اعتقال ليبي بشبهة التخطيط لمهاجمة السفارة الإسرائيلية في ألمانيا    بعد اتهامها بمحاولة اغتيال نتنياهو .. بيان عاجل من إيران    بالصواريخ.. حزب الله اللبناني يُعلن قصف صفد في شمال إسرائيل    تفاصيل وكواليس ما حدث فى قطاع غ زة بعد غارات الاحتلال العنيفة.. فيديو    وثائق سرية تكشف استعداد إسرائيل للهجوم على إيران .. تفاصيل    قبل الكلاسيكو.. ريال مدريد يحقق فوزًا ثمينًا على سيلتا فيجو 2-1 بالدوري الإسباني    نجم بيراميدز السابق يكشف مفاجأة مدوية بشأن موقف رمضان صبحي من العودة للأهلي    متعب والحضرى وشوقى ويونس فى الاستوديو التحليلى لمباراة الأهلى وسيراميكا    اليوم.. محاكمة 6 متهمين في «خلية الحدائق»    اليوم .. محاكمة اللاعب أحمد ياسر المحمدي بتهمة اغتصاب فتاة في قطر    تامر عاشور يشدو بأروع أغانيه لليوم الثاني بمهرجان الموسيقى    طارق الدسوقي خلال افتتاح ملتقى المسرح للجامعات: هذه الدورة الأصعب على الإطلاق    هل يجوز ذكر اسم الشخص في الدعاء أثناء الصلاة؟.. دار الإفتاء تجيب    تفسير آية | معني قوله تعالي «أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى»    كلمة السر في مرض أحمد سعد .. خطر غير مرئى هو السبب    اللواء سمير فرج: حماس ضعفت وتحتاج إلى 10 سنوات لاستعادة قوتها مرة أخرى (فيديو)    بلدية المحلة في مواجهة صعبة أمام المصرية للاتصالات بدوري المحترفين    حرب غزة.. استشهاد طفل في قصف للاحتلال على النصيرات    شعبة المخابز تحدد موعد ارتفاع أسعار الخبز السياحي (فيديو)    الشرطة الألمانية تستخدم الكلاب لتفريق متظاهرين منددين بجرائم الاحتلال    هرسه في ثانية، لحظة دهس سيارة نقل ثقيل يقودها طفل ل شاب بالصف (فيديو)    نوة رياح الصليب وأمطار غزيرة.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم الأحد    أهالي شارع عمر بن الخطاب بمصر الجديدة يستغيثون ويُناشدون وزارة التنمية المحلية    معرض فرانكفورت للكتاب: توزيع جوائز تيك توك بوك للمنطقة الناطقة بالألمانية    موعد بداية فصل الشتاء 2024.. وتوقيت فتح وغلق المحلات قبل تطبيق التوقيت الشتوي    عاجل - زيادة منحة المرأة الماكثة في البيت بالجزائر 2024 وخطوات التقديم عبر موقع الوكالة الوطنية للتشغيل    «احتفالا بحملها».. سلمى أبوضيف تظهر بفستان أبيض من جديد (صور)    «زي النهارده».. اندلاع ثورة القاهرة الأولى 20 أكتوبر 1798    غدًا.. عبد الرحيم علي ضيف برنامج «كلام في السياسة» على «إكستر نيوز»    الحمصاني: لن نتخلى عن المواطن.. ونطبق الحماية الاجتماعية من خلال ضبط الأسعار    فرض ضريبة جديدة على الذهب في مصر.. ما حقيقة الأمر؟    هل تذكيري لأصدقائي بتلاوة القرآن وذكر الله عليه أجر؟.. دار الإفتاء تجيب    اللهم آمين | أثر الدعاء للشهداء وأهلهم    ملف يلا كورة.. قرعة الدوري.. الهزيمة الأولى لأرسنال.. و"يد الأهلي" بطلًا لأفريقيا    منها الجوع الشديد..تعرف على أعراض مرض السكري عند الأطفال    نقص الفيتامينات والضغط العصبي.. تعرف على أهم أسباب الشيب المبكر    وداعًا للوزن الزائد .. 