أسبوع عاصف سقط فيه أكثر 130 شهيداً - معظمهم من الأطفال - ، أسبوع واحد لكنه مر ثقيلاً بطيئاً ليس على أهل غزة وحدهم ولكن على القاهرة والشعب المصري بوجه عام ، وأخيراً توصلت مصر إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الجانبين الصهاينة والفلسطينين بمباركة أمريكية ، لكن الأمر لا يقف عند حد الاتفاقية .. فيبدو أن خرائط سياسية عديدة تغيرت إزاء هذه الاتفاق . داخل الأرض المحتلة بصورة جلية يتضح أن الخريطة السياسية داخل فلسطين على وشك التعديل الكامل ، حماس الاسم الأكبر في المقاومة الفلسطينية المسلحة وصلت إلى حد "نقطة التعادل" مع العدو الصهيوني خاصة بعد عملية "حجارة السجيل" الصاروخية وهو ما دفع الدولة المزعومة - بعد حالة الفزع الذي عاشته والاختباء داخل الملاجيء والمراحيض - إلى السعي الحثيث لطلب الهدنة والتهدئة ، لكن الأمر لا يقتصر عن "الردع العسكري" فقد تجاوز ذلك .. ويبدو أن حماس ستلعب خلال الفترة المقبلة دوراً "سياسياً" ملحوظاً خاصة في ظل دعمها القوي من المحور الأقوى في الشرق الأوسط ( إيران - مصر - تركيا ) . وهو الأمر الذي يعني بالضرورة "انتهاء صلاحية" حركة فتح التي كانت حتى عصر المخلوع حسني مبارك تتزعم الحل الدبلوماسي والتفاوضي مع "إسرائيل" ولكن بدون أنياب حقيقية خاصة في ظل ما تردد في الآونة الأخيرة عن تورط صائب عريقات و ياسر عبد ربه في فضائح جنسية مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني . أما داخل تل أبيب ، فإن الحرب الوهمية التي شنها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على غزة يبدو وكأنها قضت مبكراً على آمال رئيس الوزراء "المغرور" في الفوز في الانتخابات القادمة .. والتي كان قد عقد كل أحلامه عليها في أن تحل محل "الدعاية الانتخابية المجانية" حتى وإن كانت على رقاب الأطفال ودماء النساء والشيوخ .. ويبدو أن دمائهم أصبحت لعنة عليهم كما قال محمد مرسي . خارج حدود فلسطين يبدو أيضاً أن الحرب القصيرة التي وضعت أوزراها مؤخراً ، قد أكدت أن الخريطة خارج فلسطين قد تغيرت تماماً . وبرغم الدور البارز الذي لعبته القاهرة فإن أحداً لا يستطيع أن ينكر أن هناك اختلافاً كبيراً في أيدولوجية تعامل القاهرة من شقين ، الأول أن القاهرة اتخذت موقفاً حاسماً من دعم الكيان الصهيوني في الاعتداء على غزة فإذا كانت "تسيبي ليفني" قد أعلنت في عام 2008 الحرب على غزة من داخل القاهرة فإن خالد مشعل يعلن اليوم انتصار المقاومة من داخل القاهرة أيضاً .. أما الشق الثاني فهو اختلاف أيدولوجية "الإخوان المسلمين" والرئيس محمد مرسي على وجه الخصوص ، فبعد أن كان تعامل الإخوان المسلمين - قبل وصولهم للرئاسة - يأتي من منطلق المقاطعة الكاملة مع الصهاينة وبعد أن تعمد الرئيس محمد مرسي خلال الفترة السابقة عدم ذكر كلمة "إسرائيل" في خطاباته .. تحول الرئيس وبعض أفراد من جماعته إلى "وسطاء" بين أطراف عدة من بينهم "إسرائيل" . ليس الإخوان المسلمين فقط هم من اختلفت تعاملاتهم وتحولت إلى الوسائل "السياسية" ، فالولايات المتحدةالأمريكية هي الأخرى اعترفت اعترافاً ضمنياً بحركة حماس ولعبت هي الأخرى دوراً وسيطاً في تهدئة الأجواء بينها وبين الدولة المزعومة وهو ما يؤكد وجود تغير واضح في السياسات الأمريكية تجاه حركة المقاومة . وإذا ابتعدنا قليلاً عن دائرة "فلسطين" نجد أن الطريق أصبح ممهداً أمام "النووي الإيراني" بعد أن أدارت إيران و"أسلحتها" المعركة بذكاء فحاصرت إسرائيل للمرة الثانية بعد أن انتصرت عليها قبل ذلك في حرب "حزب الله" . ويبدو أن الكيان الصهيوني أصبح محاصراً بين حزب الله في الشمال وبين حركة حماس في الجنوب ليضيق الخناق وتتغير قواعد اللعبة في عالم سياسي لا يعترف بثبات القواعد .