فخلافا لما كانت عليه الحرب على العراق، لا توجد ثمة خلافات تذكر بين الجانبين الأميركي والأوروبي حول موقفهما من المطامح الإيرانية، خاصة وأنهما اشتركا معا في رفع الأمر للوكالة الدولية للطاقة الذرية. ولا يزال الطرفان يأملان في أن تؤدي إجراءات التفتيش الصارمة التي تتبعها الوكالة، فضلا عن التهديد بفرض عقوبات اقتصادية على طهران، إلى أن تبطئ إيران على الأقل في المضي نحو تحقيق أهدافها النووية. \r\n \r\n لكن وعلى رغم هذا التفاؤل، إلا أن كلا من الحليفين الأميركي والأوروبي يدرك أن المساعي التي تبذلها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لن تفلح في نهاية المطاف في صد الإلحاح الإيراني والتطلع إلى تطوير الأسلحة النووية ونشرها. فهي حتما ستخترق حاجز الرقابة المضروب حولها. وفي حالة إيران كما هو الحال بالنسبة لكوريا الشمالية، فقد أثبتت كلتا الدولتين، مدى التقدم الذي تستطيع إحرازه أي منهما، باتجاه الحصول على الأسلحة النووية، وتحت سمع وبصر الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فمن خلال التعمية والسرية والمراوغة والتحايل، تستطيع الدولة الطامحة نوويا، تطوير بنية تحتية نووية متقدمة، على رغم وجود المفتشين الدوليين والضغوط التي يمارسونها عليها. ولهذه الأسباب مجتمعة، فربما تساعد ضغوط الوكالة في إبطاء إيقاع تطوير إيران لأسلحتها النووية، وعرقلة جهودها في هذا المسعى إلى حد ما، غير أنه لن يكون في مقدور الوكالة مطلقا، توفير الحل الناجع والدائم لها. \r\n \r\n وعليه، فإن الخيار الذي كثيرا ما يدور التفكير فيه داخل أروقة الإدارة الأميركية وجهات اتخاذ القرار، هو اتخاذ الحل الجراحي العسكري الوقائي، دون أن يعلن ذلك صراحة حتى الآن. لكن وكي يحقق هذا الخيار العسكري هدفه على أفضل نحو ممكن، فإنه لا بد لواشنطن من معلومات استخباراتية دقيقة، وأسلحة دقيقة كذلك في إصابة أهدافها. وبالنظر إلى ما اعترى الأداء الاستخباراتي السابق لحرب العراق من ضعف وهزال، فإنه من غير المرجح أن تختلف سمات الضعف هذه في تقييم الوضع الإيراني على النحو الصائب والدقيق. وفوق ذلك، فإن لإيران تدابيرها واحترازاتها التي ظلت تطورها منذ مدة ليست بالقريبة، تحسبا لتوجيه ضربة عسكرية محتملة لمنشآتها النووية. فبتوزيعها لمنشآتها وبرامجها النووية على امتداد البلاد كلها، علاوة على تعزيز حماية البرامج والمنشآت القابعة تحت الأرض، تستطيع إيران أن تضمن نجاة بعض هذه البرامج على الأقل من ضربة عسكرية كبيرة، ليست بمستبعدة في حساباتها. \r\n \r\n هذا جانب لا بد من الأخذ به بعين الاعتبار. كذلك وبعيدا عن المصاعب اللوجستية الكبيرة التي تحيط بتوجيه ضربة عسكرية لطهران، فإنه لا بد من الأخذ أيضا بردود الفعل الإيرانية \"الإرهابية\" التي تستهدف الولاياتالمتحدة ومصالحها في المنطقة، بما في ذلك، إلهاب نيران العنف والتطرف ضد الوجود العسكري الأميركي في العراق. وبالفعل فقد أشار الأدميرال محمد شافعي رشدي، نائب وزير الدفاع الإيراني، إلى خطة