وعند قيامها بإعلان قرارها في هذا الشأن في موعد سابق من هذا الشهر‚ استشهدت واشنطن بدور فنزويلا في تهريب النساء والأطفال لاستغلالهم جنسيا‚ كسبب لاقدامها على اتخاذ هذا القرار‚ \r\n \r\n وعلى الرغم من ان الإدارة الأميركية تستحق الاشادة لاعطائها اولوية قصوى لهذه المسألة‚ إلا ان هناك اسئلة جدية عديدة حول الدوافع الحقيقية للقرار الأميركي‚ فمن الصعب رؤية أي فوائد عملية لذلك القرار‚ كما انه من الصعب ايضا استنتاج ما يمكن لتلك العقوبات ان تحققه على ارض الواقع‚ وكيف يمكنها ان تفيد في تعزيز مصالح الولاياتالمتحدة الأميركية‚ وقضية الاستقرار الديمقراطي في أميركا اللاتينية‚ \r\n \r\n هذه ليست الطريقة المناسبة للتعامل مع الرئيس «شافيز» خصوصا وان شعبيته قد تعززت بعد الاستفتاء على رئاسته الشهر الماضي‚ وعلى الرغم من الاعتراضات التي ثارت على تلك الانتخابات التي ما زال العديد من قوى المعارضة في فنزويلا ذاتها يعتبرها مزورة‚ فإن «شافيز» قد خرج منها وقد ازداد شرعية على الصعيد الدولي‚ وإذا ما أخذنا التراشقات الحادة التي وقعت بين إدارة بوش وحكومة «شافيز» على مدار الأعوام الماضية في الاعتبار‚ فإننا سنتوصل الى نتيجة وهي ان اميركا قد اضطرت للقبول بنتيجة الاستفتاء على رئاسة «شافيز»‚ ولكن على مضض‚ \r\n \r\n لقد بدت تلك اللحظة (لحظة قبول أميركا نتيجة الاستفتاء) وكأنها اللحظة المناسبة كي يقوم البلدان باستئناف علاقات أكثر براغماتية بينهما‚ وكون فنزويلا رابع أكبر مصدر للنفط الى الولاياتالمتحدة‚ في الوقت الذي تحيط به أجواء من عدم اليقين في الشرق الأوسط‚ كان يجب ان يكون في حد ذاته دافعا للبحث عن تسوية مؤقتة بين البلدين‚ \r\n \r\n وعلى رغم ان العقوبات التي اتخذتها واشنطن قد تكون مرضية لبعض المتشددين في إدارة بوش‚ فإن الأمر المرجح هو انها ستقوم أيضا بتوفير المزيد من الذرائع للمتشددين في «كراكاس»‚ الذين يصرون منذ زمن طويل‚ على ان محاولة التعامل مع واشنطن التي تتبنى سياسات معادية ضد بلادهم هي محاولة عقيمة‚ \r\n \r\n وهكذا‚ وبدلا من قيام الإدارة الأميركية بتدعيم جانب الاعتدال في حكومة «شافيز» فإن قرارها الأخير ضده يمكن ان يدفع باتجاه المزيد من الراديكالية في فنزويلا‚ \r\n \r\n والعقوبات التي فرضتها الولاياتالمتحدة على ذلك البلد لن تزيد بأي حال من الأحوال عن كونها وخزة دبوس‚ لانها لا تحول دون قيام البنك الدولي‚ ولا بنك التنمية للأميركيتين بالموافقة على القروض ولا تحول دون حصول فنزويلا على تأييد من دول أخرى لطلباتها المقدمة الى المؤسسات المالية الدولية‚ \r\n \r\n وعلاوة على ذلك‚ فإن مبلغ تلك القروض الذي لا يتجاوز 250 مليون دولار يعتبر بمثابة مصروف جيب بالنسبة ل «شافيز» الذي يتمرغ الآن في النعم الهائلة التي تدفقت على بلاده بفعل