\r\n بعد تغيرت القيادة في العديد من الدول التي تشكلت في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي، ويتم تغيير قادة تلك الدول بجيل جديد من السياسيين، مثل الرئيس الجورجي ميخائيل سكاشفيلي ورئيس الوزراء اللتواني رولانداس باكساس. ويبرز الجيل السياسي المقبل أيضاً في مولدوفا وروسيا البيضاء. \r\n \r\n \r\n وتنظر روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة جميعها إلى فضاء ما بعد المرحلة السوفييتية باعتباره نطاق نفوذها. وتحاول النخبة المحلية، المدركة تماماً لتضارب المصالح أن تتلاعب بهذه القوى السياسية الثلاث ضد بعضها البعض وحملها على الانخراط في مشروعات سياسية محلية، وحيث ان التغيير السياسي في الدول ذات الأنظمة شبه المطلقة يمكن أن يحدث بطرق درامية جداً. \r\n \r\n \r\n فإن هذه الدول في فترة ما بعد الحقبة السوفييتية تعكف باستمرار من ناحية عملية على حمل روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على اختبار ما إذا كانت قادرة على تجنب النزال فيما بينها، وفي أوضاع مثل الاضطراب الراهن في أوكرانيا، فإن احتمال فشل السياسيين الروس والغربيين في اجتياز الاختبار وعدم التوصل إلى حل وسط يصبح أكبر. \r\n \r\n \r\n بعد سلسلة الهجمات الإرهابية التي ترمز إليه المأساة التي وقعت في بيسلان، قررت موسكو أن تسرّع من الإصلاحات السياسية بهدف زيادة الاستعداد في حال وقوع هجمات جديدة.. والطبيعة المتخلفة للمؤسسات الديمقراطية في روسيا، إلى جانب مركزية السلطة المتزايدة، قد أوجدت موجة من الشك، فيما يتعلق بنوايا موسكو في المؤسسة الغربية، وحالات سوء الفهم التي تبرز أثناء محاولة الخبراء الغربيين معرفة ما يجري بالفعل في موسكو لا تؤدي إلا إلى تعقيد هذا الشك. \r\n \r\n لقد تعزز موقف الاتحاد الأوروبي بصورة تدريجية، وسياسيو الاتحاد الأوروبي يحاولون لعب دور أكثر فاعلية في القضايا الدولية، بما في ذلك القضايا المثارة في المنطقة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، ومع ذلك، فإن روسيا ترى بعضاً من الدول في هذه المنطقة كجزء من مجال مصلحتها الحيوية والتأثير التقليديين، وفي الوقت نفسه. \r\n \r\n \r\n فإن الجدران التي وضعها الاتحاد الأوروبي حول حدوده قد أثارت انزعاج روسيا، وهذا الانزعاج يتحول في الغالب إلى شك لأن السياسيين الروس، ووسائل الإعلام والرأي العام الروسي يبدو أنه لا يملك سوى فهم غامض لسياسة الاتحاد الأوروبي الداخلية. \r\n \r\n \r\n يمكن لأزمة في العلاقات الدولية أن تظهر في أية لحظة، ومثل هذه الأزمة تصبح أكثر احتمالاً يوماً بعد يوم، كما هو الحال احتمال بروز هذه الأزمة بسرعة وبصورة سلبية جداً، وهذا كله مرده إلى أزمة متنامية في الفهم المتبادل، والسبب الرئيسي وراء سوء الفهم هو أن القنوات التقليدية للتواصل بين النخب السياسية الروسية والغربية قد تعطلت. \r\n \r\n \r\n فروسيا تركز أكثر فأكثر على نفسها وعلى معاييرها الخاصة، لما هو مقبول وما هو غير مقبول. أما الاتحاد الأوروبي، فيركز بشكل متزايد على إصلاح نظامه السياسي وتحديد هويته. والقنوات التقليدية للتواصل الدولي تمارس عملها عندما يعمل ممثلو الدول المتعددة معاً في منظمات دولية ويشاركون في مؤتمرات دولية ويتفاعلون مع وسائل الإعلام ومؤسسات الرأي العاملة. ويلعب الخبراء والمتخصصون دوراً حاسماً في هذا التواصل. \r\n \r\n \r\n وفي السنوات الأخيرة، انهارت هذه القنوات. والمنظمات الدولية التي تشكلت خلال الحرب الباردة تعاني من أزمة ولم تعد قادرة على الاستجابة بشكل جيد للتحديات الجديدة، ومقارنة بما كان عليه الحال قبل 10 سنوات، فإن عدد المؤتمرات المشتركة التي حضرها مشاركون روس قد انخفض بشكل كبير. \r\n \r\n \r\n كل هذا أدى إلى بروز نوع الأزمات الذي طرح نفسه أخيراً في أوكرانيا وهو منعكس في التصورات المختلفة جوهرياً لهذه الأزمة في روسيا والاتحاد الأوروبي، وكان من الواضح تماماً أن الوضع في أوكرانيا سيتحول إلى أزمة وان روسيا والاتحاد الأوروبي سيتخذان مواقف مؤكدة قد تفضي إلى الصراع. \r\n \r\n وقبل تصاعد التوتر، احتاجت روسيا والاتحاد