10 خطوات بسيطة لإنقاص الوزن بدون حرمان    اليونسكو تساعد الأجيال المستقبلية على صون التراث الثقافي غير المادي    للمسافرين كثيرًا.. كيفية الصلاة في المواصلات ومعرفة اتجاه القبلة |الإفتاء تجيب    بسبب مكالمة هاتفية.. مقتل سائق على يد شقيقان وزوج شقيقتهم بشبرا الخيمة    الحكومة: استمرار رفع أسعار المواد البترولية حتى نهاية 2025    سعر التفاح والموز البلدي والمستورد بالأسواق اليوم الأحد 20 أكتوبر 2024    الغرف التجارية: لا زيادة في أسعار السلع الغذائية بعد تحريك المحروقات    5548 فرصة عمل في 11 محافظة برواتب مجزية - التخصصات وطريقة التقديم    يوفنتوس يهزم لاتسيو ويقفز لصدارة الكالتشيو    عبد الرحمن فيصل: بطولة إفريقيا هديتنا للجماهير    مصرع شخص وإصابة 20 آخرين في حادث تصادم سيارة برصيف بالفيوم    هشام يكن: الزمالك سيدخل لقاء بيراميدز بمعنويات عالية    حدث بالفن| وفاة والدة فنانة وخالد الصاوي يحذر من حقن التخسيس لهذا السبب    مين فين ؟    «مش هفتح بطني عشان بُقي».. خالد الصاوي يرفض عمليات التخسيس|وهذه أهم المخاطر    نائباً عن السيسي.. وزير الأوقاف يصل إندونيسيا للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الإندونيسي الجديد    في تصنيف QS Arab Region.."طنطا"تحتل المركز 78 من بين 246 جامعة مصنفة    جامعة قناة السويس تنظم برنامجاً تدريبياً لطلاب STEM حول تصميم وتنفيذ كوبري مائي متحرك    رغم امتلاء بحيرة سد النهضة، إثيوبيا تواصل تعنتها وتخفض تدفق المياه من المفيض    فرص عمل جديدة بمحافظة القليوبية.. اعرف التفاصيل    رسالة أسبوع القاهرة للمياه: الماء حق لكل إنسان.. و"سد النهضة" انتهاك للقانون الدولي    ليلة لا تُنسى.. ياسين التهامي يقدم وصلة إنشادية مبهرة في مولد السيد البدوي -فيديو وصور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غزة المعزولة على مفترق طرق
نشر في التغيير يوم 01 - 08 - 2004


جيمس بينت
\r\n
\r\n
كانت بضع نساء بثياب انيقة, وكثيرات يضعن خمارا متواضعا على رؤوسهن, الا امرأة واحدة فقط كانت ترتدي الزي الاسلامي المحافظ جدا, اكتسى به جسمها من قمة رأسها حتى اخمص قدميها باللباس الاسود. ففي قاعة للمؤتمرات في احد فنادق مدينة غزة, التقت النساء الاعضاء في اللجنة الفنية لشؤون المرأة الفلسطينية في حلقة نقاش بعنوان »بعد الانسحاب من غزة«, عقدت في شهر حزيران المنصرم. لم تكن اولاء النساء سعيدات بما سمعن في القاعة.فمثلهن مثل جميع الفلسطينيين عموما, اردن ان يسمعن عما تخطط له القيادة الفلسطينية الضبط, بعد ان علمن بما قاله رئىس الحكومة الاسرائىلية اريئيل شارون, وبانه سيسحب المستوطنين والجنود الاسرائيليين من قطاع غزة العام المقبل. وعلمن كذلك ان الفصائل الفلسطينية بدأت تتصارع حول من سيحكم غزة, وكيف سيحكمها.. وحول فيما اذا كانت ستديرها حكومة, ام بالاقتراع, ام ستدار بالقوة, ام انها لن تحكم من احد ابدا. فبعد عشر سنوات من عودة ياسر عرفات الى غزة منتصرا, بمقتضى تجربة مسبقة من الحكم الذاتي (عملية اوسلو للسلام), راح هؤلاء القادة المقبلون يتدافعون ويتزاحمون. فهل من طريق الى الامام هناك,ام مجرد قطاع مقفر يحكمه لوردات الحرب والمجاهدون الذين يتحكمون بمصير القضية الفلسطينية?
