\r\n ان مثل هذا النقاش يمكن ان يرغم بوش على ان يدرك انه يخسر طروحاته المعنوية والعملية في العراق بسبب تخلي ادارته عن التزامها باحلال الديمقراطية وحكم القانون هناك, كما انه يمكن ان يرغم كيري على الخروج ببديل واضح وواقعي للمأزق العراقي, في حالة وجود مثل هذا البديل لديه. \r\n \r\n لا شك ان اختيارات المرشحين والتزاماتهم نسبة متكافئة. فاختيارات بوش لا تنحصر في الفرضيات التكتيكية كما هي بحال بالنسبة لوعود كيري لان ما يقوله بوش, في حالة تمسكه بما يقول, يترك آثاراً عميقة في العراق والولاياتالمتحدة وربما العالم بأجمعه. \r\n \r\n في الخريف الماضي, القى جورج بوش ثلاثة خطابات تعهد فيها بوضع نهاية لستين عاماً من الدعم الامريكي الجاهز لاعمال الاضطهاد والقمع التي تمارسها الحكومات العربية. وقال ان الاخلاق والمصلحة العملية تقتضيان ان تقوم واشنطن بدعم الديمقراطية في المنطقة. وان على العراق ان يكون النموذج الرائد. \r\n \r\n لكن يبدو ان اولويات بوش قد تغيرت اليوم, حيث تشارك ادارته في مخططات لا تستهدف اقامة الديمقراطية في العراق انما ترمي الى تأمين الغطاء السياسي داخل الولاياتالمتحدة واثارة الفزع والاضطراب في طهران. \r\n \r\n ان تزامن الهجمات العسكرية التي تشنها القوات الامريكية على المقاتلين الشيعة في النجف مع تنفيذ لعبة سياسية جديدة ووحشية ضد السياسي الشيعي المشاكس احمد الجلبي في بغداد والاجراء القمعي الذي اتخذ من اجل خنق الانباء المهمة المتعلقة بهذه الاحداث عن طريق اغلاق مكتب قناة الجزيرة في العراق يؤكد الحقيقة المتمثلة في عودة البيت الابيض الى التسامح ازاء ذلك النوع من »الاستقرار« القائم على وجود زعيم متسلط وقمعي في العالم العربي. \r\n \r\n ان رئيس الوزراء العراقي المؤقت اياد علاوي, الذي حظي لزمن طويل بدعم وكالة الاستخبارات الامريكية, يقدم اليوم الدعم اللازم للحملات ذات العلاقة بالوكالة والتي تستهدف تدمير الجلبي واستخدام العراق كأداة لزعزعة حكم آيات الله الشيعة في ايران. \r\n \r\n ان اهم ما تريده وكالة الاستخبارات المركزية هو حماية علاقاتها الوثيقة مع الحكومات العربية السنية, التي تخاف من القوة الشيعية في كل من العراق وايران. وهذه الرغبة في حماية تلك العلاقة هي التي تشكل الخلفية الحقيقية لطبيعة الاولويات التي باتت ادارة بوش تشارك فيها او تتسامح بشأنها في العراق والتي يتصدرها الاسفاف في استخدام الصلاحيات العسكرية والقضائىة. \r\n \r\n وفي الوقت الذي ينتشر فيه الارهابيون بدون حساب ولا ملاحقة في شوارع المدن العراقية المختلفة نجد ان ميلشيا الصدر المهلهلة تثير كل هذا الاستنفار في صفوف القوات الامريكية التي تجازف بتدمير واحد من اقدس المواقع الدينية الاسلامية مقابل مكاسب استراتيجية ضئيلة. \r\n \r\n لم يكن مقتدى الصدر, في الواقع, ليحقق تعاطفا شعبياً يذكر لولا سوء الحسابات الامريكية التي حولت هذه الشخصية الديماغوجية الى زعيم له جمهور واسع من الاتباع, فالشيعة ما يزالون يرتابون في النوايا الامريكية منذ ان خذلتهم الولاياتالمتحدة في انتفاضتهم ضد صدام حسين عام .1991 وهم بلا شك واعون للفارق الذي يميز نوعية ردة الفعل التي يتلقاها المتمردون من الشيعة وان يخرجوا من ذلك بالاستنتاج الواضح الذي يقول ان ما يستهدف اليوم من وراء عملية النجف العسكرية هو الارادة السياسية الشيعية. \r\n \r\n ان كون رئيس الوزراء اياد علاوي ينتمي اسرياً الى الطائفة الشيعية لا يخفف من فداحة موافقته على العملية العسكرية. فهو, ايضاً, بعثي سابق وقد شق طريقه في العمل السياسي ضمن البنى السلطوية العراقية التي لا تختلف من حيث التوجه والتطبيق عن بقية البنى السلطوية العربية. \r\n \r\n كما ان توقيت الهجمة الاخيرة على احمد الجلبي وابن اخيه سالم الجلبي وحزب المؤتمر الذي يرأسه يشير ايضاً الى استخدام انتقائي لمصادر محدودة . \r\n \r\n لقد عرفت احمد الجلبي على مدى ثلاثين عاما. وعرفت عنه, ايضا, انه قد خلق لنفسه, بضرورة وبدون ضرورة عدداً من الاعداء على امتداد سعيه الطويل والدائب لاسقاط حكم البعث ومن ثم للحيلولة دون عودة البعثيين الى السلطة, وقد كان من بين اعدائه غير الضروريين وغير المتسامحين الحاكم المدني الامريكي للعراق بول بريمر وهو الذي كان على الدوام يشتبه بوجود أياد ايرانية خفية وراء كل ما يقع في العراق. \r\n \r\n في الربيع الماضي, اشترك بريمر مع موظفين في مجلس الامن القومي الامريكي في وضع مذكرة من سبع صفحات تحدد الاستراتيجية اللازم اتباعها لتهميش احمد الجلبي. \r\n \r\n وما نشهده اليوم من اتهامات وملاحقات بحق احمد الجلبي ليس سوى تنفيذ حرفي لما جاء في تلك المذكرة. \r\n \r\n وكان بريمر قد اسس محكمة سرية وعين لرئاستها قاضياً غير متمرس واتخذ من الاجراءات ما يضمن عدم قدرة الحكومة المؤقتة على حل تلك المحكمة بعد مغادرته للعراق وكان هذا القاضي هو الذي اصدر مذكرة التوقيف بحق احمد الجلبي اثناء وجود الاخير في طهران. \r\n \r\n ان التنازع بين احمد الجلبي وبقية الفصائل العراقية امر يخصه شخصياً, ولكن ان يضع فريق بوش مصداقية امريكا ومكانتها وشرفها في الرهان على حملة سرية لتصفية الحسابات مع الجلبي والصدر وغيرهما من الذين يشتبه في احتمال خضوعهم للتأثير الايراني امر لا يمكن ان يكون استراتيجية, انما هو حماقة بينة.0 \r\n \r\n عن: »واشنطن بوست« \r\n \r\n