ننشر تفاصيل المجلس الأعلى لشئون التعليم والطلاب للجامعات    استقرار سعر الدولار أمام الجنية في بداية تعاملات الجمعة 18 أكتوبر    أسعار اللحوم الحمراء اليوم الجمعة 18 أكتوبر    وزير الإسكان: إتاحة أراض ب20 مدينة جديدة لذوي الهمم    «نتنياهو» يعقد اجتماعا أمنيا لبحث جهود صفقة الأسرى    وزير خارجية إسرائيل: جوتيريش لم يرحب باغتيال السنوار    الاتحاد الأوروبي يصدر بيانا موجها إلى إسرائيل بشأن هجماتها على قوات اليونيفيل    المستشار الألماني يشيد بتأثير بايدن على العلاقات عبر الأطلسي    30 سنة عقم.. سيد عبد الحفيظ يسخر من استمرار احتفالات الزمالك بالسوبر الافريقي    مواعيد مباريات الجمعة 18 أكتوبر - يد الأهلي والزمالك في نصف نهائي إفريقيا.. ودربي سعودي    موعد والقناة الناقلة لمباراة الأهلي والزمالك ببطولة إفريقيا لليد    «الأرصاد»: أجواء خريفية وأمطار متوقعة اليوم الجمعة    حفرة بعمق 7 أمتار.. قرار بحق المتهمين بالتنقيب عن الآثار ببولاق أبو العلا    التموين:غرف عمليات لمتابعة الإلتزام بأسعار المحروقات الجديدة    شيرين عبد الوهاب تحسم الجدل بشأن لقب «صوت مصر»    وزير الصحة يؤكد أهمية تقييم التكنولوجيا الطبية في تعزيز الوضع الصحي    المنيا يلاقي التليفونات والأسمنت يواجه الواسطى بجولة نارية بدوري القسم الثاني    المعمل الجنائي: لا إصابات في حريق شقة سكنية بفيصل    التحفظ على سائقي سيارة تسببا في إصابة 9 أشخاص بالجيزة    حبس لصوص المنازل والمدارس في القاهرة 4 أيام    ارتفاع حديد عز والاستثماري.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 18 أكتوبر 2024    واشنطن بوست: السنوار لم يكن العائق الوحيد أمام وقف إطلاق النار ونتنياهو أعاقه مرارا    مدير «ثقافة أسوان» تكشف تفاصيل مهرجان تعامد الشمس على قدس الأقداس بمعبد أبوسمبل    نقيب الزراعيين: أسبوع القاهرة للمياه نجح في تأكيد موقف مصر بشأن سد النهضة    جوميز يصدم ثنائي الزمالك بقرار جديد قبل لقاء بيراميدز في السوبر المحلي    "مال أبونا لا يذهب للغريب".. دار الإفتاء تكشف حكم الشرع في هذه المقولة    أخبار الأهلي : تفاصيل قرعة الدوري المصري موسم 2024-2025    بعد تحريك أسعار الوقود.. ننشر تعريفة الركوب الجديدة لسيارات الأجرة بالقليوبية| تفاصيل    أسعار الذهب اليوم 18-10-2024 في مصر.. كم يسجل عيار 21؟    ورشة عمل عن إعادة تدوير المخلفات البلاستيكية والورقية لطالبات الأقصر    كورقة للتفاوض.. جيش الاحتلال قد يحتفظ بجثة السنوار    غارتان على منطقة المواصي غرب رفح الفلسطينية    سر حمل يحيى السنوار «علبة حلوى صغيرة» معه قبل مقتله.. تفاصيل جديدة    وفاة الشاعر أحمد علي موسى    اليوم.. تامر عاشور يحيي حفل غنائي بمهرجان الموسيقى العربية    الصين تُفضل هاريس على ترامب من أجل استقرار العلاقات    لا يسخر قوم من قوم.. تعرف على موضوع خطبة الجمعة اليوم مكتوبة    بعد قرار «التنظيم والإدارة»| تفاصيل جديدة بشأن ترقيات 2024 للموظفين وزيادة الأجور    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 18 أكتوبر    شيرين عبدالوهاب ترد على معجب طلب يدها للزواج .. ماذا قالت؟    