\r\n
\r\n
لا تعتقد النساء المجتمعات انهن سمعن اجابات عن هذه الاسئلة اثناء الجلسة الاولى من المناقشات التي تحدث فيها احد اعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني, ووزير سابق في السلطة, وأحد قادة الفصائل.فقالت رضا عوض الله »من اتحاد المرأة العاملة«, »انكم تدفعونني الى الاحباط.قد اكون مغفلة, ولكنني سمعت كل هذا الحديث من قبل.فما هي استعداداتكم للمرحلة التالية?« واخيرا, رد احد المشاركين في هيئة النقاش, عضو المجلس التشريعي والعالم السياسي زياد ابو زياد, بطرح سؤال جارح من عنده, وقال:»اتريدوننا ان نكذب عليكم بشأن الاحباط الذي تعانون منه?انتم تعلمون من هو صاحب القرار في كل شيء, وعرفات لم يطرح اية رؤية على الشعب الفلسطيني«.وما ان نطق بهذه العبارات حتى ساد القاعة لغط وتذمر. وفي تلك اللحظة, دخل محمد دحلان محاطا بثلة من الحراس الشخصيين, وليقدم المداخلة الثانية في هذه الجلسة بعنوان »رؤية مستقلة«.
\r\n
\r\n
ودحلان, الذي بقي على رأس جهاز الامن الوقائي في غزة سنوات عديدة, يخشاه الناس في القطاع اكثر مما يحبونه.لكنه شخصية مفضلة لدى المسؤولين الاسرائيليين والاوروبيين والامريكيين, وكرجل قوي قادر على ادارة غزة, ولانه باشر القيام بحملة سياسية. كما ان دحلان يرى في الانسحاب الاسرائىلي فرصة ايجابية, ويقول بانه اذا رفض الفلسطينيون ذلك, فسيتخذ الاسرائيليون منه ذريعة, وبعد ذلك يرفضون التخلي عن المزيد من الضفة الغربية.واتسمت مداخلة دحلان بالحذر, ثم توالت الاسئلة. ورد دحلان من جانبه بصوت عال وقوي, ومتسائلا ان كانت فلسطين ستسلك طريق العراق او ليبيا. وقال ان بامكان الفلسطينيين اما ان يقيموا النموذج في غزة, او يقبلوا »بالفوضى والدمار«. ومضى دحلان يقول ان المسؤولين والزعماء الفلسطينيين بالغوا في انجازاتهم.»اننا نخدع انفسنا. لقد فشلنا في صنع السلام وفي القيام بالحرب. واخفقنا في كليهما. وعلينا الان ان نقرر فيما اذا كنا نريد الحرب او السلام. فان كنا نريد الحرب, سأكون اول من يمتشق السلاح«.
\r\n
\r\n
وفي مقابلة مع دحلان في مكتبه, اجريت خلال شهر تموز الجاري, انتزع ورقة بيضاء من مذكرته, ورفعها قائلا, تلكم هي جميع الاوامر التي تلقيتها, على مدى 25 عاما, وانا اعمل في حركة فتح المهيمنة بقيادة عرفات. وقال مشيرا الى قادة فتح دون ذكر اسم زعيمها »انهم مع الانتفاضة, وفي الوقت ذاته ضدها. وهم ضد الارهاب, ومعه في آن واحد«. »لقد حان الوقت لان نختار ونقرر. وقال دحلان, اننا »نقف عند مفترق طرق, فاما ان نحصل على الاستقلال, او ان نعود الى الوضع الذي آلت اليه الصومال«.
\r\n
\r\n
على ان في الامر تناقض تاريخي ان تبرز غزة,وهي الاكثر فقرا وحرمانا, مكانا لاختبار الدولة الفلسطينية وتجربتها. لكنه لدى دحلان وغيره من السياسيين الفلسطينيين احساس بان وراء النضال ارهاق واستنزاف بالموت واليأس والتعطش للتغيير.فقال »كفانا ما جرى«. ومن الصعب تلمس مثل هذا التوجه في صور الموت ورسومه المنتشرة في كل مكان في غزة, والتي تعبر عن رسالة واحدة, وهي: ليس الرثاء والخسارة, بل البطولة والتضحية والافتتان.
