يخطئ البعض عندما يظن أن التحول الديمقراطي يصبح ممكناً بمجرد حلول انتخابات حرة وشفافة يصوت من خلالها الشعب على الدستور الجديد والحكام الجدد. إن استقرار قيم المحاسبة والمساءلة وترسخ مفاهيم الفردانية والمواطنة والتعددية وحقوق الإنسان والمساواة في سلوك الأفراد، يعد عاملاً محدداً لتطور بذرة الديمقراطية لأنها ستغرس في بيئة سليمة، وستسقى بماء التعقل، وستتغذى بمؤسسات شرعية ودستورية، وبعدم وجود استقرار تلك المفاهيم في ضمائر الناس وتصرفاتهم، سرعان ما يهن عظم الديمقراطية الوليدة وتقوى الصراعات ويكبر الشد والجذب بين فئات المجتمع الواحد بما قد يصل إلى حروب مسلحة داخلية، تأتي على الأخضر واليابس... فالديمقراطيات الفقيرة تتعدى الأنظمة السلطوية في أدائها الاقتصادي والاجتماعي، لأن المؤسسات تسمح بالتناوب السياسي وتشجع على المبادرة والانفتاح، وتتحسن في ظلها البرامج التنموية والاقتصادية، وتندثر المحسوبية الضيقة التي تعمي بصائر بعض الساسة عن السعي في رفاهية المجتمع، ويتصلب عود مبدأ «المراجعة والموازنة» (Checs and Balances) أي مراجعة مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية لبعضها بعضاً في سبيل الوصول إلى نقطة الموازنة لخدمة المصلحة العامة للوطن. وهذا يخالف توجه الأنظمة الاستبدادية، لأن الاحتكار السياسي فيها غالباً ما يولد الاحتكار الاقتصادي، وهذا ما يخلق الزبونية والمحسوبية ويضعف المنافسة والابتكار ويؤدي بالتنمية والتطور إلى وادي الهلاك.أنا لا أريد ازدراء القضاء الفرنسي واستقلاليته، فله تاريخ طويل من الاستقلالية وقوانيه قوانين صلبة ومتينة، ولكن بمراجعة القصص أعلاه فإن الساسة والسياسويين قد يدخلون مؤسسات الدولة في غيابات الجب ويوقعونها في تصرفات وإجراءات وعمليات سلطوية ولاديمقراطية... فبين فضيحة التنصت وعلم الصحافة بذلك، أين هو مبدأ قرينة البراءة ومبدأ التحفظ وعدم التشهير بالمدعى عليه قبل أن تثبت إدانته؟ وأين هو مبدأ استقلال السلطات عندما تدعي وزيرة العدل أنها لم تكن على بينة قبل نشر الخبر في جريدة «لوموند» الفرنسية لتتدارك فيما بعد (لأنها تعي جيداً مبدأ فصل السلطات) وتقول: أين هو المشكل إذا أخطأت أو أخطأ غيري في التواريخ؟! ثم من أعطى المعلومات السرية لجريدة لوموند الفرنسية؟ بمعنى أن هناك محركين خارج القانون يرتدون في غالب الأمر لبوساً سياسية ولا يظهرون شرهم وتكون عندهم المصالح السياسية قبل مصالح الدولة وهنا الكارثة. لقراءة هذا المقال كاملا اضعط هنا