واصل حزب الله فى الأشهر الأخيرة بتشجيع، وربما تحت ضغط من راعيه الإيرانى، تدخله فى الحرب الأهلية الدائرة فى سوريا. فالاعتبارات الإيرانية التى هى نفسها لدى (السيد) حسن نصر الله واضحة: إذا سقط نظام بشار الأسد، يسقط معه أيضا (السيد حسن) نصر الله، وهكذا تصبح إيران حسب ما يخشونه فى طهران، الهدف التالى ل«التحالف غير المقدس» بين الدول الغربية ودول عربية وإسرائيل. وهذا هو مُبرّر تصميمِ إيران وحزب الله لعمل كل ما يلزم من أجل مساعدة بشار الأسد على البقاء فى الحكم. إن المساعدة التى يقدمها حزب الله لبشار الأسد ليست كبيرة. ففى سوريا يقاتل نحو 200 ألف جندى سورى نظامى ضد نحو 100،000 مقاتل متمرد. وبالتالى، فإن بضعة آلاف من مقاتلى حزب الله لا يمكن أن يرجحوا الكفة. ومع ذلك، فهؤلاء المقاتلون المتمرسون المندفعون حسموا المعركة فى بعض المواجهات العسكرية المهمة فى عدة مناطق من سورية. وفى الحقيقة، تغيّر مسار المعارك فى سوريا فى الأسابيع الأخيرة، وبدأ النظام رويدا رويدا بدفع المتمردين إلى الوراء. ولا يعنى ذلك حدوث تغيّر دراماتيكي فى الواقع الدامى والطريق المسدود الذى تعانى منه سوريا، وإنما، وللمرة الأولى منذ اندلاع الثورة، فإن الزخم الآن بيد النظام. لكن لتدخل حزب الله وإيران فى سوريا ثمن باهظ إذ لا يمرّ يوم من دون أن يشيّع الحزب مقاتلين سقطوا ضحايا للقتال هناك. وأُضيفت فى الأشهر الأخيرة أيضا عمليات إرهابية لمجموعات سنية متشدّدة ضد معاقل الحزب فى لبنان، وضد أبناء الطائفة الشيعية فى هذه الدولة، وأول أمس أيضا، ضد مبنى السفارة الإيرانية فى بيروت. وتكمن خصوصية التفجير الأخير فى أنه للمرة الأولى فى لبنان، استُخدم بواسطة انتحاريين ضد تنظيم حزب الله «السلاح» الذى لم يتردد الحزب فى الماضى فى استخدامه هذا ضد خصومه. وهناك من يتحدث فى لبنان الآن عن «سورنة» لبنان. وبالفعل، فإن التنظيمات العاملة فى سوريا بإمرة القاعدة على غرار جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام الذى يُعرف اختصارا باسم «داعش»، تسعى الى نقل الحرب من سوريا إلى لبنان من خلال عمليات تفجير إرهابية كان لمثلها مفعول كبير فى سوريا. وإزاء انغماس تنظيم حزب الله فى الصراع الدائر فى سوريا، كانت فقط مسألة وقت قبل أن يسعى المقاتلون المتمردون فى سوريا ومؤيدوهم فى لبنان للانتقام منه بسبب دعمه بشار الأسد. ويجوز افتراض أن هذه العمليات الإرهابية فى لبنان ستستمر فى المستقبل. ومع ذلك، فإن معظم اللبنانيين يحاولون منع امتداد الحرب من سوريا إلى لبنان. بيد أن عناصر الإسلام المتشدد الناشطين على هامش المعسكر السنى فى لبنان لهم حساباتهم الخاصة، فهم يسعون بالضبط لحرب شاملة تخدم مصلحتهم العليا في السيطرة على الحيّز السورى اللبنانى وفرض معتقداتهم عليه، ولذا هم نفّذوا عمليات ضد إسرائيل فى الفترة الماضية سعيا لجرّها إلى مقاتلة حزب الله. وفى ظل الحرب الأهلية الدائرة فى سوريا، يبدو أن لبنان أيضا هو على طريق الغرق فى الصراع السني الشيعى. لكن هناك منذ الآن داخل الطائفة الشيعية فى لبنان من يتجرأ على التشكيك فى منطق جرّ الشيعة إلى المشاركة فى الحرب الدائرة فى سوريا. وفى إيران أيضا تُسمع نغمات جديدة، وقد يؤدى اختراق في المفاوضات مع الغرب إلى إعادة النظر فى جدوى الغرق فى المستنقع السورى واللبنانى. نوع المقال: سياسة دولية العالم الاسلامى