\r\n والكتاب يعد احدث الاصدارات التي تتناول الحرب الاميركية ضد العراق ومؤلفه هو المراسل المخضرم لصحيفة «لوس انجلوس تايمز» الاميركية، وقد غطى احداث الحرب من خلال مرافقته للقوات المدرعة الاميركية بل كان برفقة القوات التي صدرت لها الاوامر باقتحام بغداد. وقد نال جائزة بوليتزر للصحافة، تقديراً لسلسلة التقارير الصحافية التي كتبها من جنوب افريقيا قبل الاطاحة بنظام الفصل العنصري هناك. كما عمل مراسلاً في الشرق الاوسط، وكتب مجموعة من التقارير من داخل الارض المحتلة عن تطورات الانتفاضة الفلسطينية الاولى. \r\n \r\n والكتاب الذي نناقشه هنا صادر عن دار «اتلانتك مونثلي برس» الاميركية، وهو من القطع المتوسط ويضم 18 فصلا تمتد عبر صفحاته البالغة 352 صفحة. \r\n \r\n وعلى الرغم من ان زوتشينو قد غطى عملية اقتحام بغداد، وهي العملية التي اطلق عليها العسكريون الاميركيون اسم «الانطلاقة الراعدة»، مرافقا للقوات الاميركية، فانه بحكم خبرته الطويلة كمراسل صحفي لم يسقط في كتابه في فخ وجهة النظر العسكرية الاميركية، بل تناول وقائع ما حدث وما دار من قتال بين القوات الغازية والجيش العراقي، واشار الى المقاومة العنيفة في بعض المواقع. \r\n \r\n هكذا يفند زوتشينو في هذا الكتاب المهم مقولة ان المقاومة العراقية «تبخرت» مع اقتراب القوات الاميركية، فالمقاومة العراقية، كما يقول المؤلف كانت شرسة وخلفت آلاف القتلى من بينهم المئات من الجنود الاميركيين. \r\n \r\n كما يدحض الكاتب ما يعتقده الكثير من الاميركيين من ان بغداد قد سقطت بأقل قدر من المشقة، ويسجل أن اللواء المدرع الثاني المعروف باسم «سبارتان»، الذي اقتحم العاصمة بغداد، خاض غمار ثلاثة ايام من القتال الضاري على الرغم من الدبابات والمعدات والتقنية المتطورة التي يمتلكها الاميركيون، في مواجهة دبابات عراقية سوفييتية الصنع قديمة، يعود انتاج معظمها الى ثلاثين عاما مضت. \r\n \r\n من الكويت الى العراق \r\n \r\n رافق مؤلف الكتاب اللواء الأميركي الثاني المدرع في انتقاله من الكويت الى العراق. ويقول زوتشينو عن هذه المرحلة ان ارتال الدبابات ظلت منطلقة ليل نهار ولمدة اسبوعين داخل جنوب ووسط العراق، وتعرضت خلالها لنيران متقطعة من جانب عناصر المقاومة العراقية. \r\n \r\n واصبح نحو اربعة آلاف من الجنود من بينهم اطقم الدبابات وجنود المشاة والاطقم الطبية والميكانيكية، على بعد 18 كم جنوب العاصمة بغداد، وكانت هذه الفرقة المدرعة قد اكملت لتوها اسرع اندفاع بري في التاريخ العسكري الاميركي، حيث قطعت 704 كيلومترات في مدة تزيد قليلا عن الاسبوعين، من بينها 300 كيلومتر في تحرك واحد من دون توقف استمر 24 ساعة. \r\n \r\n بعد هذين الاسبوعين تلقت الفرقة الثالثة أمراً عسكرياً بأن يقوم اللواء الثاني التابع لها بعملية اقتحام بغداد. وتفيد الرسالة باختصار «سوف ننطلق نحو بغداد، مع اول ضوء للنهار» هكذا صدر الامر بتحرك كل اللواء الذي يضم 30 دبابة ابرامز و 14 عربة قتالية من طراز برادلي وناقلات افراد مدرعة. وفوجيء الجنود بأمر التحرك، نظراً لأنه لم تسبقه أية اشارة على الاطلاق الى ان اللواء قد يقوم بعملية اقتحام بغداد. \r\n \r\n ولم تكن اي من القوات الاميركية قد دخلت المدينة، وكانت