\r\n الأحداث في اوكرانيا تمثل ثورة من طراز جديد‚ الموجة الثورية السابقة في جنوب ووسط وشرق أوروبا وفي الاتحاد السوفياتي في 1991 كانت ثورات ضد الاستبداد‚ الأحداث في أوكرانيا تعني ثورة ضد الديمقراطية الزائفة‚ \r\n \r\n انه احتجاج على التصادم القائم بين بقايا النظام السوفياتي البائد واصدقاء الرأسمالية‚ \r\n \r\n كانت جورجيا اول بلد أظهر ضعف هذا النظام الهجين الجامع لعناصر من النظام السوفياتي وعناصر الرأسمالية‚ ولكن نظر الى الثورة الجورجية على انها ظاهرة محلية‚ \r\n \r\n أما اوكرانيا فقد اصبحت تمثل تيارا‚ أنا لا أدعي ان جميع الدول التي ظهرت في حقبة ما بعد السوفيات ستتبع المثال الأوكراني‚ ولكن الحقيقة ان جميع هذه الدول تحتفظ بانظمة استبدادية تبدو مستقرة على السطح اما ما تحت السطح فهناك تفاعلات وتحولات تحدث ستشق طريقها الى السطح عاجلا أم آجلا‚ \r\n \r\n أظهرت أوكرانيا للانظمة القائمة في حقبة ما بعد الفترة السوفياتية ان لحظة الحقيقة تأتي مع تغيير الزعيم‚ \r\n \r\n وحلت روسيا المشكلة بعد بوريس يلتسين بتسمية خليفته والسيطرة على العملية الانتخابية‚ ولكن اوكرانيا رفضت الطريقة الروسية‚ \r\n \r\n فعاجلا أو آجلا ستجد دول ما بعد الحقبة السوفياتية نفسها امام نفس الخيار: إما الأخذ بالديمقراطية الحقة او الأخذ بالنظام الاستبدادي المقنع‚ هذه اللحظة اقرب بكثير مما يعتقد البعض‚ \r\n \r\n من السذاجة ان نجعل من يوشنكو شخصا مثاليا‚ ان يوشنكو والنخبة التي تدعمه هي جزء من الطبقة الحاكمة الأوكرانية المسؤولة عن الرأسمالية الفاسدة‚ ولكن مصالح الشرعية الديمقراطية ومشاركة اوروبا في الأزمة والحنين للانعتاق من موسكو قد يجبر يوشنكو وفريقه على خلق قواعد جديدة‚ \r\n \r\n ان كل شيء يحصل الآن في أوكرانيا استقلالية النظام القضائي وشفافية العملية السياسية وتحرر الصحافة وحيادية القوات المسلحة وغياب العنف حتى الآن يشير الى ان الشروط الموضوعية لقيادة جديدة وضعت بين الدولة والمجتمع‚ \r\n \r\n من خلال تدخلها في الصراع الأوكراني لم تقوض موسكو نفسها فقط كوسيط في السياسات الأوكرانية بل قللت أيضا من قدرتها على السيطرة على دول ما بعد الحقبة السوفياتية‚ \r\n \r\n لقد عاصرنا وشاهدنا حدثا ستكون له نتائج أكبر على روسيا من توسع الناتو شرقا أو حتى الاتحاد الأوروبي‚ الغرب ايضا لم يكن مجرد مراقب وفي نفس الوقت من الصعب توجيه الاتهام للغرب بالتدخل في الشأن الأوكراني‚ فدرجة وطبيعة تدخل الغرب في اوكرانيا لم تصل أبدا الى درجة الضغوط الروسية التي مورست‚ \r\n \r\n ومن الضروري جدا ايضا التفريق بين الأهداف التي يسعى الغرب لتحقيقها وتلك الخاصة بروسيا‚ فأوروبا أملت في شد أوكرانيا بصورة اقرب الى الغرب من أجل مساعدتها على بناء مجتمع مفتوح ومزدهر‚ روسيا من جانبها سعت للاحتفاظ بحكومة فاسدة‚ وليس من المستغرب ان جزءا من المجتمع الأوكراني اختار فيكتور الأوروبي‚ \r\n \r\n ولأول مرة تحملت اوروبا مسؤولية حل ازمة سياسية في بلد اعتادت روسيا على ان تنظر اليه على انه استمرار لها‚ وإذا ما نجحت أوروبا في كييف فإن الاجندة القادمة تكون ابخازيا واوستيا الجنوبية واقليم ترانس دينتسر في مولدافيا‚ \r\n \r\n هنا يطرح سؤال آخر وهو: هل أوروبا مستعدة لهذا الدور الجديد وهل بامكانها لعب هذا الدور دون إثارة غضب الدب الروسي الذي قد يبدأ بتدمير كل شيء تطاله يده؟ \r\n \r\n ما الذي سيحدث لروسيا وللرئيس بوتين؟ \r\n \r\n الآن الرئيس بوتين يترنح ومن السهل معرفة السبب في ذلك‚ ثم ان بامكانه التراجع؟ في اعين الطبقة السياسية الروسية فإن ما حصل هو دليل ضعف ومع ذلك نجد ان المجتمع الروسي يستمر في دعم رئيسه وكأن لسان حاله يقول «انك تفعل كل شيء بطريقة صحيحة»‚ هذا الشيء يحصل نظرا لعدم وجود معارضة فعالة يمكن ان تقنع بوتين والروس ان أوكرانيا ستكون اكثر فائدة لروسيا إذا ما اصبحت جسرا يربطها مع الغرب بدل ان تكون منطقة منتنة مليئة بالأمراض والروائح الكريهة‚ \r\n \r\n ان الثورة الأوكرانية يمكن ان تثير ردود أفعال عكسية في الكرملين‚ فمأساة باسيلان أصبحت ذريعة للحكومة لتصبح أكثر استبدادية‚ وبامكان اوكرانيا ان تصبح ذريعة للتحرك نحو الأخذ بالسياسات الستالينية في الحشد‚ ان اوكرانيا تضع بوتين في اختبار حقيقي‚ لقد بدأ بوتين بتدمير ما سبق وان اقامه مع العالم وهو الثقة‚ فهل بامكانه ان يتوقف قبل ان يقذف بنفسه في الجحيم؟ سنرى قريبا ما الذي سيفعله بوتين‚ وحتى الآن فإن بوتين يترنح‚ \r\n \r\n ان القوى التي وقفت وراء القرارات التي اتخذها البرلمان الأوكراني بتبني تعديلات دستورية لتقليص سلطات الرئاسة وتغيير القانون الانتخابي لم تكن بفعل المشرعين أعضاء البرلمان وانما بفعل الأسر الاقتصادية القوية التي تدير النظام السياسي الأوكراني طوال سنوات عديدة‚ \r\n \r\n \r\n حسب رأي رجال البنوك والمحللين الأوكرانيين الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم فإن هناك خمس أسر اقتصادية اضطرت مؤخرا الى تقييم الدعاية الضخمة نتيجة لانتخاب زعيم المعارضة فيكتور يوتشينكو رئيسا للبلاد في جولة انتخابات ثانية تعقد يوم 26 ديسمبر الجاري‚ \r\n \r\n إذا هزم يوتشينكو منافسه رئيس الوزراء فكتور يانوكوفيتش المرشح المفضل من قبل الرئيس المنتهية ولايته ليونيد كوتشما والرئيس بوتين فعندئذ لن يكون امام الأسر الاقتصادية الخمس ومعها يوتشينكو اي خيار سوى ايجاد السبل والوسائل للتعايش‚ \r\n \r\n وقال ايغور بوراكوفسكي مدير معهد الابحاث الاقتصادية والاستشارات السياسية المستقل «لن يكون سهلا على يوتشينكو ادخال اصلاحات اقتصادية‚ لأن ذلك سيعني الشفافية والكفاءة‚ ولذلك لن تكون تصرفات يوتشينكو محكومة فقط باعتبارات سياسية وسيضطر للابقاء على مسافة بين المصالح الاقتصادية والمصالح السياسية في البلاد إذا ما اراد تحديث البلاد وجذب استثمارات اجنبية‚ \r\n \r\n وتقيم الأسر الاقتصادية الأقوى نفوذا في البلاد في المنطقة الصناعية الممثلة بخاركوف دنيبروينروفيك ودونتك واما الأسر المتنفذة الأخرى فمقرها في كييف والقاسم المشترك بينها هو مزيج من المصالح التجارية وفي معظم الحالات تمتلك هذه الأسر المجمعات الصناعية الكبيرة للحديد والكيماويات والبنوك ونوادي كرة القدم والصحف اليومية ومحطات التليفزيون وهذه هي أكبر الموجودات اللازمة لأي سياسي طموح‚ \r\n \r\n أسست هذه الأسر الاقتصادية المتنفذة جماعات ضغط قوية لها في البرلمان بحيث ان اي تشريع يمكن ان يضر بمصالحها يتم تعطيله فورا‚ وهذا يفسر سبب تأييد هذه الأسر لنظام برلماني