت أول مرة يقوم فيها الجمهوريون بخطف قضية من اختصاص محاكم فلوريدا، لإعطائها إلى محكمة فيدرالية هي تلك التي كان جورج بوش يقف فيها في مواجهة آل جور في انتخابات الرئاسة الأميركية التي جرت عام 2000.. أما في هذه المرة فإن جورج بوش يقف في مواجهة الدستور الأميركي ذاته. \r\n \r\n أما الديمقراطيون الموجودون في مجلس الشيوخ، مثل السناتور هيلاري رودهام كلينتون، فقد حاولوا تملق الجمهوريين من خلال السماح لهم بتفعيل هذا التشريع المشين. أما هؤلاء الموجودون في مجلس النواب كممثلين عن ولاية فلوريدا فقد حاولوا أن يخوضوا معركة، على الرغم من أنهم كانوا يعرفون أنهم لن يستطيعوا كسبها. \r\n \r\n إن الرئيس بوش وشركاءه العقائديون، لا يؤمنون بشيء اسمه الفصل بين السلطات.. وإنما يؤمنون بشيء واحد هو سلطتهم ولا شيء غيرها. ففي البداية حاولوا الالتفاف على محاكم فلوريدا، والآن نجدهم يحاولون جاهدين ملء الكراسي الفيدرالية بالمحافظين، بل والقيام أيضا بتفجير حكم الديمقراطيون. ولكني أقول لهم أن هناك درسا يتعين عليهم أن يتعلموه وخصوصا بعد أن قامت المحاكم الفيدرالية بتوبيخهم بشأن قضية شيفاو، وهو أن هناك ضوابط وتوازنات لا يستطيعون تخطيها. \r\n \r\n إن السيد \"دي لاي\" اقترح أمس تقديم طلب للمحكمة العليا يطلب فيها باسترداد أنبوب التغذية الخاص بالسيدة شيافو، على الرغم من علمه أن المحكمة الفيدرالية هي التي تتخذ مثل هذا القرار. ولكنه ونظرا لأنه يهدف لاستغلال هذه القضية المحزنة، فإنه قام بالتصويت لصالح قرار تخفيض المساعدات الطبية بمقدار 15 بليون دولار، وهو ما يعني حرمان الفقراء في الشعب الأميركي من العناية بالمرضى من أهلهم، الذين يعيش بعضهم على أنابيب التغذية. \r\n \r\n إن السيد ديلاي قد أوضح موقفه الشخصي بجلاء، خلال مؤتمر صحفي عقد منذ ما يزيد عن أسبوع من قبل \" مجلس أبحاث الأسرة\"، وهو مجموعة مسيحية محافظة. في هذا المؤتمر قال السيد ديلاي:\" إن الله قد جعل قضية السيدة شيافو تظهر إلى الواجهة كي تساعدنا على تحسين مستوى رؤيتنا لما يحدث الآن في أميركا\". وكان قصده بما يحدث الآن في أميركا هو الهجمات التي تشن ضد الحركة المحافظة، وضده، وضد الكثيرين غيره. \r\n \r\n وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن الرجل لم يكن يتحدث عن أزمة السيدة شيافو على الإطلاق، وأنما عن أزمته هو. \r\n \r\n \r\n \r\n مورين داود \r\n \r\n كاتبة ومحللة سياسية أميركية \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز