هناك اقتراح بسيط يمكن لبوش أن يطرحه على الطاولة، وأعتقد أنه سيزيل اللبس عن الموضوع برمته. هذا الاقتراح ببساطة هو أن يقول بوش لكل من فرنسا وألمانيا وشركائهما في الاتحاد الأوروبي، إنه لا يمانع في قيامهم ببيع الأسلحة للصين، بشرط واحد فقط، وهو أن يقوموا ببيع هذه الأسلحة لأنفسهم أولا. نعم هذا هو الاقتراح بوضوح: أن يقوم الأوروبيون بشراء أية منظومة دفاعية يريدون تصديرها إلى الصين لجيوشهم أولا ،لأن تلك الجيوش في أمسِّ الحاجة إليها. \r\n \r\n بيد أن الشيء الذي يجب على أميركا ألا ترتضيه لنفسها بأي حال من الأحوال، هو أن تسمح للأوروبيين الذين يخصصون مبالغ هزيلة لميزانيتهم الدفاعية، تحيل جيوشهم إلى نمور من ورق، وتجعلهم يركبون مجانا على ظهر أميركا التي تقوم بدور الشرطي العالمي، بتصدير الأسلحة للصين.. وهي نمر حقيقي ينمو بشكل مطرد. \r\n \r\n وهذا قول صحيح تماما، خصوصا إذا ما عرفنا أن السبب الحقيقي وراء رغبة الاتحاد الأوروبي في إنهاء حظر الأسلحة على الصين، هو جعل نفسه في وضع تنافسي أفضل، يمكنه من بيع طائرات الركاب \"ايرباص\" لبكين. فمنظومات الأسلحة هنا ليست إلا مجرد طعم، تلوِّح به دول الاتحاد الأوروبي أمام الصين كي تغريها بشراء المزيد من الطائرات الأوروبية المدنية. بيد أن الشيء الذي يدعو للأسى- في الحقيقة- بشأن عروض بيع منظومات الأسلحة للصين، هو أن الاتحاد الأوروبي لا يطالب بأي ثمن سياسي مقابل بيع تلك المنظومات، ولو حتى إجراء مجرد تغيير بسيط في التصرفات والسلوك الصيني. \r\n \r\n أنا لا أنتمي إلى\" لوبي\" إحراج الصين، وإنما أنا رجل أومن بأن الولاياتالمتحدة بحاجة إلى مشاغلة الصين، وليس عزلها، وإلى العمل معها، بحيث تحتل المكانة التي تليق بها في المسرح العالمي.. كما أنني أومن أيضا بأن الصين- وإلى حد كبير- تمثل قوة للاستقرار في آسيا. ولكن يجب أن نعرف أنه من ضمن الأسباب التي جعلتها كذلك، أن الولاياتالمتحدة قد تصدت دائما لأية نوازع تمدد من طرف الصين، وذلك من خلال إقامة توازن دقيق للقوى بينها وبين اليابان وكوريا وتايوان.. وبيع أسلحة أوروبية متقدمة للصين لن يكون له من تأثير في رأيي سوى إضعاف هذا التوازن. \r\n \r\n بيد أن ما يقلقني أكثر هو أوروبا ذاتها. سبب هذا القلق هو أن جيوش أوروبا مصممة أساسا للدفاع الثابت ضد الاتحاد السوفيتي. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، أصبحت التحديات الأمنية الرئيسية التي تواجه أوروبا هي تلك التي تأتيها من الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأفريقيا. ومع ذلك، لم تقم جيوش أوروبا بتهيئة جيوشها للمهمة الجديدة. فنحن لو جمعنا الجيوش الأوروبية سنجد أن تعدادها لا يزيد على مليوني جندي تقريبا، أي نفس عدد أفراد القوات المسلحة الأميركية، مع فارق واحد بينها وبين القوات المسلحة الأميركية، وهو أن خمسة في المئة فقط من تلك القوات، هي التي تمتلك الأسلحة والتدريب والدعم الاستخباري واللوجستي وإمكانات النقل الجوي، التي تمكنها من خوض حرب حديثة ساخنة خارج حدود القارة الأوروبية. \r\n \r\n هذه الوحدات قد تنفع في مهام حفظ السلام، ولكنها لا تفيد في كسب حرب ضد عدو تقليدي.. وليكن الله في عون أوروبا إذا ما شعرت يوما بأنها بحاجة إلى مواجهة إيران المسلحة نوويا. \r\n \r\n من المنتظر أن يصل الإنفاق الدفاعي الأميركي إلى 400 مليار دولار عام 2005.. وكنت أتمنى أن يكون الإنفاق أقل، ولكن ذلك في الحقيقة كان متعذرا، لسبب وحيد هو أن الولاياتالمتحدة \"الأوروبية\" مجتمعة، تنفق أقل من نصف ما ننفقه على دفاعنا، على الرغم من أنها تشكل معنا - كما يفترض- الدعامة الأساسية لتحقيق الاستقرار العالمي. \r\n \r\n علاوة على ذلك نجد أن الولاياتالمتحدة تقوم في الوقت الراهن بتصنيع طائرات نقل بعيدة المدى من طراز (180 سي- 17)، من النوع الذي يستخدم لنقل القوات والمدرعات إلى أي مكان في العالم، كما تقوم أيضا بتصنيع طائرات أخرى من طراز(112- سي-5 ). يحدث هذا في حين أن الدول الأوروبية الأعضاء في حلف \"الناتو\" لا يوجد لديها سوى أربع طائرات فقط من طراز (سي-17) وهي طائرات قامت بريطانيا باستئجارها من شركة بوينج، وهو ما يعني أن الأوروبيين يعانون من نقص شديد في طائرات النقل بعيدة المدى، إلى درجة تجعلهم مضطرين للاعتماد بشكل أساسي على طائرات\" أنتونوف\" المستأجرة من روسيا وأوكرانيا، للقيام بنقل قواتهم إلى ميادين المعارك. وكان \"جورج روبرتسون\" الأمين العام السابق ل\"الناتو\"، دائم السؤال، عما يمكن أن يحدث إذا ما اندلعت حرب خلال موسم إجازات الكريسماس، وهو الموسم الذي تكون فيه معظم طائرات الأنتونوف الروسية والأوكرانية مؤجرة لشحن الألعاب الإليكترونية في مختلف أنحاء العالم.. هل ستطلب الدول الأوروبية من قائدي تلك الطائرات أن يقوموا بتوصيل قواتهم في طريقهم؟!. \r\n \r\n إن أميركا يجب أن تعمل على توضيح سياستها الخارجية لأوروبا. والسبب الذي يجعلني أقول ذلك أن الهدف الاستراتيجي الأكبر في الوقت الراهن لأميركا هو تدبير أمر الصعود السلمي للصين، وهو ما يجعلها في حاجة إلى القيام بالسعي إلى تحقيق هذا الهدف من خلال الوسائل الصحيحة، ومن بينها جعل أوروبا القوية تقف إلى جانبها – وليس إلى جانبها وجانب الصين في نفس الوقت. \r\n \r\n وإذا ما نجحنا في ذلك فإن أوروبا ستكون عونا كبيرا لنا في تحقيق هذا الهدف. \r\n \r\n أما إذا ما كانت أوروبا تريد أن تصبح داعية سلام فلا مانع من ذلك. ولكن عليها أن تعرف أنه ليس هناك ما هو أسوأ من داعية سلام يقوم ببيع أسلحة، خصوصا عندما يؤدي ذلك، إلى زيادة العبء على الحليف الأميركي الذي يتولى مهمة حمايتها. \r\n \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\" \r\n \r\n