\r\n
\r\n
وفي احد هذه الرسومات, يظهر حمدي محسن شديد البأس وفخوراً, مرتدياً زي الميدان ويحمل بندقية في معركة طاحنة, وفوقه سماء تشتعل لهيباً احمر واصفر, ومع هذا, فحمدي لم يكن مقاتلاً, بل صبيا في الرابعة عشر صرعه الرصاص بينما كان يرجم الجنود الاسرائيليين. ولما طلب والداه الى فايز الحسني ان يرسم لهما صورة ابنهما, اوعزا له بأن يظهره مقاتلاً.
\r\n
\r\n
وحمدي محسن نفسه, الذي يعشق رسم »اشياء جميلة«, مثل النساء بعيون رمادية غامقة اللواتي يملأن لوحاته القماشية الزيتية, قلق كذلك على ابنه هو الذي ما يلبث ان يندفع خارجاً من البيت ليشاهد الجنود الاسرائيليين في اية مناسبة يغيرون فيها على مدينة غزة. وقال انني »اصف ذلك بمشاهدة الموت, وهذا ما يثير فيّ الخوف« قد يكون الصراع ما يزال يذكي خيال الكثيرين من الفلسطينيين, او يبعث فيهم السلوى والعزاء, وانه يشد اهتمام العالم, لكن بينما تثير التكتيكات الاسرائيلية غضب هؤلاء الناس, فإن الاخيرين يتوقون ايضاً الى حياة طبيعية واكثر امنا واستقراراً, ولا يجري التعبير الاحتفالي عن هذا النضال بالملصقات, ولكنه ليس اقل الحاحاً. فقوارب الصيد الفلسطينية ترسم قلادة من الاضواء على طول الساحل ليلاً, والسابحون تمتلىء بهم الشواطىء خلال النهار, ومحمود جمعة يعيد بناء حديقة الحيوانات في »مخيم رفح للاجئين« في اقصى جنوب القطاع, الذي طاله القسم الاعظم من الدمار في الصراع, وكان الاسرائيليون قد سوّوا هذه الحديقة بالارض في شهر ايار الماضي, وفي احد اماسي الشهر الماضي, وقف مدير المدرسة غانم الصباغ يراقب بصمت عشرات محبّي رياضة صيد السمك المنتشرين على طول جدار الامواج, الذي يمثل مرفأ صغيراً لمدينة غزة, لم يصطد هؤلاء شيئاً يذكر, لكنهم كانوا يستمتعون بالهدوء والسكنية, وبمنظر غزة وهي تلتمع بأشعة غروب الشمس.
\r\n
\r\n
ومع كل هذا, فما من احد بقادر على اهمال النضال لفترة طويلة. فقد عبّر الشاب فؤاد الهبيل عن غيظه من القيود الاسرائيلية الصارمة التي تحصر صيادي السمك مثله في رقعة معينة من البحر, اما الصباغ فقال انه كان يفكر في التلميذ ابن الرابعة عشر الذي يبلل ملابسه في الفراش, مضيفاً بأن هذا الصبي, يريد ان يموت, لان كل شيء مؤلم من حوله, »وقام الفتى محمد سلامة برفع رجل بنطاله ليكشف عن جرح متعفن في فخذه الايسر. فقد اصيب بعيار ناري عندما اندفع, مع الاف الفتيان الاخرين, ليشهدوا الاقتحام الاسرائيلي ذاته الذي قضى فيه حمدي محسن. وقال محمد سلامة انه كان يحلم بأن يصبح طبيباً في مستشفى غزة »لمعالجة الجرحى«.
\r\n
\r\n
بعد الحرب العربية - الاسرائيلية عام ,1948 وقيام دولة اسرائيل, وقعت غزة تحت الادارة المصرية, كما وقعت الضفة الغربية تحت الادارة الاردنية. وعلى العكس من الاردنيين, لم يعط المصريون الجنسية او جوازات السفر للفلسطينيين, وانصرف الفلسطينيون الى التعليم والتوظيف, فأثرى بعضهم, واشتهر الكثيرون. اما غزة فأصابها الركود.
