لقد كان ديفيد بن غوريون يقول دوماً: ليس من المهم عندنا ما يرغب به الجمهور لأن المهم هو ما المرغوب الذي نحدده للشعب. ومن خلال هذه العبارة أعرب بن غوريون عن موقفه ووجهة نظره التي ترى أن عدداً قليلاً من الصهيونيين هم الذين يحددون مستقبل إسرائيل وليس آراء الجمهور. فدولة إسرائىل لم ينشئها سوى الانقلاب الصهيوني وهذا الانقلاب لم يكن ديموقراطياً أبداً، فالمهاجرون الأوائل الذين وصلوا إلى فلسطين في العهد العثماني خلال 22 عاماً منذ 1882 إلى 1904 لم يتجاوز عددهم 25 ألفاً من مجموع عدد اليهود الذي بلغ في مستهل القرن العشرين 16 مليوناً تقريباً. ولم يكن عدد المهاجرين في الموجة الأولى والثانية للهجرة خلال الأعوام الممتدة بين 1904 إلى 1923 يكاد يذكر أيضاً. وهؤلاء القلائل هم الذين حددوا شكل إسرائىل في ذلك القرن وهم الذين رسموا حدود الدولة بالمستوطنات. وكانت السلطة التي تشكلت من هذا العدد القليل وقياداته متأثرة بطريقة الحكم والإدارة البلشفية الروسية التي كان بن غوريون نفسه يألفها وينتهجها. وفرض بن غوريون حكمه بالقوة وكان يحرم كل من يعارضه من امتيازات أو صلاحيات أو وظيفة وعمل. وكان بن غوريون يطارد ويلاحق كل من يقف معارضاً رأيه أو وجهة نظره، وهذا ما فعله ضد المجموعات المؤيدة (لزئيف جابوتينسكي) التي تطورت وأصبحت ما يعرف باسم الليكود الآن، وكانت هذه المجموعات محرومة من العمل ومن العلاج الطبي أثناء سلطة بن غوريون التي سبقت فترة إعلان الدولة. وحين تمرد هؤلاء وشكلوا منظمات مسلحة يهودية مستقلة ازداد الشرخ بينهم وبين بن غوريون إلى الحد الذي دفع بن غوريون إلى تسليمه عدداً منهم لقوات الانتداب البريطاني بعد تحرشهم ببريطانيا في فلسطين. كما قام بن غوريون بمحاصرة اليسار الإسرائيلي في ذلك الوقت أيضاً وتلاعب به لتعزيز سلطته على اليهود. \r\n وحين أنشأ بن غوريون الدولة قرر محو الشخصية الثقافية لليهود القادمين من الدول العربية لكي تتأسس الدولة والمجتمع على واقع لا يحمل من ماضيهم مظاهر الشرق المتخلف والعربي. وكان بن غوريون على حق حين قال ينبغي أن نحقق للشعب ما نرغب به له وليس ما يرغب هو به. وفي عام 1948 شعر الجمهور بخوف شديد من احتمالات دخول الجيوش العربية لإسرائيل، ولذلك لو قرر بن غوريون إجراء استفتاء حول إعلان الدولة من طرف واحد واحتلال بقية أجزاء إسرائيل لوجد أن أغلبية الشعب لن توافقه على هذا الرأي لأن خيارات أخرى كانت متوفرة ويمكن اللجوء إليها بدلاً مما نفذه بن غوريون ونجح فيه بالنهاية. \r\n وكان من بين الخيارات إقامة حكم دولي موقت في فلسطين وإسرائيل معاً أو ضمانات أميركية تمنح لبن غوريون بأن يعلن دولته في وقت آخر أو إدخال قوات باسم الأممالمتحدة لتنفيذ القرار الخاص بإنشاء دولتين إحداهما يهودية والأخرى فلسطينية أو استمرار بقاء الانتداب البريطاني ودعوته إلى تنفيذ قرار التقسيم. وكان معظم الجمهور اليهودي في فلسطين يفضل حلاً مؤكداً يتمتع بحماية دولية بدلاً من مغامرة إعلان الدولة على معظم أراضي إسرائيل والذي كان يدعو إليها الصهيونيون. وفي قيادة الحركة الصهيونية ظهرت آراء متناقضة حول هذه المغامرة، بل إن إعلان بن غوريون لدولة إسرائيل لم يحظ بموافقة أغلبية ساحقة لأن الأغلبية تمثلت بزيادة صوت واحد فقط. ويبدو أن شارون يتجه نحو الدور نفسه الذي قام به بن غوريون ويرفض دعوة المستوطنين إلى إجراء استفتاء عام على فك الارتباط من قطاع غزة لأنه يريد تحقيق ما يرغب به للجمهور وليس ما يرغب الجمهور به». \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n