أرسلت الولاياتالمتحدة تعزيزات أمنية إلى محيط سفارتها ببغداد، تشمل 250 من عناصر «المارينز» وطائرات النقل العسكرية من طراز «أوسبراي». ويذكر أن سفارة الولاياتالمتحدةبالعراق هي أكبر سفاراتها في العالم، حيث تماثل مساحتها مساحة الفاتيكان، مع حمامات السباحة وحلبات التزلج. وتهدف هذه التعزيزات إلى حماية السفارة من خطر التهديد الموجه لبغداد من قبل قوات «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش). وقد استولت «داعش» بالفعل على الموصل وجزء كبير من شمال شرق العراق، وتهدف حالياً إلى الاستيلاء على مدينة سامراء التي تضم المزارات الشيعية وبغداد نفسها. بعض منا، ممن شهد طموحات هذه السفارة عند تشييدها، كان لديه هاجس أنه قد ينتهي بها الحال في نهاية المطاف بأن تكون «الكابيتول» (مبنى البرلمان الأميركي) لهذه الخلافة الإسلامية التي يعلنها الآن متشددو «داعش»، والتي كان فقط المصابون بجنون العظمة في واشنطن يتخيلونها. وقد كان الهدف من إنشاء سفارة بغداد، هو أن تصبح مقراً لحاكم الإمبراطورية الغربية التي كانت في التصور الأميركي– الإسرائيلي، والتي أعلنت في إسرائيل في يونيو من عام 2006 من قبل وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك «كوندوليزا رايس» ورئيس الوزراء الإسرائيلي «إيهود أولمرت». وقد تزامن هذا الإعلان مع الهجوم الإسرائيلي على لبنان، والتي كان من المتوقع أن تصبح مدخل البحر المتوسط الغربي ل«الشرق الأوسط الجديد»، الذي أعلنه المسؤولان، والذي يمتد من لبنان وسوريا على البحر المتوسط، ويتخلل الدولة العراقية التي تتتألف من دويلات تابعة للسُنة والشيعة والأكراد، وتتواصل عبر إيران بوسط آسيا، وصولاً إلى «بلوشستان الحرة» بأفغانستان، وباكستان المتحالفة، ومشارف جبال الهمالايا وما وراءها حتى الإمبراطورية الصينية الصاعدة. إنها حقاً نعمة أن يكون الأمل لا يزال على قيد الحياة، وأن تكون شاباً ومن «المحافظين الجدد» في واشنطن التابعة لبوش وتل أبيب التي تتصدى للعرب، فقد أثبت هجوم يونيو 2006 على لبنان أنها دولة لا يمكن هزيمتها مرة أخرى من قبل حزب الله). أذكر استدعاء لدول «الناتو» لحضور احتفال في شتاء هذا العام في بروكسل، ولعقد مؤتمر صحفي للإحتفال والتصريح بالمزيد عن هذا التوقع الجيوسياسي المحتمل النابع من المثقفين الواهمين الذين أحاطوا بالرئيس القاهر جورج بوش الإبن. واليوم، وفي واشنطن التي أفاقت من أوهامها، يتشاجر «الجمهوريون» و«الديمقراطيون» حول كيفية الدفاع عن العراق أكثر مما تقدمه قوات «المارينز». ولكن هل يمكن للعمليات الجوية أن تكون حقاً فعالة دون وجود مراقبين على الأرض؟ كما أن حشداً مبعثراً من الأفراد غير النظاميين سريعي الحركة لا يمكن أن يكونوا أهدافاً سهلة. أما بالنسبة لأولئك الأميركيين، وهم من أبرز الأهداف لهؤلاء الأفراد غير النظاميين لداعش، فيبدو أنه عندما قامت الولاياتالمتحدة بسحب «قواتها المقاتلة» من العراق، بناء على طلب العراق، لم يستجب الجميع لهذا الطلب. وتفيد التقارير أن حوالي خمسة آلاف شخص يعملون في هذه السفارة الضخمة، وقيل: إن مجموعة تتألف من 500 مقاول من شركة «لوكهيد-مارتن» الأميركية كانوا يعملون في قاعدة «بلال» الجوية، بينما يشير تقرير آخر إلى أن هناك بعثات أميركية مشابهة أو ذات نشاط آخر لا تزال نشطة في مكان ما بالعراق، أو أن بعض الأميركيين قد توجهوا بالفعل إلى الأردن والكويت. أما بالنسبة للاشتباك السياسي الوشيك في واشنطن، فهو ذلك الذي يثير اهتمام الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة (إلى جانب الحكومة الإسرائيلية). فهو يدور عما ستفعله الولاياتالمتحدة حيال حقيقة أن مصلحتها في العراق تتزامن الآن مع مصلحة إيران– فكلاهما يرغب في إنقاذ الحكومة الشيعية لرئيس الوزراء نوري المالكي، وبالنسبة لإيران منع تدمير المزارات الدينية الشيعية بمدينة سامراء. أقول: إن هذا يثير اهتمام الحلفاء الأوروبيين لأنهم لم يوافقوا أبداً، ولم يفكروا في الواقع بجدية، على العداء الشديد للحكومة الأميركية ومعظم الطبقة السياسية بها لإيران وشعبها. وهم يفهمون، بالطبع، ماذا يعني أن يكون لديهم موظفون يعملون في إحدى سفاراتهم الأجنبية، ويتم اعتقالهم من قبل بعض الطلاب (لترضية الحكومة الثورية بهذه الدولة) لمدة 444 يوما، وفوق كل ذلك وضع خطة إنقاذ خرقاء وغير متقنة، مما يضيف مزيداً من الهوان. (وكل ما كنا نفعله أننا ندعم ببساطة الشاه الديكتاتور في هذه الدولة). وبالطبع، فإن جميع العاملين في السلك الدبلوماسي يفهمون الضغط المتجدد والمستمر الذي تتعرض له واشنطن من قبل إسرائيل وأصدقائها، الذين يخشون إيران ويريدون تدميرها باعتبارها ثاني أكبر دولة خطيرة في المنطقة. ولكن رغم ذلك– ولكي تبعد أمتك عن أي علاقة خطيرة مع واحدة من أكبر وأهم الدول غير الغربية في العالم، بالإضافة إلى كونها واحدة من أكبر الدول المنتجة للنفط، فإن الأمر يبدو وكأنه حالة عبثية، إنه حتى أسوأ من اضطهاد واشنطن الصبياني والمستأسد، والذي دام نصف قرن لكوبا، أي ينبغي أن تكون تصرفات الولاياتالمتحدة أكثر نضجاً من ذلك، كما يقول الأوروبيون. ولكن أن تتعاون واشنطن بأي صورة جدية حول أزمة العراق مع من تُعتبر، من الناحية الموضوعية، شريكتها الاستراتيجية في المنطقة، أي إيران، فإن ذلك سيكون من وجهة نظر إسرائيل «انقلاباً جوهرياً للتحالفات»، حتى وإنْ لم تقل الحكومة الإسرائيلية سوى القليل عن هذا الأمر، (ولكن مؤيديها في الولاياتالمتحدة سيقولون الكثير!)، فإن «اليمين» الإسرائيلي، وقطاعاً كبيراً من الطبقة السياسية الإسرائيلية ستحكم على الولاياتالمتحدة باعتبارها صديقاً كاذباً وملتبساً وخطيراً. كما أن إسرائيل ستسقط في المزيد من جنون العظمة أكثر مما تعيش فيه بالفعل. وفي هذه الحالة قد تصبح دولة في غاية الخطورة – بالنسبة لإيران، أو حتى بالنسبة للولايات المتحدة. نوع المقال: العراق الولاياتالمتحدة الامريكية