\r\n
\r\n
وفي حرب عام ,1967 احتلت اسرائيل الضفة الغربية وغزة, واليوم, يعيش 64 بالمئة من سكان غزة دون خط الفقر »بمعدل دولارين في اليوم تقريباً«, مقارنة مع حوالي ثلث الفلسطينيين في الضفة الغربية.
\r\n
\r\n
وعلى غير الحال في الضفة الغربية, تحظى حركة المقاومة الاسلامية »حماس« بشعبية اكبر قليلاً في غزة من حركة »فتح« التي يتزعمها ياسر عرفات, وفقاً لاستطلاع للرأي اجراه العالم السياسي الفلسطيني خليل الشقاقي. فتتحكم حماس بتأييد اكثر من ربع السكان, اما فتح فتمتع بتأييد اقل من ذلك بقليل, ولكن هذا لا يعني ان ايديولوجية حماس انتصار, بل »على العكس من ذلك, كما يقول الشقاقي« فلم يكن الجمهور الفلسطيني راغباً في التسوية كما هو الان«. ويبدو على التأييد المتعاظم لحماس ان لا علاقة له بنظريتها اكثر من علاقته بالقرف من السلطة الفلسطينية ومن فتح المهيمنة.
\r\n
\r\n
قبل اكثر من سنتين, ادرك دحلان ان السلطة الفلسطينية اخذت تفقد الدعم والتأييد, بل وحتى الشرعية. فاستقال من منصبه كرئيس لجهاز الامن, ونأى بنفسه عن القيادة العليا. ودحلان »43 عاماً« واحد من رجال جيل »فتح« الذين نشأوا تحت الاحتلال الاسرائيلي,وقال الانتفاضة الاولى ضد الاحتلال الاسرائيلي اواخر الثمانينات وتعلم هؤلاء اللغة العبرية في السجون الاسرائيلية وقرأوا الصحف الاسرائيلية. ثم اصبحوا اعضاء في المجلس التشريعي, او مسؤولين امنيين عندما عاد عرفات وغيره من الثوريين من المنفى, وبعضهم, مثل دحلان, راكموا الثروات من خلال مواقعهم الحكومية. ومع هذا, فهؤلاء الاشخاص راقبوا كذلك, وبفزع ما يسمونه »المعارضة« - اي حماس - تكتسب شعبية خلال الانتفاضة الثانية, التي اندلعت في ايلول .2000
\r\n
\r\n
واذ يتفهم هؤلاء الرجال عقلية الفلسطينيين, فقد ادركوا كيف ادى انهيار مباحثات السلام, التي تؤيدها »فتح« الى اضعاف الثقة بفصيلهم. وكذلك الحال بالنسبة لتفهمهم للاسرائيليين, فقد تبينوا كيف ان الدور الدموي لحركة »فتح« في الانتفاضة الجديدة, نأى بهم عن حلمهم في اقامة دولة. فقال دحلان في اجتماع اللجنة الفنية لشؤون المرأة الفلسطينية, »هناك طريقان لاحداث التغيير : الانقلاب او الانتخابات. اما الانقلاب, فليس جزءً من عقلية الفلسطينيين«.
\r\n
\r\n
وقد نجح دحلان في ضغطه على عرفات للسماح باجراء انتخابات داخل »فتح« في غزة. وهي في طريقها الى التنفيذ الآن. ويعتبر ذلك بالنسبة للمطالبين بها بمثابة ثورة. وىأمل دحلان من هذه الانتخابات ان تأتي بهيئة قيادية جديدة لفتح اوائل العام المقبل. ويقول بعض حلفاء دحلان انه آن لعرفات ان يرحل. وحسب تعبير احدهم, وهو خالد يازجي, رئيس احدى المنظمات غير الحكومية في غزة, ان عرفات »يقودنا الى لا شيء«. ويذكر هنا ان خالد يازجي كان الرئيس السابق للبروتوكول في سلطة عرفات. كما يذكر ان دحلان حريص على عدم تحدي عرفات بصورة مباشرة. وقال انه يريد من عرفات »مباركة نتائج« الانتخابات.
