الفقرة الأولى تتعلق بالعملية الانتخابية نفسها. فهي تنص على ان العراق دائرة انتخابية واحدة، ويتحدد عدد المقاعد في البرلمان لكل من الأحزاب أو القوائم من خلال عدد الأصوات التي يحصل عليها. انه النظام نفسه تقريباً الذي جرت بموجبه الانتخابات الاسرائيلية في 1949، والأرجح ان اختياره كان للاسباب نفسها التي للنظام الانتخابي العراقي الحالي - بمعنى ان اضطراب وضع العراق في 2004، مثل اضطراب وضع دولة اسرائيل الجديدة قبل أكثر من خمسين سنة، والافتقار الى حدود واضحة، حال دون اختيار نظام يقوم على دوائر انتخابية محلية. \r\n \r\n هناك درسان تقدمهما التجربة الاسرائيلية السياسية. الأول يتعلق بالممارسات الفعلية في الحياة السياسية الحزبية هناك. فنظراً الى الترابط بين نظام القوائم ونظام التمثيل النسبي الذي يحدد عدد الفائزين في كل من القوائم، هناك أهمية حاسمة لتسلسل أسماء المرشحين على القائمة المعنية، وهو ما يعطي نفوذاً هائلاً للقادة السياسيين الذين يمكنهم تحديد التسلسل في القائمة. الجدير بالملاحظة ان اسرائيل حاولت في تسعينات القرن الماضي التغلب على بعض النواقص الواضحة في هذا النظام عن طريق اجبار كل حزب على التصويت في صفوفه لتحديد تسلسل المرشحين. لكن لم يبرز ما يدل على تراجع مهم في تأثير القيادات على اختيار المرشحين. \r\n \r\n كما تشير التجربة الاسرائيلية الى ان نظاماً كهذا لا يسمح لأي قائمة بأخذ أكثر من نصف أصوات الناخبين، وهو وضع يفرض دوماً تشكيل حكومات ائتلافية. اضافة الى ذلك فإن هذا النظام، عكس الأنظمة الانتخابية الأخرى، يزيل العلاقة بين النائب في البرلمان وأي قاعدة انتخابية محلية، مركزاً بدلاً من ذلك على القاعدة الوطنية عموماً للحزب أو القائمة. \r\n \r\n الدرس الثاني من تاريخ اسرائيل السياسي هو أن نظام 1949، الذي كان يفترض استبداله بنظام يقوم على الدوائر المحلية، استمر الى الآن. واذ ليس من الممكن تقديم تعليل كامل لذلك، فلا بد أن السبب، في جزء منه، هو ان النظام يصب في مصلحة القيادات السياسية، وفي جزء آخر استحالة تصور اتفاق عام على نظام بديل. هل سيحصل الشيء نفسه في العراق؟ \r\n \r\n النقطة الأخرى في الدستور العراقي الموقت هي الدعوة الى اجراء احصاء سكاني في تشرين الأول (اكتوبر)، وهو شرط ضروري ليس لتهيئة القوائم الانتخابية فحسب ولكن أيضاً لتسوية العديد من الخلافات المتوقعة على تحديد الغالبية الدينية أو الاثنية أو اللغوية في أي من المحافظات وكذلك تحديد نسب الأقليات فيها. من الأمثلة على ذلك كركوك، التي بيّن احصاء 1957، وهو آخر احصاء عراقي موثوق، ان نسبة التركمان في المدينة بلغت أربعين في المئة مقابل 35 في المئة للأكراد، فيما شكل الأكراد في المحافظة عموما نحو خمسين في المئة. \r\n \r\n مستتبعات ذلك للمستقبل كبيرة الأهمية بالطبع. فمن جهة سيكون للارقام التي يقدمها الاحصاء الجديد تأثير قوي على الطريقة التي تهيء فيها الأحزاب نفسها لخوض انتخابات كانون الثاني (يناير) من حيث تحديد المواقف والقضايا التي تريد التركيز عليها. من الجهة الثانية سيكون لخلق جغرافية سياسية جديدة للعراق تأثير كبير على السبل التي ستتوسلها الغالبية الشيعية و«الأقليات» الأخرى لحماية نفسها ومصالحها. وهنا يمكن القول ان الصيغ الغائمة في الدستور الموقت حول هذه القضية - مثلاً، أن تحديد وضع سكان كركوك وغيرها سيكون «متوافقاً مع مبادىء العدالة» و«يأخذ في الاعتبار ارادة الشعب» - تشير الى المشاكل والأخطار المتوقعة. \r\n \r\n عند هذه النقطة يدخل البعد التاريخي: فقد كانت بداية اقامة نظام دولي خاص لحماية الاقليات في المعاهدات التي تلت الحرب العالمية الأولى، التي استحدثت دولاً جديدة في أوروبا الشرقية أو غيّرت التركيبة الاثنية لدول كانت موجودة أصلاً. واذ لم تطلب عصبة الأمم من بريطانيا وفرنسا عندما اعطتهما سلطة الانتداب في الهلال الخصيب اخذ أوضاع الاقليات في الاعتبار فإن سلطتي الانتداب اهتمتا بالعلاقات بين الغالبية السنية والأقليات، وبأشكال متعددة. ففي بعض الحالات، تم تخصيص عدد من مقاعد البرلمان للاقليات ، وفي حال مثل سورية شكلت فرنسا ادارات خاصة لبعض أهم الاقليات، مثل الدروز والعلويين. \r\n \r\n لكن هذه الآليات الخاصة ما لبثت ان تلاشت بعد الاستقلال، عندما اُعتبرت مناقضة لعملية بناء الأمة. من الأمثلة الأوضح على ذلك ما حصل في العراق في المفاوضات التي قادت الى الاستقلال في 1932، عندما تم رفض مطالبة الآشوريين بوضع خاص. السبب، حسب تعبير المندوب السامي البريطاني الى مجلس الأمن، كان أن الوضع الخاص «قد يميل الى منع أعضاء الاقليات المعنية من اعتبار انفسهم، أو منع اعتبار الآخرين لهم... مواطنين حقيقيين في الدولة - الأمة، حيث لا أمل مؤكداً لهم في الرفاه مستقبلا إلا ضمنها». \r\n \r\n والكل في العراق يعرف ما حصل للآشوريين بعد ذلك على يد الجيش العراقي. ان قضايا كهذه تعود اليوم وفي شكل أحدّ بكثير. والمؤكد أن من شأن الاحصاء الجديد والانتخابات الجديدة - اذا أجريا بالفعل - جعلها أكثر استعصاء على الحل، على الاقل في المدى القريب أو المتوسط. اننا لن نعرف اذا ما كان بالامكان تجنب الكثير من هذا لو لم تلعب اعتبارات العرق والدين، والغالبية والأقليات، ذلك الدور المهم في تفكير السفير بريمر ومستشاريه في سلطة الائتلاف الموقتة. لكن هذه الاعتبارات ستبقى مخيمة على مستقبل السياسة العراقية مثلما خيمت عليها في الماضي. \r\n \r\n مدير مركز دراسات الشرق الاوسط في جامعة هارفرد. \r\n