أيام كئيبة مرت على مصر، وضعت على ألسنة الجميع شيئًا من مرارة نكسة 1967، 7 جنود اختطفوا فجر الخميس الماضي ووقعوا في أسر جماعات إرهابية .. وهي الضربةٌ التي قضت مضجع كل مصري شريف؛ واليوم عاد أبناء مصر إلى القاهرة بعد أن كان في استقبالهم بمطار ألماظة رئيس الجمهورية محمد مرسي والفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع. وعلى الرغم من الفرحة العارمة التي كان من الممكن أن تمثل وميضًا من الأمل لمجتمع عانى "الأمرّين" خلال عامين كاملين، فإن ما تردد عن وجود "مفاوضات" أطلق بموجبها الإرهابيون الجنود .. يمكن أن تقلل من قيمة ما تحقق على أرض الواقع خشية المزيد من العنف. مخاوف التفاوض مع وقوع الحادث أكد خبراء أمنيون وسياسيون أنهم لا يؤيدون التفاوض المباشر من الحكومة مع خاطفي المجندين لأنه يفقد الدولة هيبتها ، مؤيدين التفاوض "غير المباشر" عن طريق وسطاء من مشايخ القبائل حفاظًا على حياة الجنود . وأشاروا إلى أن القوات المسلحة يجب أن تُشعِر الخاطفين بحصار حقيقي، ووضعهم تحت ضغط سياسي وعسكري ومعنوي .. مشددين على ضرورة عقاب الإرهابيين بشكل رادع وشديد حتى لا تتكرر تلك العمليات . وأكدوا أن تحرير المختطفين لا يعني انتهاء الوضع الأمني المتردي في سيناء، ف"قضية سيناء معقدة وتحتاج إلى إستراتيجية كاملة وتغيير لاتفاقية كامب ديفيد ؛ التي لا تسمح بتواجد مكثف لقواتنا على الحدود، فمجندو الجيش وفقًا للاتفاقية لا يزيد عددهم عن 20 ألفًا ، في حين كان عددهم قبل توقيعها 80 ألف جندي، كما أن الدبابات الموجودة حاليًا لا تتعدى 30 دبابة، في حين كانت تتجاوز ال 800 ، كما يجب وضع إستراتيجية للأمن وخطة لمد الفراغ الإستراتيجي، وإستراتيجية كاملة للتنمية". تضارب التصريحات ويبدو أن رئاسة الجمهورية أدركت مخاطر الكشف عن وجود مفاوضات مع الإرهابين ، هو ما دفع السفير إيهاب فهمي المتحدث باسم الرئاسة إلى التأكيد على أن الجنود المختطفين عادوا بدون أي مساومات أو صفقات أو تسوية أو وعود مع أي طرف وأن الجنود عادوا بفضل الجيش والشرطة والمخابرات. في الوقت نفسه توجه المتحدث العسكري العقيد أركان حرب أحمد محمد علي بالشكر لشيوخ وعواقل قبائل سيناء الذين ساهموا "بدور بارز" في الإفراج عن الجنود المخطوفين وفي أداء دور وطني مهم ، لكنه تابع أن العامل الحاسم في اطلاق سراحهم كانت التحركات العسكرية خلال اليومين الماضيين. التضارب في التصريحات أثار المخاوف والقلق لدى العديدين ، ففي حين تؤكد الرئاسة من جانب على عدم وجود مفاوضات تُلمح وزارة الدفاع إلى الوساطة القبلية التي ساهمت في تحرير الرهائن !! . "إسرائيل" تشعلها خبراء أمنيون وصفوا عملية تحريرالجنود المختطفين ب"المنقوصة جبراً"، من الناحية الجنائية بمعنى أنه كان يلزم أن يتزامن ضبط الجناة مع الإفراج وتحرير الرهائن، ولا يوجد في القانون المصري ما يسمح بعدم القبض على الجناة في جريمة إرهابية تامة، واقتصار الأمر على استجداء الغير في تحرير الجنود. وأوضح الخبراء أن "عملية تحرير الجنود لا تشفي غليل الشعب الذي شاهد مصر تركع معصوبة العينين أمام بعض الإرهابيين، مشيرين إلى أنه من حق الشعب المصري أن يرى الجناة مقبوضًا عليهم في قفض الاتهام ، وأنه إذا لم يتم ضبط الجناة فورًا فالقادم إرهابيًا أسوأ". المخاوف من "إهدار الكرامة" لم تتوقف عند هذا الحد واتسعت دائرتها وتلاحقت لتشمل السياسة الخارجية ، حين قال المتحدث العسكري العقيد أركان حرب أحمد محمد على، إن هناك تنسيقاً مع الجانب "الإسرائيلي" لزيادة حجم القوات في