بعد وقوع أحداث 11 سبتمبر، بات من المحتّّم أن يثير موضوع العراق أزمة أمام السياسة الأميركية. فقد زعمت منظمة \"القاعدة\" أنها شنت هجماتها بسبب وجود الثكنات العسكرية في المملكة العربية السعودية. وقد أثارت العقوبات التي تم فرضها على العراق، وما جلبته معها من تكاليف على الجانب الإنساني، كراهية العرب لأميركا. فالثبات على الموقف كان يعني الإبقاء على العقوبات المفروضة، كما كان الانسحاب سيعني الإيحاء بأن الولاياتالمتحدة قد لاذت بالفرار أمام صدّام حسين أو أسامة بن لادن. أمّا وضع الثقة في هيئة الأممالمتحدة فكان أمراً يندرج في خانة السذاجة. ولذلك لم تكن هناك سُبُلٌ إيجابية للخروج من هذا المأزق. \r\n \r\n ففي أسوأ الأحوال، كان الهجوم على العراق خطأً. والأبعد من ذلك أن حصيلة ذلك الهجوم لا تنسجم مع خطاب الديمقراطيين ولا مع خطاب الجمهوريين. فالسيناتور إدوارد كينيدي وآخرون غيره يتهمون بوش ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد بالكذب بغية تبرير الهجوم على العراق. لكن المشكلة الأكبر في أي حال ناشئة من أن هؤلاء كانوا يصدّقون كلّ ما يزعمون. \r\n \r\n ومرة أخرى أقول إن الحرب أفادت العراق أكثر مما أفادت الولاياتالمتحدة. ففي الواقع أن واشنطن نفّذت أعمال القتال بالنيابة عن آية الله علي السيستاني، بل ومنحته أيضاً حق الفيتو لينقض به جزءاً كبيراً من السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط. وما يزال من الممكن أن تسير الأمور في العراق في الاتجاه الخطأ، لكن الأرجح أن الوضع سيتحسن إلى حد ما- هذا في ما يتعلق بالعراقيين. \r\n \r\n ولن يُنسَب إلى الولاياتالمتحدة إلاّ مقدار ضئيل من الفضل في حدوث أية تحسنات, هذا على رغم أن أعداءها سيستخدمون هجومها على العراق لتبرير ما يشنونه من هجمات. ففي العقد القادم، ربما يكون 25% من القوات الأميركية المقاتلة مشغولاً ومقيداً في العراق وأفغانستان. أمّا الشرق الأوسط فمشكلة عويصة ومأزق يستحيل الخروج منه. فالولاياتالمتحدة باتت الآن عالقة فيه. \r\n \r\n وفي أية حال، أدّت الحرب في العراق إلى جعل الولاياتالمتحدة مرهوبة الجانب، وهذا من الأمور الإيجابية. لكن من غير الممكن أن تكون محبوبة في الشرق الأوسط؛ ولذلك فإن كونها مكروهة ومرهوبة الجانب أفضل من أن تكون مكروهة وتلقى الاستخفاف بها والتقليل من شأنها. \r\n \r\n فالخوف أثمر عن توليد المكاسب، ومنها مثلاً انصياع ليبيا بعد 20 سنة من خوضها حرباً سرّية ضد الأميركيين. لا بل إن السنوات القادمة لن تشهد تقديم أي نظام حكم إسلامي لأي مقدار من الدعم والتأييد، مهما كان ضئيلاً، إلى أي شخص يخطط لشن هجمات على الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n بعد هذا لم تبق في الجعبة أخبار تسر الخاطر. أما الأنباء التي تعكر الخاطر فهي أن إدارة بوش لا تحقق انتصارات في الحرب على الإرهاب. فمنظمة \"القاعدة\" لم يتم تدميرها والقضاء