الأوروبي وأوكرانيا قطعاً إلى سلسلة من المؤتمرات والموائد المستديرة التي تستهدف شرح هذه المواقف وتقريبها من بعضها البعض. هذا لم يحدث أبداً. وبدلاً من ذلك، فإن جميع الأطراف المشاركة جاءت إلى الأزمة بمواقف مبنية على أسطورة لا على واقع. وأدى غياب مساحة للحوار إلى إشعال أزمة من سوء الفهم. \r\n \r\n \r\n غير ان المؤتمرات والمنتديات الأخرى للتواصل الدولي لا يمكن أن تكون جيدة إلا بقدر جودة المشاركين فيها، وفي الأسابيع الأخيرة، تحولت وسائل الإعلام في الغرب وروسيا إلى خبراء يمكن توقع آرائهم مسبقاً. وعملياً، جرى تغييب الخبراء المنحدرين من خلفيات متعددة عن صفحات الصحف والإذاعة والتلفزيون ومنصات الخطابة من قبل السياسيين. \r\n \r\n \r\n وفي أجهزة الإعلام الغربية، حلت محل تقويمات وتحليلات الخبراء وجهات نظر متحيزة إلى حد كبير، وهؤلاء المعلقون الذين جاءوا من خلفيات سياسية متباينة يسعون وراء أهداف سياسية وليس وراء مقاصد بحثية، ومثل هؤلاء المراقبين، على الرغم من قدراتهم المتميزة، إلا أنهم غالباً ما يطرحون تنبؤات مثيرة للسخرية. \r\n \r\n \r\n وتستهدف هذه التنبؤات لا إبراز الواقع السياسي وإنما تغيير هذا الواقع. وهكذا، فإن المفهوم المشوه للواقع في روسيا يجري تصويره في أجهزة الإعلام الغربية، الأمر الذي يعني ان المؤسسة السياسية في الغرب لا تتاح لها فرصة لإدراك ما يجري حقاً. \r\n \r\n \r\n تقدم أجهزة الإعلام الروسية صورة مشوهة على النحو ذاته حول التطورات السياسية في الاتحاد الأوروبي، فهذه الأجهزة التي يتم تسييسها بصورة متزايدة والتي تقع تحت طائلة التحكم السياسي المتفاقم، شأن نظيراتها الغربية تطالب بخبراء في الشؤون الغربية هم في غالب الأحوال سياسيون يتم استعراضهم باعتبارهم محللين سياسيين. \r\n \r\n \r\n وقد أصبح المفكرون المؤيدون للغرب بمثابة صرعة قديمة، وتم استبعادهم من أجهزة الإعلام. وفي الوقت الحالي، فإن الوطنيين الروس الذين هم غالباً جنرالات متقاعدون يهيمنون على الساحة، وهؤلاء الجنرالات المتقاعدون ينقلون أمنياتهم السياسية إلى الرأي العام. وهذه الأمنيات هي بحكم تعريفها ذاتية الطابع، وتوقعاتهم ونبوءاتهم يحتمل بالقدر نفسه أن تبرهن على أنها غير دقيقة بالمرة تماماً كما هي تقديرات أولئك السياسيين الذين يتحدثون عن روسيا إلى الغرب. \r\n \r\n \r\n وفي أوساط الخبراء الغربيين في وسائل الإعلام الروسية، فإن أولئك الذين يبدو عليهم انهم عالقون في الماضي ذهنياً هم الذين يسيطرون. وليس هناك من مجال لعرض خبراء أوروبيين يناقشون مشكلات الاتحاد الأوروبي. ونتيجة لذلك، فإن المؤسسة السياسية الروسية لا تملك سوى أكثر الأفكار ضبابية حول طبيعة السياسة الداخلية للاتحاد الأوروبي وليس أمامها من مجال لاتخاذ قرارات عقلانية فيما يتعلق بمجمل المشكلات التي تواجه روسيا والاتحاد الأوروبي. \r\n \r\n \r\n أخيراً، تعطل التواصل بين الهيئات التشريعية أيضاً، فالعديد من النواب الروس غير مستعدين مهنياً للانخراط في حوار دولي ويتم في الغالب استبعادهم من عملية صنع القرار الفعلية حول القضايا الدولية، حيث ان دور البرلمان في روسيا يجري تقييده بدرجة كبيرة. الاستثناء الوحيد هو رؤساء اللجان في مجلس الدوما، ولكنهم لا يستطيعون تغيير البرلمان برمته من تلقاء أنفسهم. \r\n \r\n \r\n وعلى الجانب الأوروبي، فإن النواب من الدول الأعضاء الجديدة مثل لاتفيا، استونيا، وبولندا يحاولون أن يسيطروا على النقاش، وهم يبنون آراءهم بدرجة أقل على المواقف الموضوعية وبدرجة أكبر على أساطير سلبية للغاية. قد يقول المرء إنهم لا يهدفون إلى تحسين العلاقات مع روسيا، وإنما للانتقام بسبب الاهانات السابقة لكرامتهم الوطنية. \r\n \r\n \r\n إن روسيا والاتحاد الأوروبي على شفا أزمة في الثقة المتبادلة يمكنها أن تنفجر في أية لحظة. ولمنع حدوث هذه الأزمة، ينبغي على الخبراء والسياسيين أن يدخلوا في حوار وأن يزيلوا الانسداد في قنوات التواصل الدولية. وهذا سيساعد المؤسسات السياسية الروسية والأوروبية على أن تصبح أكثر استعداداً لاتخاذ قرارات سريعة عندما يحوم صراع في الأفق. \r\n \r\n