يعلم كل من يسافر بالطائرة أنّ المسؤولين عن شرح إرشادات السلامة يشددون دوما على ضرورة أن يضع المرء قناع الأكسيجين لنفسه أولا حال حصول مشكلة في الطائرة، وبعدها يستطيع أن يشرع في مساعدة الآخرين. لكنّ وزير خارجية نظام الانقلاب المصري نبيل فهمي يقرر العكس على ما يبدو! فأثناء زيارته إلى الإمارات نهاية الشهر الماضي، أعرب نبيل فهمي عن رغبة بلاده في تبني حوار يجمع دول الخليج العربي مع إيران شرط صدق نوايا طهران في التقارب السلمي مع جيرانها، كما قال. وأضاف فهمي في خطوة أقرب إلى الابتزاز منها إلى العرض قائلا: «أنا على استعداد لتلبية أي طلب من الدول العربية الخليجية لتهيئة المناخ مع إيران إذا كان مطلوبا، وإذا لم يكن مطلوبا فأنا أفتح حواراتي مع إيران بما يخدم مصر والدول الخليجية». ليس من المتوقع أن يكون مثل هذا الطرح قد تمّ ارتجاله في مقابلة مع الوزير المذكور، والأرجح أنّه تمّ تلقينه إياه ممن يعتبرون آباء فكريين للانقلاب، أولئك الذين لا يزالون يعيشون في الحقبة الناصرية من القرن الماضي، وبطبيعة الحال بمباركة من القائمين على النظام الانقلابي نفسه. التصريح يعكس حقيقة أزمة داخليّة يعيشها النظام الانقلابي تضاف إلى أزماته السياسيّة، والاقتصاديّة، والأمنيّة والاجتماعيّة، ناهيك عن أزمته مع المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي حيث لا تعترف به سوى بضع حكومات لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة، مضافا إليها إسرائيل! وتتجلى هذه الأزمة في أنّ داعمي الانقلاب، وكما نُقل عن أحد المسؤولين الإماراتيين بموازاة تصريح فهمي، أن «الدعم العربي لمصر لن يستمر طويلا، وأن على مصر أن تفكر في حلول مبتكرة وغير تقليدية»، وهو تصريح مشابه لما نسب لبعض المسؤولين السعوديين سابقا، وهذا يعني أنّه وبعد توريط الانقلابيين في الانقلاب فإن داعميهم يقولون بشكل واضح لا يمكننا أن نتحمّل دعماً مفتوحا لكم، عليكم إيجاد حلول مبتكرة وغير تقليديّة. ويبدو أنّ عقليّة الانقلاب قد وجدت أفكارا مبتكرة، فليس أهم من ابتزاز دول الخليج بإيران، وهي لعبة رابحة ليس فيها خسارة لمن هو خاسر أصلا! على أنّ الجانب الهزلي في هذا التصريح يتلخّص في السؤال: «من قال إن إيران مهتمّة في هذه المرحلة التي تقيم فيها حوارا مع واشنطن بحوار مع دولة الخليج أو بوساطة دولة على شفير الانهيار بعد الانقلاب؟ وهل مصر قادرة على القيام أصلا بأدوار إقليمية في مرحلة انهيار داخلي؟ ثم من الضروري بمكان ونحن نستذكر هذه التصريحات أن نعود بالذاكرة قليلا إلى الوراء. ألم تكن إحدى ذرائع الانقلابيين في الانقلاب على النظام الشرعي السابق تقاربه المزعوم مع إيران؟ فما الذي من المفترض أن نقوله ونحن نسمع النظام الانقلابي يستخدم الورقة الإيرانية بهذا الشكل؟ ثمّ أين حلفاء الانقلابيين من هذه الحقيقة، وحقيقة أن النظام الحالي أقرب إلى إيران وحلفائها الإقليميين كنظام الأسد من النظام الشرعي السابق؟ رغم الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته بعض الدول الخليجية في دعم الانقلاب في مصر، فإن التراجع عن الأزمة ضمن تفاهم شامل لا يزال ممكنا، وكلما تأخر ذلك، كان من المنطقي أن نتوقع أنّ التفاهمات الإقليمية الجاري طبخها اليوم بين واشنطنوطهران من جهة، وبين واشنطن وتل أبيب من جهة أخرى، وبين موسكو ودمشق وطهران من جهة ثالثة، لن يترك لهم أي مجال للمناورة مستقبلا، ولا بد وأنّ تأتي هذه التفاهمات في جزء منها على حساب هذه الدول التي اعتقدت لوهلة أن انقلابا يقوم به الجيش المصري سيعيد الضلع العربي من المثلث الإقليمي إلى رقعة الشطرنج، لكنّ الواقع يقول إنّه أخرجه من اللعبة تماما! رابط المقال: http://alarab.qa/details.php?issueId=2157&artid=267712&fb_action_ids=10152050302354994&fb_action_types=og.likes&fb_source=other_multiline&action_object_map=%7B%5C%2210152050302354994%5C%22%3A753611001331007%7D&action_type_map=%7B%5C%2210152050302354994%5C%22%3A%5C%22og.likes%5C%22%7D&action_ref_map=%5B%5D