لم يخرج خطاب «حالة الاتحاد» الذي ألقاه أوباما أمس، سواء من حيث الشكل أو المضمون، عن المعتاد، كما لن تختلف أيضاً ردود الفعل، لتبقى الذهنيات والمواقف السياسية هي نفسها دون تغيير كبير، لكن مع ذلك يكتسي الخطاب أهمية لا مراء فيها تتمثل في قدرته على صياغة الأجندة وتحديد النقاش بشأن العام الانتخابي الجاري، بحيث ستكون الفوارق في الدخل وضرورة تدعيم فرص الترقي الاجتماعي بين الأجيال أحد المواضيع الأساسية التي ستهيمن على الأجندة الانتخابية لهذه السنة، لذا تمثل الطريقة التي سيتعامل بها الرئيس مع هذه القضايا فرصة لمعرفة تأثيرها على الحياة السياسية وربما على التشريعات القادمة، وحتى قبل ظهور التسريبات عن مضمون الخطاب وما سيحمله من جديد والتي غالباً ما تخدم الجهات المسربة يمكن بسهولة توقع الخطوط العريضة. السياسة حالياً في الولاياتالمتحدة تعيش على وقع الاستقطاب والانقسام الحادين بما لا يسمح بظهور أجندات كبرى، وحتى من ناحية الشكل يصعب على المنتقدين الهجوم على خطاب يلقيه رئيس اشتهر بفصاحته وقدراته البلاغية المشهودة، وبالطبع سينخرط أعضاء الكونجرس من الآن في اختبار ردودهم التي ستظل وفية، في جميع الأحوال، لمصالحهم الحزبية سواء خلال الخطاب، أو بعده. أوباما تطرق خلال خطابه لهذا العام لمسألة الفوارق في الدخل التي بدأت تستقطب اهتمام النقاد المتربصين، ففي حين يحذر «الديمقراطيون» من معسكر الوسط بأن استغلال الظروف الاقتصادية الصعبة للانخراط في نوع من الشعبوية السياسية يأتي غالباً بنتائج عكسية، يرى «الجمهوريون» من جانبهم أن الحديث عن التفاوت في الدخل يرقى إلى حرب طبقية، ورغم ردود الفعل المتشنجة والمتوقعة على مناقشة موضوع التفاوت الاجتماعي في أميركا، إلا أن حقيقته ماثلة للعيان. وكانت المساواة في الدخل إحدى السمات المميزة لأميركا بعد الحرب العالمية الثانية، لكن الوضع بدأ في التدهور انطلاقاً من السبعينيات وصولاً إلى السنوات الخمس الأخيرة التي وصل فيها التفاوت ذروته، ففي الوقت الذي سجلت فيه أرباح الشركات مستويات قياسية تزايدت معدلات الفقر في أميركا، وفيما استعادت الشركات والرساميل عافيتها بعد الأزمة الاقتصادية الأخيرة ظلت الأجور على حالها دون ارتفاع. ولا أدل على ذلك من الأرقام التي تقول إن متوسط الدخل بالنسبة ل« 1» في المئة من الأعلى دخلاً في أميركا ارتفعت بنسبة 31.4 في المئة من 2009 وحتى 2012 في حين بقيت أجور الغالبية التي تمثل 99 في المئة جامدة، والنتيجة أن الهوة بين الأغنياء والفقراء في أميركا تعد أكبر من أي بلد صناعي آخر، كما أن الترقي في السلم الاجتماعي والذي كان ملمحاً رئيساً من ملامح الحلم الأميركي ما فتئ يتآكل، وبالطبع لا يمكن وصم المنتدى الاقتصادي العالمي الذي جعل من التفاوت في الدخل محوراً رئيساً في مناقشاته بالتطرف، ومع أن حدة الاختلاف في واشنطن ما زالت عميقة بين «الديمقراطيين» و«الجمهوريين»، إلا أن التوصل إلى اتفاق لخفض معدلات الفقر ليس مستبعداً وإن كان غير مرجح، فالمعارضة الجمهورية لزيادة الحد الأدنى من الأجور بدأت تخف، وربما يكون هناك اتفاق أيضاً على دعم التعليم المبكر قبل المدرسة، ومن بين المقترحات الأخرى المطروحة على أوباما توسيع خصم الضريبي على الدخل الذي يصب مباشرة في مصلحة الطبقة الوسطى، والهدف إعادة الأمل مرة أخرى لشرائح واسعة من الأميركيين فقدوا ثقتهم في الحلم الأميركي. نوع المقال: الولاياتالمتحدة الامريكية