وبين لمستمعيه ومشاهديه أبعاد تلك الحرب وطبيعتها. وفي معرض ذلك التوضيح، جاء على لسان الرئيس قوله:\"إن تلك الحرب ستكون أطول مدى من كل ما رأيناه من قبل، وإنها سوف تشهد ضربات مفاجئة ودراماتيكية، كما أنها لن تخلو من كثير من العمليات السرية غير المعلنة\". ومضى الرئيس مستطردا في شرحه وتوضيحه لأبعاد تلك الحرب إلى القول:\"سوف نعمل على ملاحقة وتعقب كافة الحكومات والأنظمة التي تقدم المساعدات، أو توفر الملاذ والمأوى للإرهابيين والإرهاب\". \r\n وما أن أنهى بوش حديثه عن إعلان الحرب على الإرهاب، حتى حظي بتأييد شعبي واسع النطاق داخل الولاياتالمتحدة الأميركية، علاوة على الدعم الدولي الكبير الذي حظي به من قبل دول وشعوب العالم المتحضر. لحظتها كانت قد أعلنت شعوب وحكومات كثيرة تأييدها غير المتحفظ ولا المحدود، لبلادنا في حربها على الإرهاب. \r\n \r\n وفي شهر فبراير من عام 2002، كان الرئيس بوش قد أعلن قراره القاضي بأن السجناء والأسرى المنتمين إلى تنظيم القاعدة في معتقل جوانتانامو، لا تنطبق عليهم صفة أسرى الحرب، ونصوص معاهدة جنيف الثالثة المعروفة، ونصوصها في شأن معاملة أسرى الحرب. وكان المنطق الذي بنى عليه بوش إعلانه ذاك، أن تنظيم القاعدة ليس دولة أو حكومة، لذا فإنه يستحيل قانونا، أن يكون طرفا في تلك المعاهدة، التي تقتصر عضويتها على الدول والحكومات. وهذا يعني أن نصوص المعاهدة المذكورة لا تنطبق على معتقلي التنظيم وفقا لهذا المنطق القانوني. \r\n \r\n أما فيما يتصل بمعتقلي وأسرى حركة طالبان - وهي الحركة الشريكة والمؤازرة لتنظيم القاعدة أيام حكم طالبان في أفغانستان- فقال بوش إن نصوص معاهدة جنيف الثالثة تنطبق عليهم، بصفتهم مقاتلين باسم دولة وحكومة سابقة. ولكنه أقام عليهم حجة أخرى، فحواها أنهم غير مؤهلين لأن يتخذوا صفة \"أسرى الحرب\". أما المنطق القانوني الذي بنيت عليه هذه الحجة، فيتلخص في أن المعاهدة المذكورة، تنص صراحة على \" ضرورة تمييز المقاتلين لأنفسهم عن المدنيين\". \r\n \r\n وهذا ما لم يكن يحرص عليه مقاتلو طالبان، ولا الحركة نفسها، في مستوياتها القيادية العليا. إذ ليس هناك زي رسمي عسكري يميز مقاتلي طالبان عن بقية المدنيين الأفغان كما نعلم. \r\n إلى ذلك كله، أكد الرئيس بوش دون لبس أو غموض، التزام بلادنا التام، بكل ما جاء في معاهدات جنيف، ونصت عليه في هذا الشأن. كما أكد بوش التزام الولاياتالمتحدة، بسياسات ومبادئ المعاملة الإنسانية اللائقة، لمعتقلي سجن جوانتانامو من مقاتلي طالبان وتنظيم القاعدة، من قبل أفراد الجيش الأميركي، والمسؤولين عن أمنهم وحراستهم. يتضمن هذا التصريح الأخير، أن تتسق تلك المعاملة - أينما ووقتما استدعت الضرورة العسكرية- مع المبادئ التي نصت عليها معاهدة جنيف المذكورة. \r\n \r\n ولا تعني هذه الالتزامات المعلنة من جانب الرئيس بوش إزاء مقاتلي تنظيم القاعدة وطالبان المحتجزين في السجون والمعتقلات الأميركية، أنها قاصرة على الجانب القانوني وحده. فالمعروف عن معاهدة جنيف أنها توفر حماية لأولئك المقاتلين الذين يقاتلون باسم دول وحكومات، ارتضت الالتزام بما نصت عليه المعاهدة. بل أكثر من ذلك، تمييز هؤلاء المقاتلين لأنفسهم عسكريا، عن الأفراد المدنيين في تلك الحكومات. هذا الشرط الأخير، هو أحد الشروط الجزئية التي يتمتع بموجب توفرها، السجين بصفة \"أسير الحرب\". \r\n \r\n وفيما لو منحت هذه الصفة لأولئك المقاتلين الإرهابيين الذين يندسون في أوساط المدنيين، ويعملون بأفعالهم ونواياهم الشريرة، على هدم ونسف كامل المبادئ التي قامت عليها معاهدة جنيف نفسها، فإننا بذلك إنما نمنحهم حافزا ودافعا كبيرا، يؤمن لهم الاستمرار في انتهاكهم لقوانين الحرب، ومواصلة عملياتهم الإرهابية الإجرامية. \r\n \r\n هذا فيما يتصل بحالة وأوضاع أسرى القاعدة وطالبان في سجن جوانتانامو الكوبي. أما حين يأتي ذكر العراق، فلابد من القول إنه لا يمثل جبهة مهمة في الحرب على الإرهاب فحسب، بل إنه يعد حالة خاصة ومختلفة أيضا. فكلتا الدولتين المتحاربتين- الولاياتالمتحدة والعراق- تتمتعان بعضويتهما في معاهدات جنيف. من جانبها تعترف الولاياتالمتحدة بأن تلك المعاهدات ملزمة لها في حربها التي استهدفت تحرير العراق. \r\n \r\n وما من شيء البتة في مجمل سياساتنا، يشير من قريب أو بعيد، إلى أن المعاهدات المشار إليها، لم تعد ملزمة لنا في حربنا على العراق. وعلى رغم الصدمة والأنباء المزعجة التي تناقلتها وسائل الإعلام عن معاملة السجناء العراقيين مؤخرا، وما أثارته تلك الأنباء من تساؤلات وشكوك البعض، في مدى التزامنا بالمعاهدات المذكورة، إلا أنه ليس هناك أدنى شك في أن الولاياتالمتحدة لا تزال ملزمة بتطبيق قوانين الحرب المنصوص عليها في معاهدات جنيف. \r\n \r\n نقول صراحة ودون أدنى مواربة، إنه لأمر مثير للاشمئزاز أن تساء معاملة أي سجين أو أسير. ومن جانبها تحرص حكومة الولاياتالمتحدة وتعمل، على تأكيد التزامها التام بمعاهدات جنيف في هذا الشأن. ومما لا شك فيه، أنها ستمضي دون تسويف في التصدي لهذه الانتهاكات المشينة التي حدثت، وفقا لمبادئ العدل والقانون. صحيح أنه لا يزال علينا أن نحمي بلادنا من خطر الإرهاب، إلا أن علينا في ذات الوقت، حماية المبادئ والمثل والقيم التي جعلت من أمتنا دولة متحضرة وإنسانية. \r\n \r\n * مستشار الرئيس الأميركي \r\n «نيويورك تايمز» \r\n \r\n