كهذه، في معرض تصريحه عن تطوير إيران لاستراتيجية واسعة من هذا النوع، هدفها التصدي لأي ضربات عسكرية مناوئة ربما تتلقاها إيران. وقال رشدي، إن الاستراتيجية تتضمن مشاركة لاعبين إقليميين إضافيين. \r\n \r\n أهم من ذلك وقبله، فإن توجيه ضربة عسكرية أميركية إلى طهران، يعني وضع حد تلقائي لعضوية إيران في معاهدة حظر نشر الأسلحة النووية، مما يعني في المقابل، إطلاق الحبل على الغارب لطهران في مواصلة شوط المروق إلى آخر النهايات، وتطوير ما تريد من أسلحة وقنابل نووية. وقد ألمح لهذا المعنى، علي الشمخاني وزير الدفاع الإيراني بقوله: إذا ما وجهت ضربة عسكرية إلى إيران، فإن ذلك يوجبها بالتخلي عن أي التزامات نووية سارية الآن. إن حدث ذلك، فإن توجيه ضربة عسكرية أميركية إلى طهران، ربما لا يقف عند حدود الفشل في تدمير البنية التحتية النووية لإيران فحسب، بل ربما يدفع بها شوطا بعيدا ومتسارعا باتجاه اختراق الحاجز النووي. \r\n \r\n نخلص إذن، إلى أن السبيل الأمثل لنزع فتيل الخطر النووي الإيراني، هو الدخول معها في مفاوضات مباشرة، لا تختلف عن تلك التي تجري الآن مع كوريا الشمالية. وهناك سؤال جوهري لا بد من إثارته ووضعه في الاعتبار: لماذا تسعى طهران للحصول على الأسلحة النووية؟ \r\n \r\n فعلى رغم افتراضات الكثيرين في واشنطن، ممن يعزون هذه الرغبة الإيرانية إلى دوافع تعود إلى لاعقلانية آيديولوجية، إلا أن لطهران في الحقيقة دوافعها العقلانية الاستراتيجية المحسوبة جيدا، وراء سعيها للسلاح النووي. فبالنظر إلى توتر علاقاتها مع الولاياتالمتحدة الأميركية، وتطويقها من قبل قواتها في المنطقة، فإنه يغدو منطقيا أن تسعى إيران لتطوير رادع نووي للخطر الأميركي عليها. وفيما لو أكدت واشنطن التزامها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية، وكفت عن تلويحها باستراتيجية تغيير نظامها الحاكم، فإن ذلك من شأنه أن يطمئن إيران ويفل من عزم معارضتها الداخلية التي تصر دائما على أن لإيران برامج نووية تستهدف تطوير ردع نووي في مواجهة واشنطن. وفي وسع واشنطن أن تقدم تعهدا كهذا لطهران، سيما وأنها قدمت تعهدا شبيها به لكوريا الشمالية من قبل. \r\n \r\n إلى جانب هذه الاستراتيجية الدبلوماسية لحل الأزمة، فإن في وسع واشنطن أن تدعمها بتخفيف حدة العقوبات الاقتصادية التي تفرضها على نظام طهران. ومثلما حدث مع بلدان أوروبا الشرقية، فإن عملية الدمج الاقتصادي البطيء والتدريجي للاقتصاد الإيراني في اقتصاد العولمة والسوق الحرة، من شأنها أن تحفز الضغوط الداخلية الرامية لإرخاء القبضة المركزية الحكومية على الاقتصاد، وتوجيه القيادات الإيرانية المتشددة، للاقتراب أكثر فأكثر من الغرب. هكذا نكون قد عززنا موقف التيار الإصلاحي المعتدل في إيران، ومن ثم حفزنا الضغوط الداخلية المطالبة بالتغيير نحو نظام حكم أكثر تعددا ومسؤولية. \r\n \r\n راي تقي \r\n \r\n زميل رئيسي لدى مجلس العلاقات الخارجية الأميركية \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n