جبهة القتال الرئيسية لا تزال في جنوب بغداد حيث كانت فرقة «المدينة» التابعة للحرس الجمهوري العراقي تدافع عن التخوم الجنوبية للعاصمة. \r\n \r\n وفضلا عن ذلك فقد تم في السابق ابلاغ قيادة اللواء بأن هجومها سوف يتوقف قبل بغداد. وكان من المتوقع الا يشارك هذا اللواء بالذات في عملية اقتحام المدينة، نظرا لان افراد اطقم دباباته مدربون على القتال في الصحراء المفتوحة، وليس في المدينة، وكانت الاستراتيجية العسكرية الاميركية تقضي بأن تطوق الدبابات المدينة في الوقت الذي تقوم وحدات محمولة جوا ب «تنظيف» العاصمة منطقة بعد اخرى، مع تشديد الحصار حولها. \r\n \r\n وهذا الحرص الذي بدا واضحا في الخطة الاولية ينطلق من التجربة المريرة خلال الهجوم الاميركي الكارثي على مقديشيو، قبل عشرة اعوام، عندما تم اصطياد الجنود الاميركيين في شوارع المدينة وازقتها، وقتل 18 جندياً على ايدي المقاتلين الصوماليين. \r\n \r\n ولكن الآن وبدون انذار مسبق، ومع مهلة للاستعداد لا تزيد على بضع ساعات صدرت الاوامر للواء الثاني باقتحام العاصمة التي يسكنها خمسة ملايين عراقي وتعد ساحة قتال محفوفة بالمخاطر في ظل شوارعها وأزقتها الضيقة. \r\n \r\n الخوف من المجهول \r\n \r\n يقول زوتشينو الذي كان برفقة اللواء «سبارتان» وهو اللواء الثاني بالفرقة الثالثة مشاة ميكانيكي الاميركية ان الميكانيكيين راحوا يعملون على صيانة الدبابات طوال الليل، بعدان صدرت للواء اوامر اقتحام بغداد. \r\n \r\n ومن خلال المناقشات والدردشات بين افراد اللواء، ادرك زوتشينو ان الجنود لم تكن لديهم ادنى معرفة بطبيعة بغداد، او بطبيعة القوات العراقية التي سيواجهونها، وبالتالي فقد كان الخوف من المجهول اكبر بكثير لديهم من الخوف من اقتحام المدينة. \r\n \r\n \r\n عندما بدأت خيوط الضوء الاولى ليوم 4 ابريل 2003، تحرك اللواء المدرع باتجاه بغداد، كانت قد صدرت الاوامر بتوزيع القوات الغازية للعاصمة، حيث اتجه اللواء الاول من الفرقة الثالثة الى مطار بغداد، بينما اتجه اللواء الثالث الى شمال غربي العاصمة، بينما كانت مهمة اللواء الثاني هي اقتحام قلب العاصمة. \r\n \r\n وعند بزوغ فجر يوم 5 ابريل اصطفت مدرعات اللواء الثاني على الطريق الثامن جنوبي العاصمة، كانت المسافة التي ستقطعها دبابات ومدرعات اللواء من مكانها في جنوب العاصمة الى قلب المدينة تبلغ 17 كيلومتراً، والطريق الثامن ليس مستقيما بل انه ينحني قبل العاصمة، ليفضي الى المطار الدولي، وكانت الخطة تقضي بان تلتقي مدرعات اللواء «سبارتان» باللواء الاول التابع للفرقة الثالثة نفسها، وهو اللواء الذي استولت قواته على المطار قبل يومين وقامت قياداته بتغيير اسم مطار صدام الدولي، واطلقت عليه اسم مطار بغداد الدولي. \r\n \r\n كان يتعين على اللواء الثاني ان يخترق دفاعات بغداد، حيث من المتوقع ان تواجه مدرعات اللواء المتاريس على امتداد الطريق الرئيسي، بعد بضع دقائق رصدت الاجهزة المتطورة بالدبابات مجموعة من الجنود العراقيين ببزاتهم العسكرية الخضراء وهم يحتسون الشاي، غير منتبهين لرتل المدرعات التي مضت تهز الطريق الرئيسي الثامن، كانوا يحتمون باحدى البنايات، ويتجاذبون اطراف الحديث، وقد وضعوا اسلحتهم جانبا، تردد افراد المدفعية