تعاني ليبيا منذ سقوط الرئيس السابق معمر القذافي من فوضى أمنية عارمة في جميع أنحاء البلاد، نظرًا لعدم وجود جهاز أمني قوي ينضوي تحت جهة رسمية محددة مثل وزارة الدفاع أو وزارة الداخلية، مما أدى إلى انتشار الكتائب المسلحة في البلاد. وانضمت الميليشيات أو الكتائب المسلحة في أعقاب الثورة الليبية إلى الجيش الليبي، كمجموعات وليس كأفراد، وهي أكبر مشكلة تواجه قادة الجيش الأن، لأن عناصر تلك الكتائب تنصاع فقط لأوامر قائد الكتيبة وليس لقيادات الجيش وأصحاب الرتب. ويعتقد الثوار المسلحون الذين خرجوا في السابع عشر من فبراير 2011 في ثورة شعبية أطاحت بنظام القذافي، أنهم أعلى من كافة القادة نظرًا لدورهم الرائع في إسقاط القذافي، الذي استمر في سدة الحكم لما يقرب من أربعة قرون، عانت خلالها البلاد من غياب الديموقراطية والعدالة الإجتماعية. ويؤكد على ذلك الناشط السياسي الليبي منير المهندس في تصريحات تلفزيونية بأن "المدنيين الذين أصبحوا ثوارا وشاركوا في إسقاط نظام القذافي، لا ينصاعون لأوامر أحد وينظرون إلى أنفسهم بأنهم أكبر من أي رتبة عسكرية، ويقدمون ولاءهم لقادة جبهة القتال الذين شاركوا معهم في الإطاحة بالقذافي". وأضاف المهندس أن "العزل السياسي ساهم في تشتيت وتعميق فراغ الجيش الليبي، بعزل أصحاب الرتب العسكرية العليا." وعبر المهندس عن مخاوفه من تدخل قوات أجنبية في حال استمرت تداعيات الأزمة العسكرية على بناء الجيش، في ظل ترامي أطراف الدولة الليبية وضعف تأمين حدودها مع الدول المجاورة. ويواصل مئات من المسلحين حصار مبني وزارة العدل ووزارة الخارجية الليبية منذ أكثر من أسبوع على الرغم من إقرار البرلمان لقانون العزل السياسي، الذي ينص على منع مسؤولي نظام العقيد الراحل معمر القذافي من تولي اية مناصب حكومية ابتداء من عام 1969 حتى إعلان سقوطة في 23 أكتوبر 2011. وأكد السيد محمود جبريل اول رئيس وزراء في ليبيا بعد سقوط القذافي أن قانون العزل يعني اقصاء اكثر من نصف مليون ليبي عن العمل السياسي بسبب مشاركتهم على مدى أربعين عاما في مؤسسات الدولة اثناء حكم الرئيس المخلوع معمر القذافي. وينطبق قانون العزل على عدد من الوزراء والمسئوليين الحاليين في ليبيا، منهم رئيس الوزراء الحالي علي زيدان، ورئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان) محمد المقريف. ويطالب المسلحون، الذين لايزالون يحاصرون وزارتي الدفاع والعدل، بإقالة زيدان، الذي أعلن أكثر من مرة على ضرورة إخلاء المقار الحكومية من كافة المسلحين. ويثير هذا الحصار عدة تساؤلات حول دور الجيش الليبي في كبح جماح هذه الجماعات المسلحة، الذي اصبحت خطرًا على اسقرار الأوضاع في البلاد. ويقول أسامة كعبار -وهو عضو "تنسيقية العزل السياسي" ونائب رئيس المجلس الأعلى للثوار- إنهم مصممون على مواصلة تحركهم حتى رحيل زيدان، متهما رئيس الوزراء "باستفزاز الثوار" وبتشكيل قوة لإجلائهم من العاصمة. وأضاف كعبار أن تبني القانون يشكل "خطوة كبيرة على الطريق الصحيح" لكنه أضاف أنهم سيقومون بدراسة النقاط الواردة فيه. وردًا على تلك الأحداث، قام وزير الدفاع الليبي محمد البرغثي بتقديم استقالته احتجاجًا على حصار المباني الحكومية، إلا أنه تراجع عنها بعد ساعات معدودة بناء على طلب رئيس الوزراء نظرًا للظروف الراهنة التي تمر بها البلاد في الوقت الحالي. وقال رئيس لجنة الدفاع بالبرلمان الليبي جمعة السائح في تصريحات مع قناة الجزيرة الإخبارية إنه لا يملك قراءة لبيان الاستقالة إلا في سياق رفض حصار الوزارات السيادية، والامتعاض من المظاهرات المسلحة. وندد السائح بحصار الوزارات، وقال "لو كنت مكان الوزير لأقدمت على نفس القرار، رافضا فرض الآراء من طرف مسلحين غير شرعيين، حسب تعبيره. وأشار السائح إلى أن البرلمان الليبي منح لجنة الدفاع البرلمانية فترة لا تقل عن ثلاثين يوما لاختيار رئيس جديد للأركان خلفا للواء يوسف المنقوش، الذي يتهمه العديد من قادة الجيش بالتساهل مع المسلحين، وتقديم الدعم اللوجيتسي لهم. ورجح عضو المجلس الأعلى لثوار ليبيا عادل الترهوني أن تكون الاستقالة سيناريو "محبوكا" بين الوزير البرغثي ورئيس الحكومة زيدان، أو أنها كمين لإجبار رئيس الأركان المنقوش لتقديم استقالته هو الآخر. واتهم الترهوني زيدان بمحاولة خلط الأوراق السياسية والجهوية والقبلية في فترة انتقالية "حرجة. ومن جانبه، قال عبد الجواد البدين، أحد قادة الثوار في ليبيا، إن رئيس الأركان يوسف المنقوش تشير إليه أصابع الاتهام بأنه وراء تقديم الدعم المادي واللوجستي للمجموعات المسلحة في سبيل الضغط على الحكومة. ودعا البدين إلى احترام الحكومة المنتخبة والشرعية، قائلا إن قوة السلاح ستجبرها على اتخاذ بعض الخطوات والاستقالات. وسلط تصويت أعضاء المؤتمر الوطني العام في ليبيا على استقالة رئيس الأركان يوسف المنقوش والتي أرجئت إلى بداية يونيو لإيجاد البديل المناسب؛ الضوء من جديد على ضعف قوى الأمن والجيش في الحفاظ على أمن البلاد. وفي محاولة لنزع فتيل الأزمة، أعلن رئيس الوزراء الليبي خلال مؤتمر صحفي أمس الأربعاء عن إجراء تعديل وزاري وشيك، إلا أنه لم يحدد الوزارات التي سيشملها هذا التعديل، وهي خطوة ما يبدو للخروج من الأزمة السياسية والأمنية الحالية. وخلال المؤتمر، خفف رئيس الوزراء من لهجته حيال هذه الميليشيات حيث وصف عناصرها بالثوار الذين أسقطو نظام القذافي، وأضاف أن الحصار المستمر منذ حوالي عشرة أيام، سيُرفع قريبا.