\r\n
\r\n
وترفض »حماس« ان تلعب اي دور في السلطة الفلسطينية, بسبب قيام هذه السلطة بموجب اتفاقيات اوسلو التي تعارضها حماس. وحيث ان شارون يريد الانسحاب من غزة دون اتفاقية سلام, فيقول قادة حماس انهم احرار الآن في المشاركة في المباحثات المتعلقة بكيفية حكم غزة بعد جلاء الاسرائيليين.
\r\n
\r\n
وتتوسط مصر في هذا الامر , ضاغطة على الفصائل بوقف الهجمات, بينما تلح في الطلب على الاسرائيليين بالانسحاب الكامل. ويقول مسؤولون فلسطينيون انهم طلبوا الى المصريين توفير ضمانات بأن تسمح اسرائيل بفتح مطار غزة وميناءها, وربما تحت اشراف دولي, وبازالة الطوق المدرع الذي تقيمه على طول الحدود مع مصر, اما تفصيلات ذلك فحساسة, ولكنها غامضة. فاذا استمرت الهجمات داخل اسرائىل او في الضفة الغربية فقد تعود اسرائيل الى ضرب قادة حماس في غزة واذا لم تسمح اسرائيل بفتح الموانيء ومزاولتها للعمل بحرية واسرائيل, تقول انها لن تسمح بذلك, وعلى المدى القصير على الاقل), فان »حماس« سترى في هذا نقضاً للاتفاق.
\r\n
\r\n
ويقول الشقاقي, اذا فشل القادة الفلسطينيون في الاتفاق, »فان الاخطار ستكون هائلة«. وحدد قائمة بهذه الاخطار, مثل: »زيادة تعزيز قوة حماس, وتشرذم الحركة الوطنية الفلسطينية, وتفكك السلطة الفلسطينية«. وفي عام ,1996 انقض دحلان على »حماس« بأمر من عرفات, فالتصقت به شهرة القسوة وعدم الرحمة. وجرى ذلك إبان عملية اوسلو للسلام. اما في هذه الانتفاضة, فقد اقتنع دحلان, كما اقتنع ايضا غيره من قادة »فتح«, بانهم لا يستطيعون القيام بمثل هذا العمل, وذلك لامر واحد هو ان السلطة الفلسطينية اضعف بكثير مما كانت عليه. ذلك ان اجهزة الامن, التي اخفقت طيلة هذه المدة في القيام بواجبها, فينظر اليها الان كميليشيات خاصة تخدم عرفات وغيره اكثر من ان تقوم بفرض القانون. ومن خلال الاعوان والحلفاء, يحتفظ دحلان بالسيطرة على جهاز الامن الوقائي, على حد قول مسؤولين فلسطينيين ودبلوماسيين غربيين.
\r\n
\r\n
في الفترة الاخيرة, اشتبكت اجهزة الامن في غزة مع بعضها ومع عائلات ذات نفوذ واسع فيها. وعلى غير الحال في الضفة الغربية, لا ينقص غزة رجال امن اشداء ومسلحين... ففيها 24000 منهم. لكن ما ينقصها, حسب رأي بعض المحليين الفلسطينيين, هو الشرعية السياسية للتحرك ضد المقاتلين, او حتى الجنائيين . ولهذا, وكما يقول اللواء صائب العاجز, قائد قوات »الامن القومي« في غزة, والمقرب جداً من المصريين«, فمن الاهمية بمكان التوصل الى اتفاق بين الفصائل, وبعد ذلك نقوم بفرض القانون«.
