منذ أيام قليلة اندلعت مصادمات ومواجهات بين الشرطة التركية ومحتجين على خلفية قرار حكومي بإزالة حديقة بميدان تقسيم بمدينة اسطنبول، لإقامة مجمع تجاي على الطراز العثماني لإحياء التراث العثماني للمدينة التي شوهتها سياسات كمال أتاتوك، حيث جاء هذا القرار ضمن سلسلة قرارات لتطوير المدينة تزامناً مع إنشاء نفق البسفور الذي يربط بين قارتي أوروبا وآسيا. أخبار المظاهرات كانت محور حديث مختلف وسائل الإعلام على مستوى العالم، مثلها مثل أي خبر حول مظاهرات أو احتجاجات إلا أن تناول الإعلام المصري للحدث كان مختلفاً، فقد تلقفت وسائل الإعلام الأخبار الواردة من تركيا وأذاعتها للرأي العام المصري على أنها ثورة شعبية ضد رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، وأن بلاد الأناضول تشهد "ربيعاً تركياً".. هكذا بدون أي مقدمات .. صور الإعلام ومن ورائه بعض الساسة المحسوبين على التيارات العلمانية والليبرالية والاشتراكية، هذه الأحداث باعتبارها ثورة .. ثورة على الفساد .. على دكتاتورية أردوغان.. على المشروع الإسلامي الذي أثبت فشل تطبيقه في تركيا!! العلماني الإخواني!! فجأة ظهر أن أردوغان ديكتاتور، أردوغان رجل إخواني يريد أن يفرض المشروع الإسلامي الإخواني على تركيا العلمانية.. فجأة تحول اردوغان لقاتل ومستبد وقاهر لشعبه .. هكذا نظر الإعلام والمعارضة في مصر لرجل أعلنوا قبل شهور قلائل أنه لا يمت بصلة للإخوان، وأن جماعة الإخوان تسعى لاستثمار واستغلال "نجاحه" في العبور ببلاده نحو التقدم الاقتصادي خلال 10 سنوات فقط، لإيهام الرأي العام أن مصر ستكون كذلك خلال بضع سنين تحت حكم الإخوان... في لحظة واحدة تحول أردوغان إلى "إخواني".. بل وبات مشروعه الذي أشادوا به قبل شهور، مثالاً للفشل والتخلف!! موقف المعارضة "المشبوه"، دعا البعض لاتهامهم بأنهم كشفوا عن وجههم الحقيقي بمعاداتهم للإسلام وللمشروع الإسلامي، وأن فكرة وقوفهم ضد الإخوان ما هي إلا ستار لموقف أشد عداء وكراهية لكل ما هو إسلامي حتى ولو لم يكن منتمياً للجماعة.. وهو ما قاله عدد من السياسيين والنشطاء المنتمين للتيار الإسلامي في مصر، حيث اتهم الناشط عبد الرحمن عز العلمانيين في مصر من بعض اليساريين والليبراليين، الذين تضامنوا مع مظاهرات الشيوعيين في تركيا ضد أردوغان، بالعدائية للإسلام والمسلمين، والسعى وراء هدم المشروع الإسلامي. وأضاف عبد الرحمن "فرحة العلمانيين في مصر من بعض اليساريين والليبراليين بمظاهرات الشيوعيين في تركيا ضد الزعيم التركي "رجب طيب أردوغان" تفضح حقدهم ضد كل ما هو اسلامي وأن عداءهم وكراهيتهم صراحة انما هو للإسلام عقيدة وشريعة وليس كما يدعون انها معارضة سياسية للتيار الإسلامي وتؤكد أن العلمانية ما هي " "الا عدو صريح للدين وللحياة. كما وصف علاء أنو النصر الأمين العام لحزب البناء والتنمية مظاهرات تركيا ب "انتفاضة الخمورجية" قائلا إن الاحتجاجات التي تجري سببها فرض قانون يحد من تناول الخمور في الفترة من 10 مساءً إلى السادسة صباحًا، مستنكراً موقف العلمانيين والليبراليين في مصر منها، معتبراً أن هذا الموقف يكشف حقيقة كره هؤلاء للإسلام وليس لجماعات أو تيارات إسلامية بعينها. ثمة أمر آخر دعّم تلك الاتهامات الموجهة سلفاً للمعرضة وللإعلام، هو أن المظاهرات والاحتجاجات لم تجتاح تركيا فقط في هذا الوقت، وإنما شهدت العديد من مدن وعواصم الدول الأوروبية مظاهرات حاشدة في اليونان والبرتغال وإسبانيا وألمانيا، للمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية ومواجهة سياسة التقشف التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي مؤخراً، كل هذا والإعلام في مصر لا يعلم شيئا عن الاحتجاجات في القارة العجوز سوى في تركيا.... تركيا فقط!!.... خلاصة القول، الاحتجاجات والمظاهرات في أوروبا لا تتوقف، إلا أن أحداً هناك لا يتحدث بنفس اللهجة العربية "الدارجة حالياً" "إسقاط النظام"،،، أوروبا لا تعرف الانقلابات أو إسقاط الأنظمة، أوروبا عرفت منذ عقود كثيرة طريق الصندوق والديمقراطية، عرفت أن ميدان الاحتجاج وسيلة للتعبير وتوصيل رسالة ما، لا وسيلة ضغط لإسقاط نظام، الشعب التركي نفسه فطن لهذه المسألة منذ زمن، فلا عجب أن يتعجب الأتراك أنفسهم من إعلام مصري فشل حتى القائمون عليه في "دبلجة" المسلسلات التركية القادمة لهم من بلاد الأناضول...