سيناء .. وهو الأمر الذي يؤكد حتمية تعديل "اتفاقية كامب ديفيد" حفظًا للكرامة والأمن الداخلي على حد سواء . الرئيس يرد على الجانب الآخر، ووسط المخاوف التي زرعها البعض وغرسها في الصدور ، جاء الرئيس محمد مرسي ليؤكد أننا "مستمرون في تحقيق الأمن والاستقرار على أرض سيناء.. هذه ليست عملية قصيرة الأجل وتنتهي". ووصف مرسي - في كلمة ألقاها أمام عدد من المسؤولين وقيادات الجيش والشرطة والجنود المحررين بمطار ألماظة العسكري بالقاهرة - العملية الأمنية التي أطلقت في الأيام الماضية في سيناء بأنها "عملية كبيرة ممتدة". ودعا مرسي، أهالي سيناء إلى تسليم سلاحهم "لأنه لا يجب أن يكون السلاح إلا مع السلطة الممثلة في رجال القوات المسلحة والداخلية". وشدد على ضرورة إعادة أمن سيناء باعتباره مسئولية الدولة، مؤكدًا أن من لديه مظلمة عليه التقدم بها، ومن أجرم لابد أن يحاسب .. قائلاً : "القانون فوق الجميع والوطن فوق الجميع، وقواتنا مرابطة لحفظ الأمن". تصريحات الرئيس التي أدلى بها بدت وكأنها محاولة لبث الطمأنينة في القلوب وللتأكيد على أنه لا تفريط في سيادة الدولة بأي شكل وتحت أي ضغط . المكاسب أجمع خبراء سياسيون مصريون على أن نجاح عملية تحرير الجنود بدون أي خسائر في الأرواح يحسب لمؤسستي الرئاسة والجيش بمصر ويعطي صورة إيجابية عن العلاقة بينهما، مؤكدين أن الجميع "رابح" في تلك العملية سواء الجنود أو الشعب والجيش أو حتى قطاع غزة. ويرى علاء عز الدين الخبير الاستراتيجي بأكاديمية ناصر للعلوم العسكرية أن عملية تحرير الجنود بشكل ناجح 100% دون خسائر في أرواح الجنود يحسب للمؤسسات الثلاث الرئاسة والدفاع والداخلية. وقال عز الدين "إن العملية التي استمرت على مدار أسبوع كشفت ولأول مرة منذ تولي الرئيس محمد مرسي الحكم في يونيو 2012، عن أنه يقود فعليا وليس شكليا القوات المسلحة وأن هناك تنسيقا كاملا بين الطرفين (الرئاسة والجيش)". وأضاف "الرئيس مرسي هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهي تتحرك وتنفذ تعليماته"، مشيرا إلى أن اختلاف الآراء في بعض الاحيان بين قيادات القوات المسلحة وبين مؤسسة الرئاسة لا يعني أن هناك مشكلة، موضحا أنها هناك حالة من الديمقراطية تتمتع بها العلاقة بين المؤسستين. وأضاف عز الدين "المؤسستان (الرئاسة والقوات المسلحة) حملتا وجهة نظر واحدة للتعامل مع أزمة الجنود؛ تتمثل في اللجوء للحل السلمي أولا ثم العسكري، وكان الطرفان ضد التفاوض المباشر مع الخاطفين واتضحت صحة هذا الرأي مع اتمام العملية بنجاح". من جهته، أعرب عمرو هاشم ربيع الخبير السياسي بمركز الاهرام للدراسات السياسية عن اعتقاده أن "الجميع ربح في تلك العملية سواء الجنود المحررين أو الشعب والجيش وكذلك قطاع غزة". وقال ربيع إن العملية تحسب لكل من مؤسسة الرئاسة ووزارتي الدفاع والداخلية، ولو فشلت العملية لوضعت المؤسسات الثلاث علي المحك وفي مواجهة مباشرة مع الشعب". وأضاف "العملية أعادت الثقة جزئيًا في القيادة السياسية ودعمت بشكل أوسع ثقة الشعب في الجيش، كما منحت الفرصة لفتح معبر رفح"، موضحًا أن العلاقة مع حماس قد تصب في المصلحة الوطنية بعد تعاون حماس مع القوات الأمنية من خلال غلق الأنفاق. من جانبه، اعتبر الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن هناك ربحا جزئيا في عملية تحرير الجنود، وهذا الربح مرهون بعدد من الأمور، ومنها البدء في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتدمير البنية التحتية للإرهاب في شبه جزيرة سيناء بالكامل.