النظام السياسي الأميركي مختل ومعطل، والاقتصاد مازال يعاني من مشاكل، وهو ما ينعكس على الطبقتين العاملة والوسطى بشكل خاص. غير أنه في ما يخص أكبر مصدر قلق بالنسبة لبعض الخبراء قبل جيل من الزمن- انحلالنا الثقافي- هناك ما يدل على أن حال البلاد بخير. ففي التسعينيات، وضع «بيل بينيت» المحافظ، وهو وزير سابق للتعليم ومدير سابق لمحاربة المخدرات في الولاياتالمتحدة، «المؤشرات الثقافية الرئيسية»، حيث كان قلقاً بشأن انحلال القيم الأخلاقية الأميركية و«الأمراض الاجتماعية». وبعد بعض سنوات على ذلك، لطَّف «بينيت» من تقييمه السلبي قليلاً بعد أن رأى بعض التحسنات، ولكنه كان ما يزال متشائماً. وفي حوار معه مؤخراً، أشار «بينيت» إلى أنه أخذ يلاحظ تقدماً أكبر مقارنة مع الانحلال، وأن أسوأ هواجسه لم يتحقق. وقال في هذا الصدد: «إننا لا نتجه نحو الكارثة». وتشمل التطورات الإيجابية المسجلة انخفاضَ معدلات الجريمة، وتدني عمليات الإجهاض، وتراجعاً لافتاً في حمل المراهقات. أما التطورات الأقل بعثاً على التفاؤل، فتشمل ازدياد عدد الأسر المكونة من ولد واحد والعدد الكبير من نزلاء السجون. وفي ما يخص الصحة، يواصل تدخين السجائر الانخفاض، خلافاً لتعاطي المخدرات. وعلاوة على ذلك، واصلت الجريمة الانخفاض بشكل مضطرد خلال العقدين الماضيين، في ما عدا بعض الاستثناءات النادرة. فمنذ عام 1995، تقلص معدل جرائم القتل إلى النصف تقريباً، كما انخفضت الجرائم العنيفة إلى أكثر من 43 في المئة. ورغم أن الولاياتالمتحدة تبتلي بمعضلة عنف الأسلحة، إلا أن جرائم القتل المرتبطة بالأسلحة- وانسجاماً مع معطيات أخرى للجريمة - انخفضت بحدة منذ التسعينيات. «بينيت» ومراقبون اجتماعيون آخرون حللوا العديد من المؤشرات، مثل المعطيات التعليمية والاقتصادية. ووجدوا أن الأسرة مازالت مركزية إذ يتزوج الأميركيون ويطلقون أكثر من مواطني دولة صناعية أخرى. غير أن أحد أكثر عناصر الصورة إزعاجاً ليس جديداً. ففي عام 1965، أعد مسؤول شاب ومغمور نسبياً من وزارة العمل يدعى «دانييل باتريك موينيهان» تقريراً لفت فيه إلى أن ربع الأميركيين السود يولدون لأمهات عازبات؛ بينما يبلغ العدد بالنسبة للبيض 3 في المئة فقط. وبعد أربعة عقود ونصف العقد على ذلك، تضاعف المعدل بالنسبة للسود ثلاث مرات إذ ارتفع إلى 72 في المئة من كل الولادات. أما المعدل بالنسبة للبيض، فقد تضاعف عشر مرات حيث ارتفع إلى 29 في المئة، أي أعلى من المعدل الخاص بالسود في تقرير «موينيهان» (هذا في حين بلغ المعدل بالنسبة للأميركيين المنحدرين من أصول أميركية لاتينية 53 في المئة). ومع ذلك، فإن أحد المؤشرات المشجعة على التغيير هو التقدم الكبير الذي تحقق خلال العقدين الماضيين بخصوص تقليص معدلات الحمل والولادة بين المراهقات. فرغم أنهما ما يزالان أعلى مقارنة مع معظم البلدان الأخرى، إلا أن كلا المعدلين انخفضاً بنحو 40 في المئة خلال 20 عاماً، وهو ما قد يفاجئ معظم الأميركيين، حيث قال نصف المستجوَبين في أحد استطلاعات الرأي مؤخراً إن حالات الحمل والولادة بين المراهقات مازالت تواصل الارتفاع. الولاياتالمتحدة مازالت تواجه صعوبات سياسية واقتصادية وثقافية. لكن ثمة بعض المؤشرات الاجتماعية الإيجابية، مؤشرات تبعث دراستُها على التفاؤل، وتحيي الأمل في أن البلاد لا تتجه نحو الكارثة، مثلما تنبأ بذلك متشائم سوداوي خلال التسعينيات. نوع المقال: الولاياتالمتحدة الامريكية