\r\n
\r\n
ومع هذا, فاللواء العاجز, الان, مسؤلين عن التحقيق الفلسطيني في عملية نسف موكب لدبلوماسيين امريكيين وقع في 15 تسرين الاول الماضي, وقتل فيها ثلاثة من الاختصاصيين في شؤون الامن الامريكيين. وقد اوحى العاجز بانه تعرف على المشتبه بهم, لكنه لم يفصح عن اي اسم خوفاً من هروب مرتكبي الجريمة, ولما سئل عن عدم القاء القبض عليهم قال: »وكيف استطيع اعتقال اي شخص في مثل هذا الوضع الامني المتردي? فهذا ما يعرض مجمل الوضع للخطر«. وفي الوقت ذاته, زادت عملية القتل من توتر العلاقات الواهنة اصلاً بين ادارة بوش, والسلطة الفلسطينية, كما توقف الدبلوماسيون الامريكيون عن الحضور الى غزة.
\r\n
\r\n
لكبير ممثلي عرفات في غزة, احمد حلس, مكتب انيق تكتسي جدرانه بصور كبيرة لابنه محمد. وقد توفي محمد, اوائل هذا العام وهو في السابعة عشر, وهو يقاتل ضد الجنود الاسرائيليين الذين اغاروا على المدنية, مما اضطر مدرسته الى الاغلاق. وقال حلس انه كان خائفاً على ابنه منذ غادر البيت صباحاً, حاملاً سلاحه بدلاً من حقيبة الدراسة, ولكن الاب لم يحاول ايقاف الابن. مضيفاً »لا استطيع دفع الناس الى القتال, وفي الوقت ذاته امنع ابني عنه«. وعند بعض البنايات القريبة في الضاحية السكنية ذاتها في غزة, بدت شارة ضوء خلفي في مكان بطول متر ونصف تقريباً, واقل من متر واحد ارتفاعاً, على مدخل بيت ام نضال فرحات المدمر المحروق. وخلف ظلال النور, علقت.صورتان لابنيها, هما من مقاتلي حماس. كما جرح اثنان اخران من ابنائها اثناء القتال, اما الخامس, من اصل ستة ابناء فيقبع في احد السجون الاسرائيلية, السيدة فرحان, التي تريد طرد الاسرائيليين من كل ارض فلسطين التاريخية, لا ترى ابناءها الا مقاتلين ضد الاسرائيليين.
\r\n
\r\n
اما حلس, الذي يؤيد الحل على اساس دولتين, فرأى في ابنه مدافعا عن غزة ضد الغزاة, وقد كان احد ابناء السيدة فرحات, واسمه نضال مهندسا لصناعة الصواريخ البدائية التي تطلقها »حماس« من الحدود الغزية الى داخل اسرائيل, وقد قتلت القوات الاسرائيلية محمد حلس في احدى غاراتها لوقف حماس عن اطلاق تلك الصواريخ.
\r\n
\r\n
تبدو النغمة الرثائية الحزينة على الطريقة التي يتحدث بها بعض الاصلاحيين والسياسيين الفلسطينيين, اليوم , عن ايام اؤسلو وعن رؤياهم الافلة لاقامة دولة فلسطينية ديمقراطية, عاصمتها القدس, وفي هذا يحملون الاحتلال الاسرائيلي, وضغوطات اسرائيل العسكرية, وهجماتها وانتقاداتها للسلطة الفلسطينية المسؤولية النهائية, لكنهم يقولون ايضا ان الفلسطينيين فقدوا السيطرة على حركتهم الوطنية, وصورتهم الدولية, اذ هم اخفقوا في التكيف, مثلما فعلت المواقف الامريكية والاوروبية بل وحتى العربية, في ظل الصدمة التي احدثتها هجمات 11 ايلول على الولايات المتحدة.
\r\n
\r\n
مضى ذلك الوقت الذي كان الياس خوري يرى نفسه فيه جسرا بين الاسرائيليين والفلسطينين فعائلته فقدت اراضيها في حرب عام ,1948 لكن والده حصل على الجنسية الاسرائيلية, وظن انه سيستعيد تلك الاراضي من خلال القانون الاسرائيلي ان هو عمل بصبر واناة, والتحق الياس بالجامعة العبرية واصبح محاميا. وفي عام 1975 كان والده داود يقطع »ساحة صهيون« في القدس عندما انفجرت عبوة ناسفة كان الفلسطينيون قد زرعوها هناك, فقتل داوود مع 13 شخصا اخرين وواصل الياس ربح قضايا هامة ضد المستوطنات الاسرائيلية, وبعث ابناءه الى مدرسة في القدس ضمت اطفالا يهودا ومسلمين ومسيحيين.