طالب يصيب نجل عمومته بخرطوش في سوهاج    محمد فاروق: الاستعانة بخبير أجنبي لإدارة لجنة الحكام بشروط.. وجاهزين لإدارة السوبر المصري    اليوم، إطلاق 6 قوافل طبية ضمن مبادرة رئيس الجمهورية    اليوم.. وزارة الأوقاف تفتتح 32 مسجدًا بالمحافظات    اخترق موبايله على الهواء.. مستشار الأمن السيبراني يصدم حمدي رزق| شاهد    عبدالجليل: الزمالك سيواجه صعوبات أمام بيراميدز.. واتمنى أن يكون نهائي السوبر بين القطبين    أزهري: الزواج الشفهي بدون ورقة أو مأذون حلال    الوحدة المحلية بدمنهور تنظم قافلة سكانية وتثقيفية لدعم الصحة النفسية والمجتمعية    الصيادلة: أزمة نواقص الأدوية تنتهي تماما مطلع نوفمبر.. ولا زيادات جديدة بالأسعار    لطفي بوشناق: مصر وتد الأمة العربية.. عشت بها وأكلت من خيرها    سنن النبي يوم الجمعة .. 7 أمور اغتنمها قبل الصلاة وبعدها    لولو بتحب مها.. محمود شاهين يكشف سبب بكاء إلهام صفي الدين بحفل زفافه    محافظ الإسماعيلية يشهد احتفالية العيد القومي ال 73    أقل سعر دولار اليوم 18-10-2024 في السوق الرسمية    إنهاء كافة الاستعدادات للاحتفال بمولد العارف بالله إبراهيم الدسوقي    أستاذ باطنة: ارتجاع المريء يتحول لمرض مزمن فى هذه الحالة    نشرة التوك شو| تصفية السنوار وأصداء الافتتاح التجريبي للمتحف المصري الكبير    بطريرك الروم الأرثوذكس يختتم زيارته الرسمية بقبرص.. صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"ثقافة العيب" .. وراء العزوف عن مهن جادة
فرص جيدة تفوت على المجتمع مقومات النهوض
نشر في التغيير يوم 26 - 02 - 2013

حث الإسلام على الكسب بعمل اليد وتجنب الإعالة على الآخرين، وقد كان نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم يرعى الغنم قبيل نبوته، وعمل صحابته الميامين رضوان الله عليهم سائر الأعمال فمنهم من اشتغل بجمع الحطب وبيعه للناس، إلا أنه مع النظرة السلبية لبعض المهن باتت محل استنكار واحتقار البعض، فضلا عن أن القائمين بها لا ينظر إليهم باحترام كغيرهم من البشر، رغم كونها من ضروريات المجتمع، وانصراف مشتغليها يصيب الحياة بالشلل والخلل الذي لا يمكنه إصلاحه، فضلا عن أن هذه المهن ليس شرطاً أن يقوم بها فقط من تعثر في حياته، وليست أيضاً لأفراد بعينهم لا تنبغي لغيرهم.
إن قضية البطالة بدأت تدق أجراس الخطر، وهي مشكلة لا بد من التعامل معها، ولا يجوز تركها للسنين، كونها تحمل مشكلات ذات أبعاد خطيرة على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وقد تتعقد مستقبلا أكثر فأكثر، وإذا كثر عددها مستقبلا فسيصبح ذلك أمرا صعبا للغاية.
لا شك أن هذا الكلام يمكن لأي مراقب إثبات حقيقته اليوم دون أدنى جهد، فالحديث عن مشكلات البطالة متشعب وخطير, من حيث مسؤوليتها المباشرة في زعزعة البنى والتراكيب الاجتماعية، وزيادة العجز في موازنات الدول، كما ينتج عنها ضغوطا مستمرة على الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية والتموينية، مما يستدعي الوقوف بجدية لحل هذه المشكلة، ولا سبيل لذلك إلا من خلال تشجيع بعض المهن اليدوية والأنشطة الحرفية والخدمية التي انصرف عنها الكثيرون بسبب "ثقافة العيب"، التي التصقت بها، وأفرزتها ثقافة استعلائية رسخ لجذورها في المجتمع النظرة التطلعية لكثير من الشباب والرغبة في التقليد الشكلي دون المضمون الجوهري، ومحاكاة ما يراه من صور وأنماط وظائف تتعلق بثقافات توطنت داخل حضارات لدول تجاوزت حدود التخلف التنموي، وبات لديها إحلال لما تفرزه الطفرات التكنولوجية لديها في استيعاب مهام تلك المهن، وبات وثيق الصلة للقائمين بها ضرورة التحلي بالتقدم العلمي والفكري لمواكبة تطورات تلك المهن.