في اطلاق النار عليهم، ولكن صدرت لهم الاوامر من قيادة اللواء باطلاق النار، طالما انهم عسكريون ويرتدون الزي العسكري. \r\n \r\n ويبدو ان دوي اطلاق النار قد نبه الجنود العراقيين الآخرين المتمترسين على طول الطريق، حيث بدأوا يلقون بالقنابل، ويطلقون النار في كل مكان. فوجيء افراد اللواء بالكثافة العالية للنيران العراقية. فقد اعتادوا من قبل على اسلوب الكر والفر الذي ينتهجه العراقيون ولكن هاهم الآن يتمترسون على الطريق السريع الثامن، ولم يكن رتل المدرعات قد تحرك اكثر من ميل على الطريق بعد آخر نقطة تفتيش اميركية. \r\n \r\n ادرك افراد اللواء الثاني ان العراقيين قد قاموا ببناء شبكة من الخنادق والتحصينات تحت الارض على جانبي الطريق كما انتشر الكثيرون على اسطح البنايات، وفتحوا نيران «الار بي جي» على رتل الدبابات، ويبدو ان العراقيين لم يدركوا مدى التطور الذي طرأ على الاسلحة التي في حوزة الاميركيين ومن بينها اسلحة تحول نيرانها أي مبنى الى رماد في لحظات. \r\n \r\n وفجأة انطلقت شاحنات وعربات بيك اب وسيارات اجرة على الطريق وتوقفت ليهبط منها العديد من الرجال المسلحين، الذين وقفوا على جانب الطريق في العراء تماما من دون اية حماية، وراحوا يفتحون نيران اسلحتهم الرشاشة هنا وهناك كان من السهل التعامل مع هؤلاء المسلحين الذين مضت اشلاؤهم تتناثر في كل مكان، وراحت الدماء تسيل بغزارة على قارعة الطريق. الا ان المعركة ظلت مستمرة. \r\n \r\n وكانت الاوامر مشددة بألا يتوقف زحف اللواء المدرع باتجاه العاصمة العراقية، والا يتورط افراده في معارك جانبية طويلة، وان تقوم الدبابات الموجودة بالمقدمة بفتح النار على اي شيء يتحرك، من دون ان تتوقف عن التقدم، على ان تقوم الدبابات الموجودة بالمؤخرة بالقضاء على ما يتبقى من اهداف لم تتمكن قوات المقدمة من ضربها. \r\n \r\n كما شددت الاوامر على ضرورة التحرك بسرعة 15 كيلومترا في الساعة، وان تكون هناك مسافة بين كل عربة مدرعة تبلغ 50 مترا فقط حتى لا تتاح الفرصة لايقاع جزء من الرتل في اي شرك خداعي. \r\n \r\n غياب المعلومات \r\n \r\n يقول مؤلف الكتاب انه لم تكن هناك اية معلومات عن طبيعة ما لدى العراقيين من اسلحة، ولم تتوفر معلومات استخبارية عن مدى ما احدثته الضربات الجوية بالقوات المسلحة العراقية. كما ان فرق الاستطلاع الاميركية لم تغامر بالقيام بحملات استطلاعية على الجزء الشمالي من العراق. شعر الجنود بخطورة الموقف، كان كل ما لدى اللواء عبارة عن صور فوتوغرافية عن بغداد، لا تظهر الاماكن التي يتحصن فيها العراقيون. \r\n \r\n اما صور الاقمار الصناعية فلا تظهر المخابيء المموهة او عناصر «الآر بي جي» المتخفية وسط الشوارع والازقة الضيقة وخلف نوافذ المنازل. وكانت قيادة اللواء الثاني قد طلبت ان تقوم عربة التصوير التي يتم تشغيلها آليا من دون طاقم بشري بالتقاط صور للعاصمة العراقية لكن لم يحدث ذلك لاسباب بيروقراطية او فنية. \r\n \r\n لم يكن العراقيون قد نسفوا الجسور والطرق العلوية المؤدية الى العاصمة على الرغم من ان الخبراء العسكريين الاميركيين توقعوا ذلك. \r\n \r\n كان كل ما لدى اللواء الثاني من معلومات مستقاة من صور الاقمار الصناعية وتقارير الطيارين الاميركيين الذين