قالت د.نادية مصطفى أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة ومديرة مركز الحضارة للدراسات السياسية إن :"السيسي قائد الانقلاب يسرق الآن نصر 6 أكتوبر العظيم كما أن خطابه وخطاب رئيسه الانقلابي ورئيس وزرائه الانقلابي بهذه المناسبة، وهي خطابات مفعمة بالوعود الكاذبة والتطمينات الهشة، تشوه ذاكرة الشعب المصري عن هذا النصر العظيم". وأضافت أن :"السيسي يوظف هذا النصر لتحقيق مكاسب سياسية وليجمل وجه الانقلاب القبيح وليغسل يداه من دم المصريين وحرياتهم، لأنه في واقع الأمر يكمل مشوار عملية الاستسلام والتبعية لأمريكا والتطبيع مع إسرائيل، وهو المشوار الذي دشنه السادات وأكمله مبارك على نحو تم معه -عبر 40 عاما- تفريغ نصر أكتوبر من محتواه ومن مآله المرتقب كعبور حضاري؛ حيث تحول مسار النصر إلى هزيمة حضارية تحت وطأة "السلام كخيار استراتيجي"، وحرب أكتوبر كآخر الحروب، والانفتاح الاقتصادي والرأسمالية المتوحشة، والانفلات القيمي، وجميعها قيود كبلت الاستقلال المصري برؤية ضيقة عن الأمن القومي المصري. وأشارت إلى أنه بعد أن جسدت حرب أكتوبر نجاح القيادة والشعب في التغلب على أسباب هزيمة 1967، وعلى رأسها تدخل الجيش في السياسة والترهل المهني المؤسسي، فإذا بمسار 40 عاما يدعم من أشكال أخرى لهيمنة الجيش على السياسة والاقتصاد والمجتمع في مصر، ولو من الأبواب الخلفية، وها هو السيسي في 3 يوليو يستعيد بانقلابه العسكري بريق دور المؤسسة العسكرية في السياسة وبصورة مباشرة من جديد، فلقد ضرب السيسي بقوة ثورة 25 يناير التي تحدت نظام مبارك وفي قلبه نفوذ العسكر، حين ضرب مسارها الديمقراطي الوليد، مقدمًا قربانًا، وهو الإسلاميين، حماية للاستبداد من جديد. ولفتت إلى أنه في المقابل يتهم الانقلابيون الآن معارضي الانقلاب، الذين يخرجون منذ الجمعة 4 أكتوبر احتفالا أيضا بنصر أكتوبر، بأنهم لا يحبون الوطن ويكرهون الجيش وأنهم عملاء يثيرون الفتنة والفوضى، بل إنهم ليسوا مواطنين معارضين بل إرهابيين سيتم التصدي لهم بقوة لمنعهم من تكدير صفو الاحتفال، ومن ثم منع وصولهم لميدان التحرير وغيره من ميادين الاحتفال بقوة الغازات بل والرصاص الحي. وأوضحت أنه في واقع الأمر فإن هؤلاء رافعي شعار رابعة في ذكرى نصر أكتوبر، وهم يحتفلون بهذا النصر أيضا لأنه نصر الشعب المصري كله وليس جيش مصر بمفرده، إنما يحتفلون به كجزء من مقاومتهم لإرهاب الانقلاب وكشف أقنعة هذا الانقلاب وأهدافه، إنهم يرسلون رسالة قوية وواضحة، وهي أن من حرر الأرض وهزم العدو بالتحام قوي مع الشعب منذ 40 عاما، ليس هو ذلك الانقلابي الذي يرتكب مجازر دموية ضد الإنسانية، وليس هو الذي يكمم الأفواه ويعتقل الالآف ويعيد زرع الخوف والتخويف ويبث التحريض والعنصرية والكراهية بين أهل مصر. وقالت مصطفى :"إنه الانقلاب الذي يميز الآن بين شعبين أحدهما يمعنه بالقوة من الدخول لميدان التحرير للاحتفال مثل غيره من "المواطنين الشرفاء" (مؤيدي الانقلاب الذين يتم فتح الميدان لهم للاحتفال وهم يرفعون صورة السيسي وليس صور أبطال نصر أكتوبر)، إنه الانقلاب الذي لا يقود الآن أمة عربية وإسلامية في نضالها ضد المشروع الأمريكي الصهيوني، كما تجسد خلال حرب أكتوبر حين وقع الحظر على البترول وتقديم الدعم لشرف العسكرية المصرية، ولكنه الانقلاب الذي يستجدي الآن الصدقة ممن سبق وتمتعوا بقوة مصر الناعمة والصلدة على حد سواء، وهو الانقلاب الذي لا يقدر أن يتلاعب بقوتين أعظم كما حدث في 1973، ولكن يستمر في الخضوع