\r\n ومنذ ميلادها، كانت هناك توترات بين القادة المنفيين في تونس، الذين تطلق عليهم تسمية \"الحرس القديم\" من جانب، والقادة الذين شاركوا في الانتفاضة الأولى، ممن يسمون ب\"الحرس الجديد\" من الجانب الآخر. ولكن تمكن عرفات من استغلال نفوذه، في السيطرة على السلطة الفلسطينية، مستخدماً في ذلك، حزمة متنوعة من العصي والجزر. ووضع عرفات يده على كل من المال والسلاح. إلا أنه أردف ذلك وعززه، بسلطة شمولية واسعة النطاق، وممارسات المحسوبية، والفساد المستشري. ولكن بدأت تخبو سلطة عرفات وتنحسر، إثر تبنيه لانتفاضة ثانية، ضد الاحتلال في خريف عام 2000، مباشرة عقب انهيار محادثات كامب ديفيد في صيف ذلك العام نفسه. \r\n \r\n وفي هذه المرة، لم يكن السلاح المستخدم، الهتاف والحجر، مثلما كان في الانتفاضة السابقة، وإنما استخدمت البنادق والأسلحة الثقيلة هذه المرة، علاوة على القنابل البشرية الانتحارية. فجاءت أكثر عنفاً ودموية من سابقتها. وإثر وقوع هجوم انتحاري على احتفال ديني بأعياد الفصح اليهودية في مدينة \"نتانيا\" في مارس من عام 2002، شنت إسرائيل حملة شعواء ضد ياسر عرفات، انتهت إلى القضاء فعلياً على مقر قيادته في \"المقاطعة\" كما تسمى، إضافة إلى تدميرها البنية التحتية التي تقوم عليها القيادة الفلسطينية. ومنذ ذلك التاريخ، تحول عرفات إلى سجين إسرائيلي افتراضاً، وصار محاصراً داخل ما تبقى له من حطام مقر قيادته، في رام الله. ومع ذلك، ظل عرفات قابضاً على سلطته في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، عبر تحكمه بقوات الأمن الرئيسية، وما بقي بيده من أموال، لا يزال قادراً على ضخها والتحكم فيها. وفي حين أحرز تقدم لا بأس به، في إصلاح المالية الفلسطينية، عبر الجهود التي قادها وزير المالية سلام الفياض، إلا أن التحكم بالأجهزة والقوات الأمنية، ظل مثار خلاف حاد حتى الآن. \r\n \r\n وعلى أساس هذه الخلفية، كان قد بدأ التململ، بل التمرد الفلسطيني، ضد سلطة عرفات، وارتفعت المطالبة بإجراء الإصلاحات. وعلى وجه الدقة، هدد رئيس الوزراء أحمد قريع، بتقديم استقالته، ما لم يتخل عرفات، عن المزيد من السلطة، الواجب لرئيس الوزراء التمتع بها. وكان المطلب يرتبط على نحو مباشر، بالسلطة الأمنية. ثم جاء قرار الانسحاب الإسرائيلي من طرف واحد من قطاع غزة، ليزيد الطين بلة، ويفجر الأزمة الماثلة الآن. يذكر أن شارون، رفض مفاوضة الطرف الفلسطيني، حول خطة انسحابه تلك. وللمفارقة، فإن من شأن هذه الأزمة أن تصب لصالح الفلسطينيين، الذين أسيئت إدارة شؤونهم لمدة طويلة من قبل قادتهم. هذا وقد أمضى الكثيرون من القادة الشباب، المنتمين ل\"الحرس الجديد\" سنوات سجن طويلة في السجون الإسرائيلية، فضلا عن إلمامهم الجيد بمسار السياسات الإسرائيلية، ومعرفتهم بما ينبغي أن تكون عليه الإدارة الديمقراطية لشؤون الحكم. ويؤمن معظم هؤلاء بحل الدولتين، كأساس لإنهاء النزاع بين الطرفين. \r\n \r\n وأبرز هذه الشخصيات، مروان البرغوثي الذي يقضي حكما بالسجن مدى الحياة، لإدانته بالمشاركة في مقتل مدنيين إسرائيليين. وفي قناعة الكثيرين، أن البرغوثي هو القيادي السياسي المؤهل، الذي يستطيع أن يخوض التفاوض باسم الفلسطينيين، في الوقت ذاته الذي يواجه المتطرفين الإسلاميين، خاصة حركتي حماس والجهاد الإسلاميتين، اللتين ترفضان حل الدولتين كأساس لإنهاء النزاع الدائر بين الطرفين. وفي حين أن الظروف الحالية المحيطة بالبرغوثي، لا تسمح له بأن يكون طرفاً سياسياً في حل النزاع، وفض الأزمة السياسية الماثلة، إلا أن هناك الكثير من الشواهد التاريخية، التي تثبت أنه فيما لو رأت إسرائيل، أن إطلاق سراح البرغوثي سيخدم مصلحتها، فإنها لن تكتفي بإطلاق سراحه فحسب، بل لن تعترض أيضا، على صعوده إلى أعلى مراقي القيادة الفلسطينية. ليست ثمة مؤشرات تلوح في الأفق القريب على إطلاق سراح البرغوثي، ولكن ما أن تخفت الهجمات، ويستتب الأمن الإسرائيلي، حتى تتاح الظروف، التي ربما سيعاد فيها النظر في مسألة إطلاق سراح البرغوثي، كي يلعب دوره في وضع حد للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني. \r\n