\r\n من الواضح أن الشرق الأوسط يعاني من أزمة. ومبادرة الشرق الأوسط الكبير حددت بدقة القضايا الضرورية للتقدم والازدهار الطويلي الأمد, وهي التعليم والسياسة وحقوق المرأة والاقتصاد. إضافة إلى ذلك, رسمت المبادرة الخطوط العريضة لاستراتيجيات التدخل المناسبة. إذاً, ما الذي يجعل الكثيرين منزعجين إلى هذه الدرجة من مبادرة الشرق الأوسط الكبير؟ وليس مستغرباً أن يشعر المحافظون بالقلق, ولكن لماذا يشاركهم هذا القلق الكثير من المعتدلين؟ \r\n \r\n قد يكمن السبب في المخاطر الشديدة التي تنطوي عليها المبادرة بالنسبة للمعتدلين من جميع أنحاء المنطقة. فقد تؤدي مقاربة الانقضاض السريع الأميركية, التي تعتمد على التفوق الاقتصادي والعسكري, إلى ردود فعل مناوئة شديدة. وقد تلتقي القوى المحافظة مع الجماعات القومية على مستوى الدول كما على مستوى المنطقة لإنشاء تحالف مضاد لأميركا, مما يشكل نكسة شديدة لجوهر الأفكار التي تسعى المبادرة لتعزيزها. \r\n \r\n حتى يتسنى للمبادرة أن تحقق أهدافها, فإنها تحتاج إلى مبضع جراح سياسي وليس لفأس. فكل دولة من دول الشرق الأوسط تمثل حالة مختلفة, ولكل مجتمع قصة مختلفة. لذا, يجب أن تصمم المبادرة بحيث تراعي التفرد والمحلية وتأتي على أساس البيئة الخاصة لكل دولة. وهذا التحدي يتصف بدقة حساسيته وبصلته الوثيقة بالموضوع. \r\n \r\n إن بعض الذين ينتقدون المبادرة يجادلون بأن النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني هو السبب الجذري لأزمة الشرق الأوسط. لذلك, فإن تجاهل مبادرة الشرق الأوسط الكبير لهذا النزاع, كما يفترض أنها فعلت, يعني أن المقاربة في مجملها خاطئة. \r\n \r\n أما الواقع فيناقض ذلك تماماً. فإدارة بوش اقترحت استراتيجيات, هي الأوفر حظاً في البقاء, لتحقيق تقدم يؤدي في آخر المطاف إلى حل متفاوض عليه للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. وقد لا تكون هذه السياسات جزءاً من وثيقة مبادرة الشرق الأوسط الكبير, لكنها بالتأكيد متممة لها. \r\n \r\n وبالنسبة لكثير من الإسرائيليين, فإن السبب الجذري لاستمرار النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني هو مزيج من ظاهرتين تحدثان على الجانب الفلسطيني: أولاهما: يثق عدد لا بأس به من الفلسطينيين بأن الوقت يعمل لصالحهم. \r\n \r\n ويجادل أصحاب هذا الرأي, معززين بوثيقة جنيف, بأن الفلسطينيين يحققون باضطراد اتفاقيات أفضل. إضافة إلى ذلك, يرى بعض الفلسطينيين بأن المصالح الفلسطينية يمكن تحقيقها بشكل أفضل بتحويل مسار النضال من دولة مستقلة قابلة للحياة إلى حقوق سياسية متساوية في إطار كيان سياسي واحد, مما سيؤدي إلى نهاية إسرائيل كدولة يهودية. ووجهتا النظر هاتان تخلقان معارضة داخلية للتوصل إلى اتفاقية سلام شامل مع إسرائيل. \r\n \r\n الظاهرة الثانية تتمثل في آلية صنع القرار الفلسطينية. فيبدو أن النظام السياسي الفلسطيني, الذي تطبع بسنوات تجربة الكفاح المسلح في المنفى, يتطلب تأييداً واسعاً لتمرير أي قرار كبير, متبنياً الغموض بينما يسمح للفصائل المتطرفة بحرية الاستمرار في ممارسة نماذجها للكفاح المسلح. من ثم, فإن هذا النظام يتنازل عن سلطته بشكل غير مناسب لصالح المتطرفين. هذا بالإضافة إلى قيادة عرفات التي رفضت بإصرار إنفاذ سيادة القانون ووحدانية القيادة بما يتجاوز المجموعات المسلحة. فهذه الأنماط تقوّض احتمالات أي تقدم في الوضع. \r\n \r\n لقد أضحى واضحاً لإسرائيل على نحو متزايد بأن عليها أن تتبنى استراتيجية سياسية تتمتع بالمصداقية - خارج طاولة المفاوضات, ولا تعتمد على المفاوضات المفتوحة, ومن ثم غير مشروطة بالموافقة الفلسطينية - لإنهاء السيطرة على الفلسطينيين. وعلى الولاياتالمتحدة بدورها أن لا تجعل من هذه الموافقة شرطاً مسبقاً لسياساتها. \r\n \r\n ففك الارتباط بغزة والضفة الغربية وقيام دولة فلسطينية يشكلان عناصر خيار أحادي الجانب ذي مصداقية كهذا. وستؤمن استراتيجية إسرائيلية كتلك مصالح إسرائيل الحيوية, وستزيل الوهم الفلسطيني بدولة ثنائية القومية, وستخلق حيزاً لنشؤ قيادة فلسطينية أكثر مصداقية يمكن محاسبتها. بالإضافة إلى ذلك, فإنها قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تغيير وجهة النظر الفلسطينية بأن الوقت يعمل لصالح الفلسطينيين, مما يؤدي إلى تقوية الفلسطينيين المعتدلين وتحسين احتمالات التوصل إلى اتفاقية شاملة. فالخيار القابل للحياة ذو المصداقية - خارج طاولة المفاوضات - هو الخيار الوحيد الذي يمكن له أن يدفع بالنظام السياسي الفلسطيني للارتقاء إلى مستوى حدث المفاوضات في المستقبل, بمحاربة الإرهاب وبتوفير الإمكانيات الضرورية لإدارة الدولة. \r\n \r\n ولهذا السبب, فإن في خطاب بوش الذي يعتمد حل الدولتين, وخريطة الطريق التي تمهد الطريق لدولة فلسطينية, والخطة الإسرائيلية الأحادية الجانب لفك الارتباط, الأعمدة الثلاث لما قد يبدو منهجاً أحادي الجانب, إلا أنه في الواقع قد يسير بالمنطقة نحو تسوية شاملة. \r\n \r\n ورغم نتيجة استفتاء حزب ليكود على خطة فك الارتباط, فإن الحركة الصهيونية في صدد قلب صفحة, وسوف ينتهي قريباً احتلال الفلسطينيين. وسيتم بلوغ حقهم في تقرير المصير في دولة فلسطينية مستقلة, وقابلة للحياة, ومتصلة (غير مجزأة), وتحكم الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة. وعلى رغم المخاطر والنكسات الأخيرة, فإن التغيرات الحادثة داخل إسرائيل والسياسة الأميركية تخلق, معاً, حيّزاً جديداً للتقدم نحو الاستقرار والتعايش. \r\n \r\n - مؤسس ورئيس معهد ريؤت, شغل منصب سكرتير الوفد الإسرائيلي لمفاوضات الوضع النهائي في الفترة من 1999 إلى 2001, أثناء حكم رئيس الوزراء باراك. والمقال جزء من سلسلة مقالات عن المبادرة الأميركية للإصلاح, \"الشرق الأوسط الكبير\", يُنشر بالتعاون مع خدمة Common Ground الإخبارية. \r\n