ومع ذلك، ونتيجة لارتفاع الطلب العالمي على النفط، بسبب ارتفاع الطلب الصيني المتزايد عليه، فقد أصبحت سوق النفط العالمية مشدودة كجلد الطبل. أما أسعار النفط الخام، فقد ارتفعت بدورها بنحو 12 دولاراً عن البرميل الواحد، قياسا لأسعاره في العام الماضي 2003. ومن هنا ينشأ السؤال: ما الذي سيحدث على وجه التحديد، فيما لو انحرفت الأوضاع نحو اتجاه خطير حقا؟ \r\n \r\n دعني أضع الفكرة نفسها في قالب مختلف نوعا ما. نذكر أن آخر ارتفاع مماثل شهدته أسعار النفط كما هو حادث الآن، كان في عام 1991 مع حرب الخليج الأولى. وقتها كانت هناك كميات كبيرة من احتياطيات النفط عالميا. ولذلك السبب، فقد كان هناك هامش يسمح بامتصاص أية صدمة ربما تنشأ عن حدوث انقطاع أو نقص في الإمدادات النفطية. هذا الهامش الاحتياطي، هو على وجه التحديد ما نفتقده اليوم. فالوكالة العالمية للطاقة، تقدر احتياطي العالم من الإنتاج النفطي بنحو 2.5 مليون برميل يوميا، يكاد يتمركز معظمه، في منطقة الخليج العربي. كما تتنبأ الوكالة أيضا، بأن يرتفع الطلب العالمي على النفط خلال هذا العام 2004، بمعدل يبلغ متوسطه حوالي مليوني برميل من النفط يوميا، بالمقارنة مع العام الماضي 2003. والحال هكذا، فإن عليك أن تتصور ما الذي سيحدث فيما لو نجح المقاتلون في العراق في تنفيذ المزيد من العمليات والهجمات ضد أنابيب وخطوط إمداد النفط. كما عليك أن تتخيل ما سيحدث فيما لو نشأت حالة من عدم الاستقرار في المملكة العربية السعودية. هب أن انقطاعا مفترضا كهذا لم يحدث في إمدادات النفط العالمية. حتى في هذه الحالة، فإن السؤال لا يزال قائما: من أين سيأتي كل النفط المطلوب لسد النقص، وارتفاع الطلب العالمي على النفط؟ \r\n \r\n لنقف برهة على القواعد والقوانين الاقتصادية الأساسية. فمما تقول به النظريات الأساسية في هذا المجال، إن الأسواق تتقن ضبط حركتها مع الارتفاع الهائل في الطلب على العرض. ففي هذه الحالة، تكون الأسعار مرتفعة، مما يعني أن هناك حافزا ربحيا يدفع المنتجين نحو المزيد من الإنتاج، بينما لا يتوفر الحافز نفسه بالنسبة للمستهلكين، كي يرفعوا نسب ومعدلات استهلاكهم. وبهذه الآلية، تستطيع الأسواق استعادة توازناتها في مثل هذه الظروف. صحيح أن القانون نفسه، والآلية ذاتها، سوف يسريان هنا فيما لو حدثت زيادة كبيرة في الطلب، مقارنة بالعرض هذه المرة. ولكن لابد لنا من أن نتساءل إلى أي مدى سيستمر وضع كهذا، وأي معدل سيصل إليه ارتفاع أسعار النفط خلال الفترة المشار إليها أعلاه؟ \r\n \r\n ولكي تمعن النظر جيدا إلى المشكلة، فإن عليك أن تفكر في وقود الجازولين. فالشاهد أن استقرار أسعار الجازولين، يؤدي لاستخدام المزيد من السيارات التي تقل فيها تكلفة استهلاك الوقود. في عام 1990، فيما نذكر، فقد كان المتوسط الذي تقطعه السيارات الأميركية في المدة ذاتها، يقدر بنحو 40 في المئة عن الجالون الواحد، مقارنة بعام 1973. لكن مما لا شك فيه، أن استبدال السيارات القديمة، بأخرى جديدة، ربما يستغرق بضع سنوات. وفي استجابة أولية لحدوث أي نقص أو انخفاض حاد في إمدادات الجازولين، فإن على المستهلكين، أن يدخروا الوقود بتقليل استخدامهم لسياراتهم وتقليل المسافات التي يقطعونها في التنقل بها. لكن الواقع أن الناس لا تلجأ إلى هذا الحل، إلا اضطرارا، وفي حال ارتفاع خرافي في أسعار الوقود. وهكذا فإن الذي سيحدث هو هذا الارتفاع الخرافي في أسعار النفط. \r\n \r\n وفي الحقيقة فإن زيادة سعة الإنتاج، تستغرق وقتا أطول من ذلك الذي تستغرقه عملية استبدال السيارات القديمة بأخرى جديدة. أضف إلى ذلك ندرة اكتشاف حقول نفطية كبيرة، يعول عليها من الناحية الاقتصادية أو التجارية. أشير هنا إلى أنني كنت قد أسقطت سهوا إشارة مهمة لحقلي نفط ضخمين اكتشفا في جمهورية كازاخستان أحدهما في 1979 والآخر في عام 2000 ووفقا لواقع الإنتاج الماثل اليوم، فإن مهندسي البترول، يواصلون ضخهم للنفط من الحقول المعروفة. وأصبح من غير المرجح ولا المأمول فيه مطلقا، حدوث طفرة كبيرة في إنتاج دول خارجة عن نطاق أوبك - منظمة الدول المنتجة والمصدرة للنفط- على غرار ما كان قد حدث في أعقاب أزمة 1973. \r\n \r\n المرجح إذا، أن تبقى أسعار النفط العالمية على ما هي عليه من ارتفاع. بل وربما ترتفع أكثر كلما تواترت الأنباء السيئة عن منطقة الشرق الأوسط. وبقدر ما تتواتر الأنباء السيئة، بقدر ما تلوح نذر أزمة نفطية عالمية حقيقية، تخشى عواقبها وتأثيراتها الاقتصادية. ولتخيل حجم الضرر الاقتصادي الذي يمكن أن ينشأ عن أزمة كهذه، لك أن تتصور أن كل زيادة تقدر ب 10 دولارات عن البرميل الواحد، يوازيها ارتفاع ضريبي يقدر بنحو 70 مليار دولار، يقع على كاهل المستهلك ودافع الضريبة الأميركي. وما شهده الشهر الماضي من ارتفاع في أسعار الإنتاج النفطي، لم يكن سوى بروفة لما يمكن أن يكون عليه الحال، فيما لو ظلت الأسعار على ارتفاعها. وبالمناسبة، فقد ارتفعت أسعار النفط العالمية بمعدل 60 دولاراً للبرميل الواحد بسعر اليوم، عقب الثورة الإيرانية في عام 1979. \r\n \r\n لمَ لا نثير السؤال التالي إذاً: هل من الممكن أن تؤدي صدمة نفطية اليوم، إلى ذلك التضخم المصحوب بالركود الاقتصادي الذي شهدته حقبة السبعينيات؟ أي أن تكون النتيجة تضخما، يوازيه حدوث ارتفاع في معدلات البطالة؟ لحسن الحظ، فإن هناك الكثير مما يطمئن في الإجابة على هذا السؤال في وقتنا الحالي. على أنه من المهم القول إنه ليس من الحكمة في هذا الوقت، أن ننتهج سياسات خارجية تهدف إلى إجراء تحولات جذرية في منطقة الشرق الأوسط. وبذلك نكون قد هددنا استقرار أهم مورد للنفط العالمي. \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\"