الارتفاع القياسي في أسعار النفط وحتى إذا ما افترضنا ان القرار الأميركي في هذا الشأن يمكن ان يكون له فعلا دور في تقليص تجارة النساء والأطفال لأغراض الجنس‚ أو في جعل «شافيز» أكثر ديمقراطية‚ فإن هذا الدور سيكون هامشيا الى أقصى حد‚ بل ان الاجراء الذي اتخذته الولاياتالمتحدة ضد «شافيز»‚ يمكن ان يدفع دولا أميركية لاتينية أخرى الى دعم التصويت لصالح الموافقة على منح قروض لفنزويلا لمجرد الرد على اميركا بشكل أو آخر لأنهم سينظرون الى القرار الأميركي على أنه قرار ذو دوافع سياسية‚ وان توقيته والمنطق الذي استندت عليه واشنطن في اتخاذه قد سبب لها قدرا كبيرا من التشويش والحيرة‚ \r\n \r\n وعلاوة على ذلك فإن ذلك القرار سيذكر دول أميركا اللاتينية ايضا بالموقف القائم منذ فترة طويلة والذي حقق نتائج عكس المأمول منه‚ وهو الذي تتخذه واشنطن ضد كوبا «تذكروا الاتهامات الأميركية الأخيرة بوجود أسلحة نووية في تلك الدولة»‚ \r\n \r\n واتخاذ تجارة النساء والأطفال لأغراض الجنس سببا للقرار الذي اتخذته واشنطن‚ يخاطر بالتهوين من‚ وتسيس تلك القضية التي تعتبر واحدة من أخطر القضايا في أميركا اللاتينية‚ ويقول خبراء حقوق الإنسان المحايدون‚ ان سجل فنزويلا في هذه التجارة‚ على رغم انه يدعو للقلق الشديد‚ إل انه لا يزيد في بشاعته عن سجل دول أخرى نجحت بطريقة ما في الإفلات من عقوبات مماثلة‚ ويلاحظ انه فيما يتعلق بتقرير وزارة الخارجية الأميركية لعام 2003‚ فإن فنزويلا لم تظهر حتى ضمن الدول الخمس الأولى التي قام ذلك التقرير بتصنيفها على انها الدول المتهمة الخمس الرئيسية في نصف الكرة الغربي في مجال تهريب النساء والأطفال لاستخدامهم في أغراض جنسية‚ صحيح ان فنزويلا في ذلك التقرير قد تحركت لتصبح ضمن فئة الدول الأكثر إثارة للمشاكل «الطبقة الثالثة»‚ إلا ان إدارة بوش لم تقدم أدلة مقنعة ومؤثرة تستدعي منها ان تخص فنزويلا على وجه التحديد بهذا الاتهام‚ \r\n \r\n وفي نقطة معينة من المستقبل‚ يمكن للعقوبات التي تستجيب بالفعل‚ وتلائم الانتهاكات التي تحدث‚ ان تتحول الى قوة ضغط تدفع باتجاه التغيير الديمقراطي‚ أما الآن‚ فإن الأمر الأهم كثيرا من العقوبات بالنسبة للولايات المتحدة هو ان تقوم هي وغيرها من دول أميركا اللاتينية بالانشغال بالشأن الفنزويلي على المدى الطويل‚ على أمل ابقاء ميول الرئيس «شافيز» الأتوقراطية تحت السيطرة من ناحية‚ وتشجيع التقدم الديمقراطي في ذلك البلد من ناحية أخرى‚ \r\n \r\n وفي النهاية نقول ان موافقة واشنطن الأولية الضمنية على الانقلاب الذي وقع ضد «شافيز» منذ عامين ونصف‚ أثرت سلبا على قدرتها على التأثير على الديمقراطية في فنزويلا‚ وبالتالي فإن القرار الأخير الذي اتخذته لن يساعد بأي حال من الأحوال على استرداد مصداقيتها المفقودة‚ \r\n