ونضرب مثلاً على ذلك لمهنة عامل النظافة في الدول المتقدمة، فنجد أنها إنسان طبيعي للغاية يمارس مهنته بحرفية شديدة للغاية، بل ويمكنه فرز وتخصيص القمامة استناداً للتكنولوجيا الحديثة التي تتوافر لديه من معدات وماكينات، ناهيك عن ممارسته لكافة الأنشطة الحياتية المختلفة، ولا يثنيه ذلك عن قيامه بدعم الجوانب الاقتصادية لوطنه، وتوظيف مدخراته في أسواق الأوراق المالية ومتابعة نصيبه اليوم من توزيعات كوبونات الأرباح التي تصرفها الشركات لمساهميها فالمواطن مؤهل ومدرب، فضلاً عن النظرة المغايرة لثقافات تلك الحضارات عن مجتمعاتنا في النظر إلى المنخرطين في تلك المهن كونهم مشاركون بالأساس في بناء وطنهم ونموه.
نظرة سلبية
هناك أنماط سلوكية تعد من معوقات انخراط الشباب في بعض المهن الحرفية ، ومنها اعتماد كثير منهم على الأهل والأقارب ، وعدم التفكير الجاد في العمل في مثل هذه المهن ، فضلا عن وجود بعض القيم الاجتماعية السلبية تجاه العمل اليدوي والمهني، مما يحدو ببعض الأفراد إلى التأفف والنفور والاستنكاف من قبول العمل في بعض المهن والتخصصات.
فضلا عن اتجاه بعض المواطنين للعمل في القطاع العام والحكومة ، لما يوفره حسب ظنه من علاقات رسمية واستقرار وظيفي.
ويرى الخبراء أن التغيير الاجتماعي فيما يتعلق بنظرة المجتمع حول هذه المهن يبدأ من القاعدة بين فئات المجتمع من خلال المناقشة والمعرفة والوصول لقناعات مستندة إلى أسس منطقية في التقييم وزرع أفكار جديدة في عقول الناس ، وأن تقدر جهودهم باعتبار أن أي نوع من العمل الشريف يستحق الاحترام، فممارسة بعض المهن والحرف يجب أن تكون شيئا طبيعيا لدى أفراد المجتمع ، خاصة وأن العمل المهني ينمي القدرات ويمنح الفرد مهارات مهنية تمكنه من العمل بها في أي وقت مع اعتزازه بنفسه وبقيمة عمله.
ثقافة العيب
من المشكلات التي تتسبب في عزوف الشباب عن الاشتغال بالمهن والحرف اليدوية، وتبدو هذه الظاهرة في تحاشي كثير من الشباب الالتحاق بالأعمال والمهن والحرف الفنية التي لا يمكن حصرها ولكن يذكر منها على سبيل المثال الحدادة والسباكة والنجارة والعمل في بيع الخضروات والسلع ومطاعم الوجبات السريعة، ومندوبي المبيعات والحلاقة والحياكة والتفصيل وفن الأرابيسك وتصليح الأجهزة الالكترونية وصناعة الأحذية، وما يستجد من مهن وحرف يحتاجها المجتمع وتتطلبها الحاجة.
ولا يزال المجتمع ينظر مع الأسف الشديد لهذه الأعمال نظرة أقل من نظرته للأعمال الذهنية، ومن الأسباب المسؤولة كذلك عن هذه الظاهرة قلة التوعية الاجتماعية والإعلامية بهذه المهن وبأهميتها، وببيان أنها لا تقل قدرا ولا شرفا عن الأعمال الذهنية.
ولعل من بين الأسباب التي تؤدي إلى النفور من الالتحاق بمثل هذه المهن ، مما يسيء إلى سمعة المهنة وأهلها ، فكثير من أرباب المهن هم من يتعاطون الخمور والمخدرات أو لا يتمسكون بالقيم الخلقية في أعمالهم لخلل في تربيتهم الفكرية والثقافية.
كذلك من العوامل السببية لهذه الظاهرة انخفاض مستوى التعليم الأساسي بين المشتغلين بهذه المهن، والمعروف أن التعليم يرفع من مستوى كفاءة الفرد، ويؤدي إلى استنارة عقله، واحترام الناس له واحترامه لنفسه، ولذلك فليس غريباً أن الفتاة المتعلمة قد ترفض شاباً حرفياً بينما تقبل الزواج من شاب آخر متعلم ، حتى وإن كان دخله يقل عن دخل زميله الحرفي.