\r\n
\r\n
ثم, وفي احد الاماسي من شهر اذار المنصرم كان ابنه جورج يمارس رياضة في ضاحية التلة الفرنسية في القدس عندما اطلقت عليه كتائب »شهداء الاقصى« النار واردته قتيلا, ونشرت بيانا تفاخرت فيه بالقضاء على احد المستوطنين, وتقع هذه التلة الفرنسية في ارض احتلتها اسرائيل في عام .1967 كان جورج خوري في الجامعة العبرية ويتحدث بطلاقة اللغات العربية والعبرية ولانجليزية وله اصدقاء من العرب واليهود, وكان يتحدث هاتفيا مع اخيه الاكبر ديفيد, يوميا الذي يدرس في اسكتلندا, بغاية المقارنة بين الافكار التي كان كل منهما يدونها في دفتر ملاحظات صغير حول الاعمال, كما كان يعزف البيانو, وينوي تعلم العزف على الساكسوفون.
\r\n
\r\n
وترك وراءه قائمة بحفلات الجاز التي اراد حضورها, لقد توفي في العشرين من عمره, لكنه كان يجسد احتمالات ما كان يعرف- حتى بضع سنوات خلت -بالشرق الاوسط الجديد, وترك وراءه ولدا كان يسميه »المحبب لدي« ويتوق الى نومه هانئة يرى فيها ابنه في احلامه.
\r\n
\r\n
وفي حديث مع الياس خوري في منزله, جرى بعد اسبوعين من وفاة ابنه جورج قال انه يفكر في سبب يمكن ان يفسر له خسائره, فقال انه عندما قتل والده عام 1975 لم تكن »حماس« موجودة ولا كانت هناك اوسلو ولا عرفات في رام الله بل كان هناك الاحتلال وحسب. قال ذلك وهو جالس في صالة بيته المعتمة وعلى طاولة قريبة منه حذاء برونزي لابنه جورج وهو طفل صغير. ثم اضاف يقول: » لقد توصلت الى نتيجة ان ما حدث لنا, وما حدث لي ولوالدي ولابني وللاخرين وللاسرائيليين الذين فقدوا احبتهم وهو اعراض مشخصة لمرض. اما هذا المرض فهو الاحتلال. »ذلك ان الاحتلال خشن المجتمعين, فلم تكن لدى اسرائيل القيم ذاتها التي كانت تملكها قبل 20 عاما, ومع هذا فهي ناضجة الان على نحو كاف لان تقبل بقيام دولة فلسطينية, وقال خوري ان الفلسطينيين بحاجة الى مساعدة من الخارة لادارة شؤونهم. واستذكر آية من القرآن, قال عنها انها تفسر اسباب تيه اليهود في الصحراء - بعد هروبهم من مصر- لمدة 40 عاما قبل ان يصلوا الى ارض اسرائيل, والسبب كما يقول الياس هو انه لم يكن بمقدور اولئك الذين عاشوا حياة العبودية ان يبنوا دولة »انه لامر مؤلم, لكن علينا ان نرى الحقيقة, فانا كمحام انظر الى الحقائق, واولاها ان المجتمع الفلسطيني كمجموعة غير قادر على قيادة نفسه, »والقيادة الفلسطينية تخلت عن القانون والنظام ولم تظهر الا القليل من الاحترام للقيم الاساسية, وقال ايضا »ان احدى اهم القيم هي قدسية الحياة«.
\r\n
\r\n
وبعد ان اكتشفت »كتائب الاقصى« غلطتها, نشرت بيانا عبرت فيه عن اسفها واعلنت عن جورج خوري بانه »شهيد« وهذا انا اضرني اكثر, فلنفترض ان اسحاق كان يمارس الجري في ذلك المساء, فسيكون الامر عاديا لو قتل, لكن هل هذه هي الطريقة التي سنقيم بها دولة? وابني لم يكن شهيدا.0
\r\n
\r\n
عن صحيفة »نيويورك تايمز«
\r\n


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.