شنوا غارات جوية فوق بغداد تفيد بأن الطريق الثامن ممهد بشكل جيد، ولم تخربه اية ضربات جوية للتحالف، بل انه طريق اسفلتي حديث، وعليه اشارات مرورية بالاتجاهات مكتوبة باللغتين العربية والانجليزية ومعنى ذلك ان العراقيين تركوا الباب الخلفي للعاصمة مفتوحاً على مصرعيه! \r\n \r\n كانت المهمة هي استعراض للقوة وتدمير القوات العراقية في انطلاقة راعدة وهجوم مدرع خاطف على العاصمة. ويذكر ان الجيش الاميركي قام ب «انطلاقات راعدة» عديدة منذ حرب فييتنام، عندما تم اختراع هذا التعبير. ففي خلال تلك الحرب كانت قوات الفيت كونج تحاول قطع قوافل الامداد الاميركية التي كانت تسير على الطريق السريعة في طريقها الى قواعد المدفعية الاميركية. \r\n \r\n وكان الفيتناميون يقومون اثناء الليل بقطع الطرق ونصب الشراك الخداعية. ولتأمين تلك الطرق، ارسل القادة الاميركيون ارتالاً من الدبابات والعربات المصفحة في دوريات تبدأ عند غروب الشمس. وكانت هذه الارتال تسير بسرعة فائقة فتهز جانبي الطريق. بهدف جذب نيران العدو باتجاهها. ومنذ ذلك الوقت اصبح اي اندفاع سريع في اراض معادية يعرف باسم «انطلاقة راعدة». \r\n \r\n وعندما تعرض اللواء «الانطلاقة الراعدة» المندفع نحو بغداد صبحية يوم الخامس من ابريل لاطلاق نيران مكثفة، عرف الاميركيون ان هناك المئات وربما الالوف من العراقيين بعضهم بالزي العسكري، وبعضهم بالملابس المدنية يحملون المدافع والبنادق الآلية والرشاشات، وان هناك فدائيي صدام بملابسهم السوداء الفضفاضة والمقاتلين العرب الذين اتوا ليمدوا يد المساعدة للعراقيين. \r\n \r\n لمح افراد اللواء الثاني عربات مدرعة عراقية هنا وهناك، لكنهم لم يروا اية دبابات، وهذا يعني انه لن يكون هناك شيء قادر على تدمير دبابة «ابرامز» ذات التقنية المتطورة او عربة «برادلي» ذات التجهيزات الفائقة. \r\n \r\n لم تكن هذه العملية مثل عملية «عاصفة الصحراء» التي لم تشهد مواجهة بين جيشين، ان العملية الجديدة هي حرب مواجهة فعلية. \r\n \r\n فعلى الطريق السريع الثامن اصبح بمقدور الاميركيين رؤية ملامح العراقيين ووجوههم واجسامهم خلال المواجهات. \r\n \r\n الموقف يزداد تعقيداً \r\n \r\n في هذه الاثناء، تزايدت اعداد السيارات المدنية التي كان يستقلها مدنيون عراقيون للفرار من المنطقة التي تحولت الى ساحة قتال في لحظات. ازداد الموقف تعقيدا وسط مخاوف من الحاق خسائر في صفوف المدنيين بعد ان اصبحوا في قلب المعركة. \r\n \r\n كانت اطقم المدرعات الاميركية تتبع اوامر صارمة بتحديد طبيعة الأهداف قبل اطلاق النار. وكان من المفترض ان تطلق اعيرة تحذيرية، ثم تفتح النار اذا واصلت آلية سيارة مدنية اقترابها من الرتل. توقف بعض السيارات، ولكن واصل البعض الآخر تقدمه، فدهستها جنازير الدبابات والمدرعات، فانفجر عدد منها، واخذت دماء من كانوا بداخلها تسيل على النوافذ المهشمة كان الموقف مأساوياً ولم يعرف افراد اللواء الثاني عدد المدنيين الذين قتلوا بهذه الطريقة. لكنهم عرفوا ان أية مركبة تقدمت نحو الرتل كان مصيرها الدمار. \r\n \r\n خلال الاعداد لهذه العملية، تلقى الجنود والضباط من افراد اللواء الثاني وكتائب اخرى محاضرات نفسية وروحية بررت لهم اضطرارهم لقتل ابرياء عن غير