عليها، وهي اليوم ما تزال خطيرة تماماً كما كانت يوم 12 سبتمبر من عام 2001. وحتى إذا تم قتل بن لادن أو القبض عليه، فإن الحرب على الأرجح ستبقى مستمرة. ذلك لأن الجماعات الإرهابية تنجو وتحقق البقاء بعد خسارة مؤسسها صاحب الكاريزما، وهو الأمر الذي يبدو مرجحاً بدرجة مضاعفة في ما يتعلق بجماعة حافزها الجهاد وبطائفة عقيدتها الموت. \r\n \r\n والجماعات الإرهابية، كما تُبَيِّن التجارب البريطانية والكولومبية والإسرائيلية والبيروفية والإسبانية، يصعب تدميرها كما يقتضي احتواؤها تكاليف باهظة. فهذه الجماعات تخوض حرب أعصاب وحرب استنزاف لإنهاك خصومها، وهي تحقّق الفوز ما دام في وسعها المثابرة على الإيقاع ذاته. \r\n \r\n ومن خلال أحداث 11 سبتمبر والثورة التي فرضتها تلك الهجمات في ميدان الأمن، ألحق بن لادن بالولاياتالمتحدة أضراراً اقتصادية تفوق في حجمها ما ألحقه بها اليابانيون في الحرب العالمية الثانية. ويبدو أنه لا توجد نهاية لتلك الأضرار في المستقبل المنظور. وقد يبرهن بن لادن أنه الأكثر تكلفة على الإطلاق من كل الأعداء الذين قاتلتهم الولاياتالمتحدة. والأسوأ من ذلك أن الأميركيين ما زالوا يستخفون بعدوّهم وبقوته وبحريته في التصرف كيفما شاء. ولذلك فإن تلك الحرب لن تضع أوزارها، وسبب ذلك هو فقط أن الديمقراطيين والجمهوريين يفضّلون مهاجمة بعضهم بعضاً. \r\n \r\n سوف تنتهي الحرب عندما يستسلم العدو أو يموت. ذلك لأن الدفاع الوحيد الفاعل هو شن الهجوم الفاعل. لكن ذلك لم يحدث، وهذا ما يجعل الأميركيين في ظروف مواتية تجعلهم عرضة لمفاجأة أخرى. ذلك لأن \"القاعدة\" تفضّل مهاجمة أهداف داخل الولاياتالمتحدة، لكن ثاني أفضل تكتيكاتها يقتضي ضرب حلفاء أميركا وإحداث الكسور في جسم التحالف. \r\n \r\n إن مهاجمة أي حليف للولايات المتحدة ستؤدي إلى بث الرعب في نفوس كل الحلفاء، بل ومن الممكن أن تتسبب في انشقاقهم وتفريقهم. لقد شنت \"القاعدة\" في الآونة الأخيرة هجمات مدمرة في مدينة اسطنبول التركية، وهي على الأرجح المسؤولة عن تفجيرات مدريد، وبذلك أطاحت \"القاعدة\" بحكومة موالية لأميركا في داخل إسبانيا، ودفعت الإسبان إلى إلقاء مسؤولية الهجوم على ما قدّموه من دعم للحرب في العراق. \r\n \r\n وستزعم \"القاعدة\" أن هذا نصر من انتصاراتها، وسيكون زعمها هذا صحيحاً، لا بل إنها ستسعى إلى تحقيق المزيد من هذه الانتصارات. فهناك أهداف أخرى تلوح في الأفق، ومنها دورة الألعاب الأولمبية التي ستقام في العاصمة اليونانية أثينا، وهناك نقل ساحة الحرب من جديد إلى الولاياتالمتحدة لتكون موجّهة إلى الانتخابات الرئاسية. \r\n \r\n ولذلك كله فإن الحجة الحقيقية المقامة ضد بوش أن الولاياتالمتحدة في حالة حرب، وأنها لا تحقق انتصارات فيها بعد مضي عام على بدايتها. \r\n \r\n جون فيريس \r\n \r\n أستاذ التاريخ في جامعة كالغاري الكندية، ألبرتا. \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\"