أكد د. محمد بسيوني استاذ الإعلام بكلية الإعلام بجامعة الأزهر أن الإعلام المصري بكافة أبواقه الحكومية والخاصة أدى دوراً مناهضا للثورة ليس في أثناء أحداثها فحسب ولكن بعدما نجحت الثورة في الإطاحة بالمخلوع ورموز حكمه كانت وسائل الإعلام المصرية تؤدي نفس الدور المشبوه في إجهاض الثورة . وأضاف في حواره ل"التغيير" أن الإعلام المصري بأبواقه ما زال يؤدي هذا الدور الهدام إلى الآن وما لم يتنبه المصريون إلى الدور المشبوه الذي يمارسه هؤلاء الإعلاميون بالكشف عن المال السياسي الفاسد الذي ينفق في تمويل هذه الأبواق فلربما تفشل هذه الثورة في تحقيق أهدافها , وإلى نص الحوار: *بدايةً كيف تري الدور الذي ساهم به الإعلام المصري في دعم ثورة يناير؟ الإعلام المصري بكافة أبواقه الحكومية والخاصة أدى دوراً مناهضا للثورة ليس في أثناء أحداثها فحسب ولكن بعدما نجحت الثورة في الإطاحة بالمخلوع ورموز حكمه كانت وسائل الإعلام المصرية تؤدي نفس الدور المشبوه في إجهاض الثورة من جانب الإعلام الحكومي الرسمي ومن جانب الإعلام الخاص الذي يموله رجال الأعمال الذين استفادوا في العهد البائد , وكانت الفضائيات الخاصة التي أطلقها هؤلاء من أمثال السيد البدوي وأحمد بهجت وحسن راتب ومن على شاكلتهم أشبه بالديكور الإعلامي لمبارك المخلوع وعصابته. كما كانت الأحزاب السياسية الكرتونية التي عارضت الحزب الوطني المنحل تمثل الديكور السياسي للمخلوع وعصابته حتى يظهر أمام العالم وكأن في مصر إعلام حر ونظام سياسي ديمقراطي به العديد من الأحزاب. لكن الواقع يشير إلى أن المصريين يحملون في عنقهم ديناً لتليفزيون الجزيرة فلولا قناة الجزيرة والجزيرة مباشر مصر التي واجهت التزييف والتضليل الذي مارسه الإعلام المصري على شعبه ما كان يمكن لثورتنا المجيدة أن تنجح ...صحيح ارتكبت الجزيرة في سبيل دعمها للثورة المصرية بعض الأخطاء المهنية لكنها على أيه حال قدمت خدمة جليلة لهذا الوطن بالتخلص من مبارك وعصابته فقناة الجزيرة أدت دوراً مهما في نجاح الثورة ولولا دعمها ربما لم يكن يكتب لهذه الثورة أن تنجح على الإطلاق وما زال المصريون يتذكرون موقفها الإعلامي أثناء موقعة الجمل الشهيرة. وهذا يفسر لماذا يتطاول أذناب مبارك على قناة الجزيرة الآن ويطعنون في مصداقيتها بل نجح بعض البلطجية الذين يؤجرهم أذناب النظام البائد في تدمير مقر الجزيرة مباشر في القاهرة الذي كان ينبغي على الثوار الحقيقيين أن يدافعوا عنه بأرواحهم فالثائر الحق لا يمكن أن يقوم بتدمير مقر قناة الجزيرة في مصر وهو يعلم الدور العظيم الذي أدته هذه القناة في دعم ثورته البيضاء. *ما هي أبرز المشكلات التي تواجه المنظومة الإعلامية من وجه نظركم؟ مشكلات الإعلام كثيرة والإعلامي في مصر من أكثر السلع عرضة للبيع فهو على استعداد دائم لبيع نفسه لمن يدفع أكثر ، وبدلاً من أن تكون منظومة الإعلام في مصر من المؤسسات التي تراقب أداء المؤسسات المختلفة وتكشف الفساد فيها حتى في مؤسسات مكافحة الفساد ( أقصد الشرطة والقضاء ) كما يحدث في الدول الديمقراطية المحترمة , حيث تحولت هذه المنظومة الإعلامية إلى منظومة تكرس للفساد وتدعمه فالصحفي الذي يعمل مندوباً لصحيفته في أي جهة كانت سرعان ما يبيع نفسه لهذه الجهة ويتحول من مندوب للصحيفة في هذه المؤسسة إلى مندوب للمؤسسة في الصحيفة بسبب أن المسئول قام بشرائه في هذه المؤسسة حتى لا يكشف فساده بل وفساد المؤسسة ذاتها. وهكذا الحال في بقية الأبواق الإعلامية بعدما سيطرت عليهم أفكار المدرسة النفعية التي تحض الإنسان على تحقيق سعادته الشخصية لكنهه في المقابل لا تجعل للقيم الأخلاقية الرفيعة أهمية لديه في سبيل سعيه إلى ما يحقق مقاصده الذاتية. *كان للإعلام الدور الأكبر في خلق العديد من الأزمات خلال فترة ما بعد الثورة , فما سبب ذلك من وجهة نظرك؟ بالفعل تسببت هذه المنظومة الإعلامية ذات التركيبة الفاسدة بطبيعتها في خلق العديد من الأزمات للثورة المصرية بل ومحاولة إجهاضها حفاظاً على مكتسباتهم من العهد البائد ، ناهيك عن ذلك فلقد أدى توظيف المال السياسي الفاسد في قطاع الإعلام لا سيما الإعلام الصحفي والفضائي دوراً خطيراً في إجهاض الثورة المصرية وفشلها في تحقيق أهدافها لا سيما في ظل إعلاميين على استعداد دائم لبيع أنفسهم لمن يدفع أكثر ولو على حساب الوطن وحرقه. فلقد قام هذه الإعلام المشبوه تمويلياً بتأجيج الصراع بين رفقاء الميدان وإحداث الفرقة والتشعب بين الائتلافات الثورية المختلفة بل وقام بخلق زعامات وهمية لهذه الائتلافات الثورية ثم قام بعد ذلك بتشويه صورتهم بالكشف عن ممارساتهم الأخلاقية التي ينفر منها المجتمع وكل ذلك من أجل تشويه الثورة في الوجدان العام للمصريين. لم يتوقف الأمر على ذلك فحسب بل أشعل فتيل الأزمة بين الفصائل الإسلامية باختلاف توجهاتها والفصائل المدنية على تباين أفكارها بل لم يكتف بذلك ولكن عمل على تأجيج الخلافات بين المنتمين لفصيل واحد وكل ذلك من أجل إجهاض الثورة والقضاء على مكتسباتها , بالفعل أدى الإعلام المصري الهدام دوره كما رسم له بالورقة والقلم من أذناب العهد البائد ومن شايعهم من رجال الإعمال المستفيدين من الفساد المباركي في إجهاض الثورة ومحاولة القضاء على مشروعها الحضاري الذي لخصت هتافات الميدان أبعاده "عيش حرية عدالة اجتماعيه". *هل تري أن الإعلام الحالي خاصة قنوات الاتصال التي يمتلكها رجال مبارك قد يعقوق نجاح الثورة؟ أعتقد أن الإعلام المصري بأبواقه ما زال يؤدي هذا الدور الهدام إلى الآن وما لم يتنبه المصريون إلى الدور المشبوه الذي يمارسه هؤلاء الإعلاميون بالكشف عن المال السياسي الفاسد الذي ينفق في تمويل هذه الأبواق فلربما تفشل هذه الثورة في تحقيق أهدافها. فنحن أمام منظومة إعلامية أقل ما يمكن أن توصف بها أنها منظومة فاسدة وجاء توظيف المال السياسي في قطاع الإعلام ليزيد المشهد السياسي في مصر إرباكاً ، ويعمل على المزيد من إهدار الوقت في تخلص مصر من هذا الفترة الانتقالية مستغلاً تلك النخبة الفاسدة التي ورثناها من عهد المخلوع وعصابته وهذه النخبة التي نظرت إلى الوطن باعتباره "حصالة" لجمع الأموال بالفعل جعلو الوطن في جيوبهم ولم يجعلوه في قلوبهم وهو الأمر الذي يؤدي إلى تأخر الوطن من هذه الفترة الكابية ويؤدي إلى هروب مزيد من الاستثمارات من مصر بالإضافة إلى تراجع أعداد السائحين وهذا كله من أجل ضرب المشروع الثوري لهذا الوطن العظيم. *ماهي مقترحاتكم لتطوير الإعلام والدور المنوط به لخدمة قضايا الوطن المختلفة ؟ فيما يتعلق بتطوير الإعلام المصري لابد أن يسرع وزير الإعلام المصري بتشكيل مجلس وطني للإعلام يضع العديد من الاعتبارت المهنية التي ينبغي للوسائل الإعلامية المختلفة الإلتزام بها ويضع في المقابل الجزاء المناسب للإعلامي والوسيلة في حال ارتكابها أي أخطاء مهنية تنص عليها هذه الوثيقة المتعلقة بالقيم المهنية ومواثيق الشرف الإعلامي وأن تكون مهمة المجلس الوطني للإعلام الإشراف على كل الأبواق الإعلامية والتعرف على مصادر تمويلها كما يحدد - أيضا - الإعتبارات المهنية ويقدر الجزاءات التي يت تطبيقها على من يرتكب أو يتجاوز هذه الإعتبارات المهنية ناهيك عن الكشف عن الفساد المالي والإداري المتراكم داخل هذه المؤسسات لا سيما الحكومية منها.