عمد نتيجة لوجودهم وسط افراد عسكريين او في ساحة القتال. كما شرح لهم خبراء في علم النفس طبيعة المهمة التي ستؤدي الى قيامهم بقتل اعداد من البشر، اقنعتهم بانهم ان لم يقتلوهم فانهم سيقومون في المستقبل بقتل اعداد اكبر من بشر آخرين. قد يكونون هم او عائلتهم من بينهم. \r\n \r\n وخلال هذه المعارك، التي دارت بين قوات تمتلك قوة نيران هائلة واسلحة غاية في التطور التقني، وبين جنود عراقيين يقاتلون باسلحة متخلفة لا يمكن مقارنتها على الاطلاق باسلاح الذي يقاتل به الاميركيون، انتاب العديد من الجنود الاميركيين مشاعر متباينة. فكر الكثيرون في المشهد الذي يتابعونه والقتلى الذين تتطاير اشلاؤهم في الهواء ورائحة الموت التي تنتشر في كل مكان. \r\n \r\n وشعر البعض بالذنب لقتله هؤلاء، بل ان احدهم ذهب الى ابعد من ذلك، وراح يستغرب سبب ذهاب القتلة الى الكرسي الكهربائي لقتلهم اشخاصا آخرين، بينما يحصل الجنود في المعركة على اوسمة تقديرا لقتلهم في الحرب بشر آخرين. \r\n \r\n كل ذلك اعتمل في نفوس الكثيرين على الرغم من محاضرات علماء النفس ودروس القساوسة الذين اكدوا لهم ان صدام حسين رجل شرير، وقد قتل الالاف من ابناء شعبه، وان الاطاحة بنظامه سوف تنقذ ارواح الكثيرين. \r\n \r\n على الطريق الثامن وخلال هذه المعركة لم تصب من اللواء المدرع سوى دبابة واحدة تعرضت لطلق ناري في جنزيرها، فعطلت حركتها، ونشبت النيران فيها. حاول طاقم الفنيين والميكانيكيين وبعض افراد الدبابة اصلاح العطب، واستخدموا عدة مرات مطفئات الحريق لاخماد النار التي رحت السنتها تتصاعد في الهواء. الا ان كل هذه المحاولات باءت بالفشل. ازداد توتر قائدي الدبابات خاصة في ضوء الاوامر التي تقضي بضرورة عدم التوقف ومواصلة الزحف نحو العاصمة، خاصة وان اصابة هذه الدبابة اوقف مسيرة كل دبابات ومدرعات الكتبية لفترة من الوقت ولم يعد الامر يتحمل مواصلة هذا التأخير. \r\n \r\n لم يرغب الجنود في ترك الدبابة المعطوبة على الطريق ليستولي عليها العراقيون وتصبح مادة للدعاية لهم بالاضافة الى ان هذه الدبابة، وهي من طراز ابرامز تعد اكثر الدبابات تطوراً في سلاح المدرعات الاميركي. بعد مداولات واتصالات مع قيادة الفرقة الثالثة التابع لها اللواء تقرر تدمير الدبابة وهكذا تم تحويل ماسورة مدفع احدى الدبابات نحو الدبابة المعطوبة بدلا من تصويبها على العربات المدرعة العراقية، وتم اطلاق قذيفة حولت الدبابة الى كلتة من النيران وتصاعد الدخان كثيفا في السماء فوق الطريق السريع الثامن المؤدي الى قلب العاصمة بغداد. \r\n \r\n بعد ذلك توزع افراد الدبابة المدمرة على بقية الدبابات، لتواصل مدرعات اللواء انطلاقها باتجاه قلب العاصمة العراقية. \r\n \r\n فوجيء الجنود بعد رحلة طويلة عبر الصحراء برؤية منازل وبنايات حديثة ومحلات ومراكز تجارية تماثل المراكز التجارية الغربية والاميركية، ولاول مرة يدرك الجنود الاميركيون ان العراق دولة عصرية تسير على خطى تطورات القرن الحادي والعشرين بطرقها السريعة ذات الاشارات المرورية الدولية وسطحها الاسفلتي الناعم ومساراتها المتعددة وطرقها العلوية وجسورها وبالسيارات ذات العلامات المعروفة وطرزها الحديثة، هذه المشاهد جعلت بعض الجنود يصرخون دهشة قائلين «اننا