ويرى بعض الخبراء أن عزوف بعض الشباب عن ممارسة المهن اليدوية، تولد عنه إحداث نقص في اليد العاملة الفنية في مختلف الحرف، ما ترتب عنه تراجع المشاريع التنموية والإنتاجية، هذا من ناحية. كما أسهمت أيضاً نظرة المجتمع الضيقة إلى هذه الحرف في هروب الشباب منها والامتناع عن تعلمها وممارستها، بدليل أن بعض الأسر تحث أبناءها على المثابرة في الدراسة، للظفر بمناصب عمل مشرفة، بينما تحتقر بعض المهن اليدوية التي في اعتقادهم تخص عديمي المستوى.
عواقب كارثية
تسبب عزوف الشباب عن احتراف تلك المهن إلى حدوث نقص كبير في العمالة الفنية المتخصصة، وأصبحنا في حاجة ماسة إلى وجود أعداد متزايدة من الكوادر الماهرة ونصف الماهرة وذلك لسد احتياجات مشاريع التنمية والمشاريع العمرانية والإنتاجية الخاصة والعامة.
وأدى ارتفاع مثل هذه العمالة في أجورها وندرتها إلى عرقلة حركة الإنتاج وارتفاع تكلفة السلع والوحدات المنتجة بصورة خيالية ، وجذبت أسواق العمالة القادرة على دفع الأجور الباهظة أرباب الكفاءات الفنية إليها ، بينما بقي قليلو الخبرة ليقوموا بعبء العمالة الفنية في مجتمعاتهم الأصلية ، مما أدى إلى انخفاض جودة الأعمال التي يمارسونها وانعكس ذلك بطبيعة الحال على مستوى الدخل الوطني والفردي ، فضلا عن حدوث فجوة عميقة في مستويات المعيشة بين أرباب الأعمال اليدوية التي ارتفعت أجورها ارتفاعا خياليا وبين أرباب الأعمال العقلية والذهنية أو الكتابية والمكتبية.
وأدى ارتفاع أجور العمالة الماهرة إلى ارتفاع الأسعار وعجز رواتب أصحاب الدخول المحدودة عن الوفاء بمتطلبات الحياة ، ومؤدى ذلك أن مشكلة احتقار الأعمال اليدوية وإن كانت مشكلة تخص الشباب إلا أن لها انعكاسها على الحياة الاجتماعية والاقتصادية برمتها ، الأمر الذي يجعل التفكير في أسبابها وفي علاجها أمرا حيويا.
وسائل العلاج
يحتاج الأمر إلى رفع الوعي وتغيير الثقافة المجتمعية والنظرة السلبية للعمل الحرفي، وتعزيز قيمته من منظور إسلامي واقتصادي واجتماعي ، وضرب نماذج مثالية لشباب مثابر ، تحدى احتقار فئة كبيرة من المجتمع لبعض الأعمال المهنية والحرف اليدوية لأسباب غير موضوعية ، ولا تستند إلا على نظرة اجتماعية قاصرة ، ولم يرتهنوا لتلك النظرة ويحرموا أنفسهم ومجتمعهم من تلك الطاقات العظيمة ، بل اقتحموا سوق العمل المهني واستطاعوا تحقيق الاكتفاء الذاتي لهم ولأسرهم، حتى أن البعض منهم استطاع تكوين ثروة لا بأس بها من خلال مزاولة مثل تلك المهن.
ويحتاج علاج هذه المشكلة إلى تضافر قوى الفرد والجماعة ، فلا يمكن أن نلقي المسئولية كلها على شبابنا ، ولكن لابد من تضافر الجهود لتغيير الاتجاه الاجتماعي نحو هذه المهن وتحرير عقول الناس من الرواسب والشوائب المتعلقة بها ، فضلا عن القيام بحركة توعية واسعة وشاملة ، وتوجه بصفة خاصة نحو الشباب لبيان أهمية الأعمال اليدوية والحرف الماهرة وغير الماهرة ، وأنها لا تقل قدرا ولا شرفا عن الأعمال الذهنية.
ولا شك أنه من بين وسائل رفع مستوى العاملين بهذه المهن نشر التعليم الأساسي بينهم ، بحيث يحصل الشاب على قدر مقبول من التعليم الأساسي الذي يؤدي إلى استنارة ذهنه قبل أن يلتحق بمهنة معينة
كذلك من العوامل التي تؤدي إلى احترام المجتمع لأرباب المهن اليدوية وضع ضوابط لأخلاقيات هذه المهن ، ومنع تفشي الانحراف أو الاستغلال بين العاملين فيها . ولتوفير الأعداد اللازمة من أصحاب هذه المهن يتعين على مجتمعاتنا العربية التوسع في إنشاء مراكز التدريب المهني والتلمذة الصناعية ، وكذلك عقد الدورات التدريبية في هذه المهن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.