قوي بعد ان شاهدت المحكمة العليا تحكم لصالح يوتشينكو وان الانتخابات قد تعرضت للتزوير وان اللجنة التي اشرفت عليها يجب طردها‚ \r\n \r\n وقال الاقتصادي الأوكراني راكوفسكي لهذا السبب خرج ليونيد كوتشما ورجاله راضين وكل شيء صار على ما يرام بالنسبة للأسر الاقتصادية المتنفذة‚ \r\n \r\n ولكن الأسر هذه تريد الآن الحد من سلطات الرئيس بالضبط لأن يوتشينكو يستطيع تعيين رئيس الوزراء وحكام الاقاليم ويعطي الأوامر لسلطات الضرائب بملاحقة الشركات التي تتهرب من دفع الضرائب‚ وتريد هذه الأسر الاقتصادية المتنفذة رئيس وزراء تستطيع ان تتحكم به‚ وتلك كانت المشكلة الجوهرية خلال الأيام القليلة الماضية‚ \r\n \r\n احدى الأسر القوية مقرها دونتيسك القاعدة القوية المؤيدة لكوتشما حيث يدير زوج ابنته فيكتور بنتشوك مؤسسة انتربايب وأوكروبانك خامس اكبر بنك في أوكرانيا‚ وقد انضم بنتشوك مؤخرا الى رينات اخمتوف اقوى وأغنى رجل اعمال في دونتيسك الذي يتولى رئاسة مجموعة مالية صناعية منوعة‚ «سيستم كابيتال مانيجمنت» وكلاهما تمكنا من شراء مصانع الفولاذ عقب ان اصدر صندوق ممتلكات الدولة قواعد المزايدات التي تحبذ المستثمرين الأوكرانيين على الأجانب‚ \r\n \r\n ورغم صلة القرابة مع كوتشما إلا ان اخمتوف قد ينتهي به المطاف بتأييد توتشينكو لسبب بسيط لانه آخر شيء يريده إذا ما فاز يوتشينكو هو اعادة تأميم مصانع الفولاذ وقد يتوصل اخمتوف الى صفقة مع يوتشينكو ويوافق على دفع المزيد من الأموال للدولة‚ \r\n \r\n اذا حدث هذا الأمر فإن ذلك سوف يضعف فكرة انقسام البلاد بين المصالح الموالية للغرب والمصالح الموالية لروسيا‚ \r\n \r\n فقد تكون دونتيسك وخاركوف دنيبرو بتروفسك ضد يوتشينكو لانه يريد تطبيق حكم القانون والشفافية ولكن هذا لا يعني بانها موالية لروسيا فالأكرانيون يريدون حماية مصانع الفولاذ كمصالحهم الوطنية حتى لو ان المستثمرين الروس والهنود والأميركيين مستعدون لدفع أموال أكثر‚ \r\n \r\n وتأكيدا على ذلك قام الاتحاد الصناعي في دونباس قلب قطاع الفولاذ والفحم المقرب من كوتشما بزيارة يوتشينكو في كييف واصدر رسالة ضد تزوير الانتخابات‚ \r\n \r\n ومن اللاعبين الأقوياء في شرق أوكرانيا ايغور كولومويسكي رئيس المجموعة الخاصة وكان سابقا رئيس البنك المركزي الأوكراني وأكبر الموجودات الصناعية للمجموعة هي المعادن الفلزية والفحم الخشبي وهو حتى الآن مولي يانوكوفيتش‚ ولكن في خاركوف الأسرة الأقوى تمتلك الصناعات الكيماوية ومجمع الصناعات المعدنية برئاسة الكساندر باروسلافسكي الذي بدأ ينحاز ببطء الى يوتشينكو‚ \r\n \r\n وفي الوقت الذي تتدارس فيه الأسر الاقتصادية المتنفذة مصالحها توجد ليوتشينكو الأسر المتنفذة الداعمة له وأهمها تلك التي يقودها بترو يوروشينكو رئيس اوكروبروموفيست بالاضافة الى مجموعته الصناعية لبناء واصلاح السفن ومصانع تجميع السيارات‚ يمتلك بترو يوروشينكو القناة التليفزيونية الخامسة ذات الشعبية الواسعة والتي لعبت دورا حاسما في تغطية المظاهرات ولعبة شد الحبل بين معسكري يوتشينكو ويانوفونيتش‚ وفي اوقات فراغه يترأس يوروشينكو لجنة الميزانية القوية التابعة للبرلمان مما يدلل على ان البرلمان يدار من قبل الأسر الاقتصادية وليس من قبل الأحزاب السياسية‚ \r\n