أتاحت لي احتفالات عيد الميلاد الفرصة للابتعاد عن التفكير في الحروب، التي يشتعل أوارها في العديد من مناطق العالم في الوقت الراهن، والتي تمثل الحالة الثابتة للأمة الأميركية المعاصرة- إذا ما جاز لي القول. في نهاية عام 1941، وفي أعقاب الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر، كان لدى الولاياتالمتحدة وزارة اسمها «وزارة الحرب»، وهو الاسم الذي ظلت تحمله منذ عام 1789. وفي عام 1949 تغير اسم الوزارة ليصبح «وزارة الدفاع». لم يكن عام 1949 هو العام الذي تغير فيه اسم الوزارة فحسب، وإنما كان أيضاً العام الذي شهد انتهاء الصراحة والمباشرة ليس في الوزارة فحسب، وإنما في الحكومة الأميركية بأسرها. وكان عام 1949 أيضاً هو العام الذي شهد ولادة حلف الأطلسي الذي ساهمت في تأسيسه حكومة أميركية كان أول رئيس لها وهو جورج واشنطن قد قال في خطاب وداعه «إن سياستنا الحقيقية هي أن ننأى بأنفسنا عن الدخول في أي أحلاف دائمة مع أي جزء من العالم الخارجي». كانت تلك، دون شك، نصيحة غير عملية؛ ولكنها على أي حال كانت النصيحة التي نجحت الولاياتالمتحدة في اتباعها طيلة القرن الذي تلاها. وجاء الرئيس وودرو ويلسون، بعد واشنطن بعقود، كي يحدد للولايات المتحدة المهمة الدائمة التي يجب أن تضطلع بها والتي حافظت عليها من ذلك الحين وهي(الحرب من أجل إنهاء الحروب التي تندلع في أي مكان في العالم). وكان هذا هو السبب الذي أدى إلى تأسيس قوات مسلحة أميركية يفوق حجمها حجم باقي قوات العالم مجتمعة. وعلى الرغم من ذلك وجدنا من ينادي في الكونجرس بزيادة حجم هذه القوة وزيادة تسليحها وميزانيتها بالتالي. ومن المزايا التي كان يحظى بها «تشك هاجل» Chuck Hagel عضو مجلس الشيوخ «الجمهوري» عن ولاية نبراسكا، والذي يعمل أستاذاً في جامعة جورج تاون في الوقت الراهن أنه كان رجلا صريحاً ومباشراً. ويعتقد في واشنطن من قبل عديدين أن تلك الصراحة والمباشرة كانت هي السبب في صرف النظر عن تعيينه وزيراً للدفاع على اعتبار أن تلك الصفة تحديداً كانت تجعل منه رجلا غير ملائم للمنصب. كان «هاجل» هو الرجل الذي عارض السبب الذي دعا أميركا إلى خوض حرب فيتنام، والطريقة التي أجرت بها تلك الحرب، كما كان أيضاً الرجل الذي عارض الغزو الأميركي للعراق واحتلاله، ورفض إخضاع المصالح القومية الأميركية العليا لمصالح إسرائيل، على الرغم من علمه بقوة اللوبي الإسرائيلي داخل الكونجرس وقدرته على إلحاق الأذى به. وعدم اختيار «هاجل» لمنصب وزير الدفاع كان شيئاً يدعو للأسى في الحقيقة، لأنه ليست هناك وزارة تحتاج إلى أن يكون القائم عليها رجلا صريحاً ومباشراً مثل وزارة الدفاع الأميركية، فهذه الوزارة تحتاج إلى رجل صريح يشرح لنا صراحة ما يلي: أولاً: ما هي الأسباب التي تدعو الولاياتالمتحدة إلى تبني موقف عسكري مستفز تجاه الصين بدلاً من أن تقول لها صراحة إن الخلافات القائمة بينها- الصين- وبين تايوان وكوريا الجنوبية واليابان، حول ملكية جزر في بحر الصين الجنوبي ومناطق ساحلية أخرى، يجب أن تخضع لأحكام القانون الدولي، ويتم حلها من خلال المفاوضات والتسويات؟ ثانياً: ما هي الأسباب التي جعلت الولاياتالمتحدة تكون محوراً وسط ضجة إعلامية كبيرة، وهو محور يمتد من أوروبا ووسط وغرب آسيا إلى شرق آسيا؟ هل تريد أن ترسل إشارة مؤداها أنها تتوقع حرباً مع الصين بدلا من المفاوضات السلمية لحل المشكلات العالقة بينهما؟ وما هو السبب- في هذا السياق أيضاً- الذي دعاها لنشر قوات مارينز في أستراليا (وربما في نيوزلندا في المستقبل)؛ وما هو السبب الذي دعاها لإقامة قواعد للطائرات التي تطير من دون طيار في جزر «كوكوس» التابعة لأستراليا، وفي الفلبين، وجزر ماريانا؟ ثالثاً: ما هي الأسباب التي دعت قائد القيادة العسكرية الأميركية في المحيط الهادي للقول إن الولاياتالمتحدة تعتبر المحيط الهادي «مساحة مشاعة» ستتم حمايتها من قبل الولاياتالمتحدة... على الرغم من أن المرء عندما يسمع عن مساحة مشاعة من المياه فإنه يتوقع على الفور أن مهمة حمايتها منوطة بكافة الدول المطلة عليها؟ رابعاً: ما هو السبب الذي يدعو الولاياتالمتحدة للاعتقاد بأن ميانمار، وتايلاند وكمبوديا تعتبر حليفاً عسكرياً محتملا لها، كما جاء على لسان أوباما شخصياً في زيارته الأخيرة للمنطقة؟ وهل يجوز بنفس المنطق أن تسعى الصين لعقد تحالفات عسكرية مع فنزويلا وكوبا والمكسيك وكولومبيا؟ خامساً: ما هو السبب الذي يدعو القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا لإقامة قواعد عسكرية صغيرة- ولكنها قابلة للتوسع وتوفر الولاياتالمتحدة جنودها بشكل دائم- ونشرها في مختلف أنحاء القارة؟ سادساً: ما هو السبب الذي يحول حتى الآن دون وضع طائرتين من أكثر الطائرات الأميركية تطوراً مثل إف- 22( رابتور) وإف-35 (ل يتننج) في الخدمة العاملة، على الرغم من أن تكلفة تصميهما وانتاجهما قد تجاوزت مليارات الدولارات حتى الآن؟ هذه أسئلة لا نكاد نسمع عنها حديثاً صريحاً من جانب البنتاجون، مما يجعلنا ننادي بأعلى صوتنا: نحن بحاجة إليك ياسيد«هاجل»!