لتبعية الولاياتالمتحدة والتي يسعى جاهدًا لينال رضاءها، كما يوقع الانقلاب مؤيديه فريسة وهم خطير أنه يناضل من أجل استقلال مصري في مواجهة ما يسميه ضغوط أمريكية ضد "إرادة الشعب المصري في 30/6/2013"، فإذا لم تكن الولاياتالمتحدة قد عارضت الانقلاب بقوة، فإن مسلكه الداخلي والخارجي يجتهد الآن لاستمرار التحالف مع الولاياتالمتحدة وإسرائيل. وأضافت أن السيسي وأعوانه يكملون المرحلة الراهنة من استراتيجية أمريكا وإسرائيل للحرب على الإرهاب (المقصود به الآن كافة روافد الإسلاميين وليس القاعدة فقط)، بعبارة أخرى، إن الشعب الرافض للانقلاب وهو يحتفل بنصر أكتوبر إنما يهدف إلى التذكرة بما نريد أن يكون عليه جيشنا الوطني وأن يستعيد عقيدته وروحه التي حققت نصر أكتوبر 1973. وقالت د.نادية مصطفى إنه من ناحية أخرى، فإن مشهد تصدي الشرطة والجيش بقوة مفرطة للمتظاهرين في 6 أكتوبر، أوقعت 50 شهيدًا وأكثر من 200 مصابًا و300 معتقلا، قد أكد كيف أن الحل الأمني الاستئصالي هو اللغة الوحيدة التي يعرفها الانقلاب ضد معارضيه، وبذلك يتعارض معنيان كبيران في احتفال هذا العام بنصر أكتوبر: أولهما معنى الحريات وحقوق الإنسان التي ينتهكها الانقلاب، والثاني معنى النصر على العدو والاستقلال الوطني الذي يوظفه الانقلاب لتجميل وجهه. وأضافت أن الأكثر دلالة في هذا السياق المعقد والمركب هو مغزى الاحتفالية الفنية التي انعقدت في استاد الدفاع الجوي، في نفس الوقت الذي يسقط الشهداء والمصابين والمعتقلين، فإن الكلمة الافتتاحية لأحد الممثلين ثم فقرات الحفل الزاعقة من على مسرح فاقع الألوان ومتلأليء الأضواء ينضح بالبذخ السفيه، ثم منصة النخبة الانقلابية المطلة على هذا المسرح وسط ظلام دامس يلف مدرجات الاستاد والمفترض أنها تضم "الشعب" الذي ظل وراء حجاب لا يعبر عن وجوده إلا ما يذاع من صفيره وتهليله، كل هذا يمثل مشهدًا انقلابيًا مبتذلا من الناحية الإنسانية والقيمية، ناهيك عن فجاجته السياسية، وتجسدت هذه الفجاجة مع كلمة السيسي الختامية للحفل. وأشارت إلى أن الاحتفال رسمي نخبوي باهظ التكلفة مؤمَّن ومحصَّن، في حين ينعقد احتفال آخر شعبي في ميدان التحرير وكانت المنصة تجسد إرث 60 عامًا من شخصنة النظام المصري بقيادات عسكرية: ابن الرئيس عبد الناصر، حرم الراحل الرئيس أنور السادات، المشير طنطاوي وزير دفاع مبارك لمدة عشرين عامًا، الرئيس المؤقت ورئيس الوزراء الانقلابيين وقائد الانقلاب إنه إرث ثلاثي الروافد: الناصرية، الساداتية، المباركية، يؤكد تحالف هذه الروافد في ثورة مضادة لثورة 25 يناير، أفرزت الطبعة الرابعة من نظام هذه الدولة العميقة الذي أسسه العسكر منذ 1952، أي نظام الانقلابيين ضد الشرعية الدستورية. وهو النظام الذي يحظى بمساندة خليجية (حضور وزير خارجية الإمارات). وقالت إنه في النهاية، وعلى ضوء استدعاء خلفية الرصاص والدم والشهداء والمعتقلين عبر أرجاء العاصمة الكبرى ومصر كلها، فإن السيسي يختم الحفل بكلمات على رأسها: التذكرة بالتفويض ضد الإرهاب، على أساس أن تفويض الشرطة والجيش يضع مسئولية عليهم أمام الإرادة الشعبية، فعن أية مسئولية يتحدث: مسئولية استكمال إقصاء واستئصال تيار الدفاع عن الشرعية والرافض للانقلاب؟ كيف؟ وهذا التيار في صمود واتساع رغمًا عن أنف الانقلابين الذين يرفضون الاعتراف بالأمر الواقع على الأرض، ومازالوا يسفهون من جدوى هذه المقاومة ويبالغون في عدم تأثيرها وخاصة على مواقف الخارج من الاعتراف بالأمر الواقع الذي فرضه الانقلاب؟.