لكن تلك السعادة انتهت بعد أن ارتكب خطأ أن يصبح مخبرا عن الارهاب لدى مكتب المباحث الفيدرالي، وفقا لما قاله العنسي والدموع في عينيه اثناء مقابلة معه قبل ثلاثة اسابيع. واضاف ان موضوع تعاونه تسرب وكانت عائلته في اليمن غاضبة منه. وبعضهم وصفه بالخائن. وماتت زوجته جراء اصابتها بالسرطان وبات مفلسا وأوراق الاقامة الأميركية التي كان مكتب المباحث الفيدرالي قد وعده بها لم تنجز. \r\n وفي الأسبوع الماضي دفعته حالة الكآبة واليأس الى محاولة الانتحار باشعال النار في نفسه أمام البيت الأبيض. وفي ملاحظة أرسلت بالفاكس الى صحيفة «واشنطن بوست» والى مسؤولين في مكتب المباحث الفيدرالي قبل ساعات من ذلك قال العنسي انه لن يقدم شهادة في محاكمة هامة لقضية ارهاب تجري في نيويورك في يناير (كانون الثاني) المقبل لأن عائلته في اليمن ستقتل انتقاما و«أنا ايضا سيكون الموت نصيبي». \r\n وسلط عمله الدراماتيكي الأضواء على العالم السري الغائم للمخبرين. وهو عالم أصبح مضاعف الأهمية منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، حيث مؤسسات الاستخبارات وتنفيذ القوانين الأميركية تكافح من أجل اختراق القاعدة والشبكات الارهابية الأخرى بهدف منع وقوع هجمات. وقال بعض الخبراء ان محاولة انتحار العنسي التي باتت معروفة على نطاق واسع قد تخلق صعوبات أمام تلك المهمة. وقال سكيب براندون، النائب السابق لمساعد مكتب المباحث الفيدرالي والذي يعمل حاليا في شركة سميث براندون الدولية للاستشارات الاستخباراتية «ان ذلك لن يكون مهلكا لعمل تطوير العلاقة مع مصادر المعلومات ولكن سيكون هناك مسؤولون عن مخبرين ممن سيحاولون استغلال هذا الحادث». \r\n ويرقد العنسي تحت حراسة مكتب المباحث الفيدرالي في مستشفى بنيويورك حيث رفعت حالته الصحية الى درجة معتدلة. ورفض مكتب المباحث الفيدرالي التعليق بشأن العنسي الذي يتهمه بعض اقاربه بالقيام باعمال تجارية تميزت بالغش. \r\n * حقائق وأكاذيب \r\n * تثير جوانب من رواية اليمني البالغ من العمر 52 عاما حول علاقته مع مكتب المباحث الفيدرالي الشكوك أو يصعب التحقق منها. ولكن سجلات المحكمة والمقابلات مع مصادر في هيئة تنفيذ القوانين تبدو مؤكدة لمزاعمه من أنه ساعد مكتب المباحث الفيدرالي في عدد من قضايا الارهاب خلال السنوات الثلاث الماضية بما في ذلك القاء القبض في يناير (كانون الثاني) 2003 على قيادي حزب الاصلاح اليمني الشيخ محمد المؤيد رجل الدين اليمني البارز الذي يواجه محاكمة في نيويورك بتهم تمويل القاعدة. \r\n وأسباب ابتعاد العنسي عن مكتب المباحث الفيدرالي ومحنته العاطفية المتزايدة ليست واضحة تماما على الرغم من أن الخبراء قالوا بأنه ليس من غير المألوف بالنسبة لمثل هؤلاء المجندين ان يعانوا من الشعور بالندم على عملهم كمخبرين عندما يقترب وقت اضطرارهم الى الادلاء بشهادة في محاكمة علنية. وقال براندون ان «ذلك يضع كثيرا من الضغط عليهم. ومن الناحية النظرية فانه اذا كان مخبرا لدى مكتب المباحث الفيدرالي وانهم قرروا استغلاله في المحاكمة، فان آخر شيء يمكن ان يفعله المرء معه هو اساءة معاملته بأية طريقة كانت. اجد من الصعوبة التصديق بأنهم رموا هذا الشخص في القمامة ويأملون بعثه من جديد في يناير المقبل. وربما يكون الأمر أن مطالبه كانت مثيرة للحنق بحيث انه خرق النظام ببساطة». \r\n \r\n * مشاكل مالية \r\n * ويبدو أن مشاكل العنسي الشخصية والمالية تعود جزئيا على الأقل الى اخطائه. فقد قال ان مكتب المباحث الفيدرالي دفع له مبلغ 100 ألف دولار في يونيو (حزيران) 2003، وهو مبلغ يعتبر سخيا جدا في نظر بعض خبراء الاستخبارات. غير انه في مايو (ايار) اتهم بالقيام بارتكاب جريمة احتيال مصرفي في المحكمة الفيدرالية ببروكلين في نيويورك لكتابته شيكات بدون رصيد، وهي قضية حاول مكتب المباحث الفيدرالي ان يخفيها. \r\n ووفقا لما ذكره ثلاثة اشخاص التقوا العنسي في الولاياتالمتحدة فانه استخدم القابليات ذاتها التي جعلته مخبرا قديرا لدى مكتب المباحث الفيدرالي لأغراض أخرى. وقال الثلاثة، وهم مهاجرون من بيرو ومصر وإريتريا، في مقابلات معهم ان العنسي استغل تعاطفهم وتملص من دفع آلاف عدة من الدولارات وهو يروي قصصا محزنة حول مشاكل طبية وعائلية ويقدم وعودا بتسديدها خلال وقت سريع. وقال سيد محمود علي، وهو سائق ليموزين في فندق الهوليداي ان «انه يخبر كل امرىء قصصا مختلفة»، مضيفا «انه بدأ يبكي وعندما فعل ذلك رق قلبي عليه». وقال العنسي انه بعد اعتقال الشيخ محمد علي المؤيد سأل احد مسؤوليه من مكتب المباحث الفيدرالي عن المال. وقال انه «قال لي: كم تريد؟ فأجبت: خمسة ملايين. وبدأ يضحك علي». وقال ان مكتب التحقيقات الفيدرالي حول، اخيرا، مبلغ 100 ألف دولار الى حسابه المصرفي وطلب منه توقيع وصل بتسلم المبلغ. وقال بات لانغ الرئيس السابق للاستخبارات في الشرق الأوسط في وكالة الاستخبارات الدفاعية «انه مبلغ كبير يدفع لمخبر». \r\n وأكد مصدر في هيئة تنفيذ القوانين الأسبوع الماضي انه دفع للعنسي مبلغا ماليا كبيرا «نسبيا». غير ان العنسي قال انه لا يعتبر المبلغ المدفوع له دفعة نهائية. وقال «لست مجنونا لأحطم حياتي لقاء هذا المبلغ المتواضع». وفي 9 نوفمبر (تشرين الثاني) ارسل رسالة بالفاكس من سبع صفحات طلب فيها خمسة ملايين دولار، وإلا فإنه سيقاضي مكتب التحقيقات الفيدرالي ويطالبه بدفع 20 مليونا. وقال براندون: «ليس مستغربا أبدا أن يكون للناس أفكار مضخمة عن قيمة المعلومات التي يعطونها. وهذا متوقع في مجال لا يحظى فقط باهتمام وطني بل باهتمام دولي هو مكافحة الإرهاب. وواحدة من المشاكل التي ظل زملائي يواجهونها منذ 11 سبتمبر (يلول) هي هذا السيل من البشر الراغبين في بيعهم بعض المعلومات. واغلب هؤلاء لا يهمه غير جمع المال». \r\n وقال العنسي أنه استخدم جزءا من مبلغ ال 100 ألف دولار في تأجير منزل في منطقة وابينغرز فولز، في نيويورك، متوقعا أنه سيتمكن من إقناع عائلته بأن تلحق به في نهاية الأمر. وقد اشترى كذلك أثاثا للمنزل بمبلغ 25 ألف دولار وسدد بعض الديون. واضاف العنسي إن «اف بي آي» وعده بأن يزوده برأسمال يمكن أن يبدأ به عملا تجاريا صغيرا. وقال إنه قرر أن يشتري محلا للغسيل الجاف بنيويورك ليس بعيدا عن وابينغرز فولز. وقال إنه دفع 25 ألف دولار كمقدم بينما وعد المكتب بتسديد بقية المبلغ وهو 49 ألف دولار في أقساط شهرية بمعدل 3 آلاف دولار في الشهر. \r\n لكن المتاعب سرعان ما بدأت. وقال العنسي إنه اصيب بالمرض من جراء تعرضة للكيماويات في صابون الغسيل، وإن مكتب المباحث أوقف دفع الاقساط بعد شهرين. وأضاف أنه بعد أن انتقل إلى فرجينيا، سعى إلى المساعدة في عمل المركز الإسلامي المسمى دار الهجرة بفولز تشيرتش. وقال إنه استخدم اسما مزيفا لأنه كان يعرف أن الجميع نمى إلى علمهم أن هناك شخصا ما باسم محمد العنسي تعاون مع المباحث على اعتقال المؤيد. وقد عمل في مكتبة المركز التجارية. \r\n وقال عنه جمال عبد المعطي إنه «غريب الأطوار» وقال إنه بلا مأوى عندما جاءهم في يوليو (تموز). وأضاف إنه سمح للعنسي بالبقاء في شقته عندما كان هو غائبا وكلفه ببعض المهام في المكتبة. ثم اختفى العنسي في ظروف غامضة. وقال عبد المعطي إن المسجد ظل يبحث عن العنسي، لأنه أجرى محادثات خارجية بلغت قيمتها 1500 دولار من هاتف المسجد. وقال العنسي، الذي بدا مكتئبا اكتئابا عميقا في المقابلات التي اجريت معه مؤخرا، أنه يعرف أنه سيعتقل إذا عاد إلى بلاده ولكنه قال إن هذا لا يهمه في كثير أو قليل. وأضاف: «أنا أشعر بخوف شديد وبتوتر عميق. ولكنني في النهاية أشعر أنني أديت عملا جليلا للشعب الأميركي. إنني أحب الشعب الأميركي جدا. وعندما أفعل شيئا يحميهم من أخوان السوء فإنني اشعر بالسعادة. ولا أعتقد أن الشعب الأميركي سيكون سعيدا إذا ماتت زوجتي قبل أن اراها. هل هذا جزائي؟... أن أظل حبيسا في هذه البلاد؟» ، مضيفا أنه لا يستطيع أن يعود إلى وطنه ليعود زوجته المريضة بدعوى ان مكتب المباحث حجز جواز سفره. ولكن بعد محاولة الانتحار التي أقدم عليها امام البيت الابيض الاثنين الماضي ، فتشت الشرطة شقته، وكان من ضمن ما وجدته جواز سفر باسم «محمد م.م. العنسي». \r\n \r\n \r\n * خدمة «واشنطن بوست» خاص ب«الشرق الأوسط»