بالفعل في مدينة حقيقية». \r\n \r\n استمرت المعركة على الطريق الثامن ثلاثين دقيقة احتك فيها الاميركيون للمرة الاولى بالعراقيين، وشهد الجنود حالات قتال غريبة على الرغم من تفوقهم التقني والميداني، ومن هذه الحالات التي اثارت حيرتهم اندفاع جنديين عراقيين نحو احدى دبابات «ابرامز» سيرا على الاقدام، وكأنهما سيدخلان في جولة من المصارعة معها. \r\n \r\n وعلى الرغم من سهولة التخلص منهما، الا انه ساد خوف للحظة من امكانية ان يضعا قنبلة يدوية بطريقة تؤثر على حركة الدبابة. \r\n \r\n شعرت قيادة اللواء الثاني بالارتياح مرة اخرى، بعد استئناف الانطلاق والاتجاه في طريق المطار، على الرغم من ان هذا التأخير قد اتاح للفدائيين والمقاتلين الفرصة لجمع الصفوف مرة اخرى. وكان باستطاعة الاميركيين رؤية رجال مسلحين يقفزون من شاحنات بدأت في الوصول من وسط المدينة وآخرين فوق اسطح وخلف نوافذ البنايات السكنية على طول الطريق الرئيسي. \r\n \r\n كانت الطائرات الاميركية التي تحلق فوق الطريق تحذر قيادة اللواء من ان مزيدا من العربات في طريقها الى الطريق الثامن قادمة من وسط المدينة كما تم تحذير الطائرات في المقابل من وجود مدافع مضادة للطائرات منصوبة بين اشجار النخيل على الطريق. \r\n \r\n حيلة مبتكرة \r\n \r\n اصبحت دبابات اللواء الثاني الآن اكثر قرباً من وسط المدينة، وتزايدت كثافة الحركة المرورية، وبالاضافة الى الخرائط العسكرية كانت الدبابات مجهزة بنظام لتحديد المواقع يعمل وفقا لبيانات من الاقمار الصناعية الا ان الامر لم يكن يتطلب عناء دراسة الخرائط، فقد امتلأ الطريق باشارات مرورية تشير الى وجود مخرج للطريق على بعد دقائق واشارات مرورية ضخمة زرقاء اللون مكتوبة باللغتين العربية والانجليزية مكتوب عليها: المطار. \r\n \r\n وكان كل افراد الكتيبة قد لاحظوا وجود مثل هذه اللافتات واندهشوا لوجودها، وكأنها ترشدهم بشكل افضل كثيرا من الخرائط والاجهزة التكنولوجية الخاصة بتحديد الاماكن. \r\n \r\n ازدادت كثافة النيران العراقية مع اقتراب الرتل المدرع من وسط المدينة. اكتشف الاميركيون ان بعض المقاتلين في الخنادق والمخابيء على جانبي الطريق يلجأون لحيلة جديدة، وهي ان يتظاهروا بالموت، وبعد ان تمر الدبابات، يقفزون من خنادقهم ويصوبون اسلحة « آر بي جي» على مؤخرات الدبابات، او يلقون عليها بالقنابل اليدوية. وفي حالة اخرى رأى الجنود عراقيين اثنين، الاول يلوح بخرقة بيضاء، والآخر يرفع كرسيا بلاستيكيا ابيض، ويشيران بألا نطلق النار عليهما. وبعد ان مضت الدبابات تاركة الرجلين استدارا والتقطا اسلحتهما وفتحا النار على مؤخرة الدبابات وردت احدى الدبابات عليهما، وقتلا في الفور. \r\n \r\n عندئذ ادرك قادة اللواء الثاني ان التكتيكات العراقية تعرض حياة المدنيين العراقيين والجنود الاميركيين للخطر، وراح القادة يشرحون للجنود الفروقات بين العربات المدنية والعسكرية والحيل التي يمكن ان يتبعها الجنود العراقيون بالتظاهر بانهم مدنيون او اسلوب التظاهر بالموت ثم النهوض وفتح نيران الاسلحة على مؤخرة اللواء. وسط كل هذه الظروف حاول قادة اللواء حماية كل افراد القوة البالغ قوامها 160 رجلا والتي اسندت لها مهمة اقتحام العاصمة العراقية. \r\n \r\n