اعتادت إدارة أوباما على وضع استراتيجياتها في الشرق الأوسط استناداً إلى تفكير حالم. وخلال العام الماضي، افترضت أن رئيس النظام السوري بشار الأسد سيوافق بصورة سلمية على التنازل عن السلطة في مؤتمر السلام الذي عقد بجنيف، وأن الإسرائيليين والفلسطينيين كانوا مستعدين وراغبين في التوصل إلى تسوية سلام نهائية في غضون أشهر. ويحدو الإدارة الأميركية الآن أمل جديد هو أن «دولة القاعدة» المتطرفة والمتعطشة للحرب بشكل مخيف، والتي رسخت ركائزها في غرب العراق وشرق سوريا، يمكن التعامل معها من خلال تشكيل حكومة «شاملة» جديدة في بغداد توحد القوى الشيعية والسنية والكردية ضد الإرهابيين. ومثل الخطط السابقة التي وضعتها الإدارة، تمتاز «خطة حكومة الوحدة» بأنها مرتكزة على فكرة قائمة ولا تحتاج سوى تحرك محدود من قبل الولاياتالمتحدة لا يزيد على الإدلاء بتصريحات دبلوماسية. ولكن كما حدث من قبل، يحذر حلفاء واشنطن في المنطقة من أن هذه السياسة لن تتوافر لها فرصة النجاح، ولن تكون أكثر من مجرد تأجيل لرد أكثر واقعية. وقد وجّه قائدان كرديان رفيعا المستوى الأسبوع الماضي جرعة منشطة من التصريحات الصريحة إلى البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية. وركّز فؤاد حسين، رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان، وفلاح مصطفى باكير، وزير الإقليم للشؤون الخارجية، على نقطتين أساسيتين هما: أن أية حكومة عراقية جديدة -إن أمكن تشكيلها- سيكون عليها إقصاء المالكي، بينما تراجع بشكل صارم توازن القوى بين بغداد والأقاليم، وحتى إذا نجح ذلك، فإن هزيمة القاعدة ستتطلب قوى أكثر من القوات العراقية. وأوضح حسين قائلاً: «أصبح لدينا واقع جديد؛ فقد أضحت لدينا ثلاث دويلات في عراق واحد، وتوجد دولة جديدة بين كردستان وبغداد، ولذا لا يمكننا العودة إلى الماضي». وقد سمح انهيار الجيش العراقي في شمال وغرب البلاد للأكراد بتوسيع أراضيهم بنحو 40 في المئة، بما في ذلك مدينة كركوك، ويسيطرون الآن أيضاً على نحو ربع إنتاج النفط العراقي. وتمتلك كردستان الآن حدوداً بطول 1035 كيلومتر مع الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم ما يسمى «الدولة الإسلامية»، و15 كيلومتراً فقط مع ما تبقى من العراق. وبإلحاح من وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وافق الأكراد بشق الأنفس على التفاوض حول تشكيل حكومة مركزية جديدة. ولكنهم أصروا أيضاً على أنهم سيمضون قدماً في إجراء استفتاء على «تقرير مصير إقليم كردستان». وليست لديهم نية العودة إلى الوضع الراهن، ومن ثم استمرار في الاعتماد على الحكومة المركزية في الدخل، والتخلي عن تصدير نفطهم بشكل مباشر وتأجيل المطالبة بما يعتبرونه حقهم في كركوك. وذكر باكير «طُلب من الأكراد تولي زمام المبادرة في تشكيل حكومة جديدة»، في إشارة إلى وزير الخارجية كيري، مضيفاً: «لكن ما المقابل؟». وحتى إذا تحمس الأكراد، فإن إمكانية تشكيل هذه الحكومة في بغداد سيكون موضع شك. ويمثل المالكي المدعوم من قبل إيران ونظام الأسد في سوريا، عقبة في الطريق. ويبدو أن هذا المحور من الشيعة المتعصبين عازمون على محاربة قوات الجماعات السنية المتطرفة، من دون تقديم تنازلات إلى الأكراد أو السنة المعتدلين. ولم يظهر حتى الآن بديل شيعي للمالكي يحظى بتأييد واسع النطاق. وربما يكون الحل السياسي ممكناً لو أن إيران توصلت إلى ضرورة رحيله. ولكن حتى عندئذ من المستبعد أن تتمكن القوات العراقية وحدها هزيمة «داعش». نوع المقال: العراق الولاياتالمتحدة الامريكية